مقالات

الجنوب الليبي.. ساحة للقتال بين أكبر قوتين في الشرق والغرب / جبور دوكن

 

 

انتقل ثقل المعارك في ليبيا من إقليمي برقة (شرق) وطرابلس (غرب) إلى “إقليم فزان” (جنوب)، عقب تدشين قوات خليفة حفتر، الموالية لمجلس النواب بمدينة طبرق (شرق)، هجمات برية على قاعدتي “براك الشاطئ” و”تمنهنت” شمالي مدينة سبها، مركز إقليم فزان، وغارات جوية على قاعدة الجفرة الجوية (وسط).

فبعد سيطرة قوات حفتر على منطقة الهلال النفطي (شمال وسط)، وحصر قوات “مجلس شورى ثوار بنغازي” في أحياء ضيقة شمال وسط بنغازي، إضافة إلى طرد “كتائب مصراتة” (موالية لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة من المجتمع الدولي) لتنظيم داعش الإرهابي من مدينة سرت (شمال وسط)، أصبح الجنوب هو ساحة القتال الرئيسية بين أكبر قوتين في الشرق والغرب.

وبينما يقول مجلس النواب، الذي يرفض الاعتراف بحكومة الوفاق ويطالب بإدخال تغييرات على اتفاق السلام، إن تحركات قواته حفتر جنوبا تستهدف مكافحة الإرهاب، يرجح مراقبون أن هذه القوات، وبتلك التحركات، تسعى إلى الالتفاف جغرافيا على مدينة مصراتة، والانقضاض على العاصمة طرابلس، دون الاصطدام بكتائب مدينة مصراتة، الواقعة بين طرابلس وبنغازي على البحر المتوسط.

وعامة، فإن الغارات على قاعدة الجفرة، الثلاثاء الماضي، وما سبقها من تحركات واشتباكات بين “القوة الثالثة”، التابعة لـ”كتائب مصراتة”، وقوات “اللواء 12″، التابعة لحفتر، في “بوابة قويرة المال”، المدخل الشمالي لسبها (جنوب غرب) وقاعدة تمنهت الجوية، تثير مخاوف من تصاعد التوتر في محافظتي سبها والجفرة بين قوات حفتر و”كتائب مصراتة”.

صراع على القاعدتين
محافظة الجفرة ومدينة سبها، بل والجنوب الغربي عامة، خاضعة لنفوذ “القوة الثالثة”، التابعة لـ”كتائب مصراتة” (نحو 200 كلم شرق طرابلس)، والتي تمثل أكبر قوة عسكرية في الغرب، لكن قاعدتي “براك الشاطئ” و”تمنهنت”، تقعان في مناطق تسكنها قبائل موالية للنظام السابق (معمر القذافي)، على غرار القذاذفة، المنحدر منها القذافي؛ مما يفسر وقوع محاولات للسيطرة على القاعدتين الجويتين.

وفي ديسمبر/ كانون ثان 2016، تمكنت قوات تسمي نفسها “اللواء المجحفل 12″، بقيادة “محمد بن نائل”، (ضباط قاتل مع كتائب القذافي قبل أن يعلن ولاءه لحفتر) من السيطرة على قاعدة “براك الشاطئ” الجوية، وهي خارجة عن الخدمة، لكنها تضم مخازن أسلحة وذخائر، وكثيرا ما لجأت إليها “القوة الثالثة” لنقل العتاد إلى ساحات المعارك، خاصة في الهلال النفطي بين عامي 2014 و2016.

غير أن قوات “بن نائل” فشلت في السيطرة على قاعدة “تمنهت”، التي تضم مطارا، تابع لسبها، لنقل المسافرين، وذلك عقب تعزيز “القوة الثالثة” تحصيناتها في المنطقة، وإعلانها استعادة قاعدة “براك الشاطئ” من “بن نائل”، الذي سبق وأن سقط أسيرا في أيديها عام 2015، بعد سلسلة معارك في منطقة ورشفانة جنوب طرابلس، قبل أن يتم إطلاق سراحه ضمن تبادل للأسرى.

غارات حفتر
محمد أقليون، المتحدث باسم “القوة الثالثة”، التابعة لـ”كتائب مصراتة”، قال إن “هذه الاشتباكات تأتي ضمن محاولات قوات حفتر المستمرة للسيطرة على كافة مناطق الجنوب الليبي، وخاصة القواعد العسكرية، وتحديدا قاعدتي تمنهنت وبراك الشاطئ”.

أقليون، وفي تصريح للأناضول، تابع أن “الهدف من استهدف القواعد العسكرية بالطيران هو إخلاؤها من الثوار، ثم اتخذها مكانا لتزويد طائرات حفتر بالوقود والسلاح، لمهاجمة الغرب الليبي، وقبل أيام صدت القوة الثالثة هجوما شنته قوات لحفتر على قاعدة تمنهت (جنوب غرب)، وسيطرت على الطريق بين سبها وبراك الشاطئ وتمنهت”.

بالمقابل، أضاف المتحدث، أن “القوة الثالثة بصدد الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، التي استولت عليها قوات حفتر، إذا فشلت مساع يقوم بها أعيان الجنوب لخروج قوات بن نائل من القاعدة سليما”.

وفي مارس/ آذار 2015، شهدت منطقتي براك الشاطئ والقيرة (جنوب غرب) مواجهات بين “القوة الثالثة” وقوات “بن نائل”، على خلفية مقتل جندي تابع لـ”القوة الثالثة” واختطاف خمسة آخرين، إثر اشتباكات مع مجموعة مسلحة تسللت إلى مخازن الذخيرة قرب قاعدة براك الشاطيء، وبعدها بيومين أطلقت “القوة الثالثة” عملية عسكرية لتحرير بلدتي براك الشاطي والقيرة.

بالفعل، تمنكنت “القوة الثالثة” من السيطرة علي القيرة، مسقط رأس عبد الله السنوسي (رئيس مخابرات القذافي وصهره) بداية أبريل/نيسان 2015، بعد اشتباكات مع مجموعة مسلحة تنتمي لقبيلة المقارحة، الموالية لحفتر، واعتقلت “بن نائل” في البلدة.

عن الصراع بين الشرق والغرب على الجنوب، قال عميد بلدية سبها، حامد الخيالي: “ندين استخدام القوة لفرض أي توجه في المنطقة الجنوبية، واستغلال أي حدث لتصدير الأزمات، وجعل الجنوب ساحة لقتال الإخوة، وتعريض حياة المواطنين للخطر”.

الخيالي دعا، في تصريح للأناضول، إلى “تفعيل المؤسسة العسكرية بالمنطقة الجنوبية، وعودة الجيش والشرطة إلى العمل، وفق مهنية تضبط تلك المؤسسات، وذلك للمساهمة في حلحلة الأوضاع الأمنية المتردية”.
القتال في الجفرة
وإذا كان الصراع في سبها بالجنوب الغربي في حقيقته نزاع بين بقايا كتائب القذافي، مدعومين من قبيلة القذاذفة من جهة، وبين “كتائب مصراتة” من جهة ثانية، فإن القتال في جبهة الجفرة (وسط) يختلف تماما، حيث يدور القتال بين قوات حفتر، المتمركزة في منطقة الهلال النفطي منذ سيطرت عليها في سبتمبر/ أيلول الماضي من جهة، وبين “كتائب مصراتة” و”سرايا الدفاع عن بنغازي”، وهو تجمع لمسلحين من الشرق معادين لحفتر، وينسقون مع وزير الدفاع بحكومة الوفاق، مهدي البرغثي.

ومنذ بدء غارات طيران حفتر، قبل شهر، على قاعدة الجفرة الجوية (خاضعة لسيطرة القوة الثالثة)، تحول الجنوب الليبي إلى ساحة لصراع على النفوذ العسكري بين قوات حفتر (المسيطرة على معظم مناطق الشرق) و”كتائب مصراتة”، وهي أكبر قوة عسكرية في الغرب، وداعمة لـ”سرايا الدفاع عن بنغازي”.

وخلال ديسمبر/ كانون أول 2016، تعرضت قوات “سرايا الدفاع عن بنغازي”، المتواجدة في الجفرة، لقصف من قوات حفتر، وهو القصف الثاني من نوعه لمواقع “سرايا الدفاع”، خلال شهر واحد، بعدما شهدت منطقة الهلال النفطي (شرق)، بداية ديسمبر/كانون أول 2016، مواجهات مسلحة دامت ساعات بين قوة مهاجمة من “سرايا الدفاع” وقوات تابعة لحفتر.

و”سرايا الدفاع عن بنغازي” هو تشكيل عسكري أعلنت عنه شخصيات بارزة؛ لنصرة “مجلس شورى بنغازي” (تحالف كتائب شاركت في إسقاط القذافي عام 2011) في مواجهة قوات “عملية الكرامة”، التي أطلقها حفتر في مايو/أيار 2014.

الكتائب تستبعد المواجهة

محمد الغصري، المتحدث باسم قوات عملية “البنيان المرصوص”، الموالية لحكومة الوفاق، والتي هزمت داعش في سرت (450 كلم شرق طرابلس)، وصف عمليات قوات حفتر في الجنوب والوسط بـ”تحركات انتحارية في صالح داعش”.

الغصري تساءل: “لماذا تم قصف قاعدة الجفرة الجوية، ولم يقصف تجمعات داعش في زلة (جنوب) ؟.. هذا دليل على أن حفتر وداعش وجهان لعملة واحدة”.

المتحدث باسم قوات “البنيان المرصوص”، التي تتشكل في معظمها من “كتائب مصراتة”، مضى قائلا: “نحن أقوى من حفتر، لكن لا نرغب في تصعيد الأمور، فليس من مصلحة ليبيا التصعيد العسكري أو المواجهة بين قوات الشرق والغرب، وسيتم معالجة هذه التجاوزات بالهدوء والتعقل وليس بالمواجهة العسكرية”.

واستبعد “أن تكون هناك مواجهة عسكرية حاليا مع قوات” حفتر، حتى يقتنع أهالي الشرق بأن مواجهتنا الحقيقية ستكون مع حفتر فقط”.

وتوجد حساسية تاريخية قديمة بين قبائل الشرق (إقليم برقة) وبين مدن وقبائل الغرب (إقليم طرابلس)، حيث تدعم عشر قبائل كبيرة في الشرق حفتر، بينما ترفض “كتائب مصراتة” في الغرب عدم إرسال قواتها للقتال في الشرق (باستثناء عملية الشروق لاستعادة الهلال النفطي 2014- 2015)، وتفضل بدلا من ذلك دعم الكتائب المنحدرة من الشرق، والتي تقاتل حفتر، مثل “مجلس شورى ثوار بنغازي”، و”سرايا الدفاع عن بنغازي”، و”مجلس شورى مجاهدي درنة”.

تحذير أممي
وفي أعقاب تطورات وسط ليبيا، حذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص بليبيا، مارتن كوبلر، الأربعاء الماضي، من “مخاطر التصعيد الذي من شأنه أن يؤدي إلى تجديد النزاع”، داعيا الأطراف كافة إلى “ضبط النفس وتسوية القضايا عبر الحوار”.

واستنكر فؤاد المهدي رشيد، عميد بلدية الجفرة، استهداف قاعدة ومطار الجفرة بقوله: “إذا كانت هناك معلومات وصلت إلى من نفذ القصف (طيران حفتر) هذه المعلومات خاطئة”.

المهدي رشيد تابع، في تصريح للأناضول، أن “بلدية الجفرة ليست طرفا في الصراع، ولن نشارك في تغليب طرف على آخر، وسنحاول إقفال كل الأبواب التي قد تدخلنا في دائرة الصراعات، وسنتواصل مع كل الجهات في الشرق والغرب لإيصال هذه الرسائل”.

استعدادات لمهاجمة طرابلس
عامة، يبرر رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، مثل هذا القصف، بحسب تصريحات سابقة، بأن “التضحيات الكبيرة التي تم تقديمها للقضاء على الإرهاب هي ما تجبرنا على خوض حرب احترازية بدأنا تنفيذها في الجنوب، خوفا من تحول مصير مدينة هون (بمحافظة الجفرة) إلى نفس مصير مدينة سرت، التي دمرت بالكامل”.

لكن مراقبون يرون أن هذا ليس الهدف الحقيقي، ويستشهدون بإعلان قيادات عسكرية موالية لحفتر مؤخرا أنها تستعد لبدأ معركة للسيطرة على العاصمة طرابلس (غرب).

وبما أن قوات حفتر، المتمركزة في الشرق، تواجه قوة عسكرية كبيرة في الغرب، تتمثل في “كتائب مصراتة”، لذلك، ووفق هؤلاء المراقبين، ليس مستبعدا أن قوات حفتر، وضمن تحركاتها الراهنة، تسعى إلى الالتفاف على مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، للهجوم على العاصمة من الجنوب، حيث يوجد حلفاء لحفتر من القبائل الموالية للنظام السابق، على غرار القذاذفة والمقارحة وورشفانه، وبدرجة أقل الورفلة في بلدة بني وليد (جنوب شرق طرابلس).

 

مقالات ذات صلة

إغلاق