ثقافه وفكر حر

لماذا كانت الدولة تشجع الصبية في “إسبرطة” على السرقة؟! بقلم جهاد الترباني

مع وصول الطفل الإسبرطي لسن الثانية عشرة، تنتهي المرحلة الأولى من نظام “التأهيل البدني” المسمى “أجوجي” “agoge” الذي يبدأ مع وصول الطفل لسن السابعة في مملكة “إسبرطة”، وتبدأ في ذلك العمر المرحلة الثانية، وفيها ينقل الصبية الإسبرطيون للعيش في العراء، ويعطى كل واحد منهم قطعة واحدة من الملابس سنويًا تسمى “فوينيكيس” “Phoinikis”، هي عبارة عن عباءة حمراء يلبسها في الصيف والشتاء، ولم يكن يسمح لهم بارتداء الأحذية لكي تتعود أقدامهم على السير في الظروف القاسية.
يتم في هذه الفترة تجويع الصبية الإسبرطيين وتركهم في العراء لتعويدهم على تحمل الجوع والحياة الصعبة في الطبيعة، وبهذه الحالة يكونون مهيئين مستقبلًا لتحمل انقطاع الامدادات والمؤن أثناء المعارك، وفي نفس الوقت يدفع الصبية إلى تعلم التسلل بخفة ورشاقة لسرقة ما يحتاجونه من طعام، وفي حالة الإمساك بأحدهم أثناء قيامه بعملية السرقة كان يعاقب عقابًا شديدًا، ليس لأنه سرق، ولكن لأنه لم يكن بارعًا في تحركاته وقويًا في مقاومته بما فيه الكفاية لكي يفلت من الإمساك به، وبذلك تربى أبناء “إسبرطة” منذ الصغر على استراتيجيات الاختراق والتسلل والمقاومة!
ولم يسمح لصبية “إسبرطة” بالاغتسال لاعتقادهم بأن كثرة الاستحمام تزيد من نعومة الرجل، وكان يتم تشجيعهم على الاقتتال والمصارعة فيما بينهم لتحديد العضو الأقوى في المجموعة، وبهذه التربية القاسية تمكنت مملكة “إسبرطة” من تكوين جيش مرعب قادر على الدفاع عن “إسبرطة” في أي وقت وتحت أي ظرف، فكان النصر أو الموت في المعركة هما الخيارين الوحيدين بالنسبة للمقاتل الإسبرطي، لذلك كانت الأم الإسبرطية توصي ابنها قبل المعارك بوصية شهيرة:
“ارجع حاملًا درعك، أو محمولًا عليها”
“Come back with your shield – or on it”
كان الشباب في “إسبرطة” يمنعون من الزواج حتى سن الثلاثين لكيلا يعيقهم التفكير في زوجاتهم وعائلاتهم عن القتال، وعند الثلاثين كانت الدولة تشجعهم على الزواج وإنجاب جنود المستقبل لدولة “إسبرطة”، وحتى بعد الزواج يعيش الجنود أغلب أوقاتهم في معسكرات التدريب، وكانت أوقات المعارك هي الأوقات الوحيدة التي تتوقف فيها تلك التدريبات الشاقة، وهناك مقولة ساخرة كانت منتشرة بين اليونانيين في ذلك الوقت:
“كل جنود العالم يرتاحون بعد المعارك،
إلا جنود “إسبرطة” فإنهم يرتاحون في المعارك من تدريباتهم!”
من كتاب “101 المعركة الأخيرة” لجهاد الترباني
قريبا في المكتبات 📚

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق