مكتبة الأدب العربي و العالمي

آلو أندهاري – قصة تحوّل الخادمة إلى كاتبة مشهورة

عبد الحفيظ الندوي

الشخص الذي أحضر الخادمة الجديدة إلى منزل البروفيسور كان بائع الحليب. لاحظ البروفيسور المتقاعد برابود كومار، عالم الأنثروبولوجيا، منذ البداية أن هناك شيئًا مميزًا في سلوكها يختلف عن جميع الخادمات السابقات. كانت هذه المرأة ذات التسعة والعشرين عامًا، وهي أم لثلاثة أطفال، تؤدي جميع الأعمال المنزلية – من التنظيف إلى الطهي – بصمت وانضباط.

لكن الأمر الذي أثار دهشة البروفيسور لم يكن مجرد كفاءتها في العمل المنزلي، بل لاحظ سلوكها الغريب عندما كانت تنظف رفوف مكتبته. على عكس سرعتها المعتادة في الأعمال الأخرى، كانت بطيئة ومتأنية عندما تتعامل مع الكتب. لم يكن الأمر مجرد إزالة الغبار، بل كانت تقلب الصفحات ببطء، وتحدّق في الحروف بانتباه شديد.

أخيرًا، سألها: “هل تقرئين؟”

وقفت صامتة، مطأطئة الرأس، كما لو أنها طفلة ضبطت وهي تسرق بسكويتًا من العلبة. لكن البروفيسور، وهو الابن الأصغر للأديب الهندي الشهير منشي بريم تشاند، كان رده مختلفًا تمامًا عن توقعاتها.

قال لها: “إذا كنتِ تحبين القراءة، يمكنك قراءة أي كتاب تشائين. هذا الرف لكِ أيضًا.”

الكتاب الأول الذي اختارته كان عمري المفقود للكاتبة تسليمة نسرين. قرأته بشغف، حتى شعرت وكأنها تقرأ قصتها الخاصة.

وهكذا بدأ الأمر. في غضون أيام قليلة، قرأت أعمال أشهر الكاتبات البنغاليات مثل آشا بورنا ديفي، مهاشويتا ديفي، وبودهاديف جوها.

وذات يوم، عاد البروفيسور من الخارج حاملاً دفتراً وقلمًا، وقدّمهما لها قائلاً: “عليكِ أن تكتبي.”

كانت هذه جملة تحمل قوة الأمر، أشبه بنداء أبوي. ولم تكن قادرة على رفضها. لكنها، مترددة، سألته: “أنا؟ ماذا يمكنني أن أكتب؟ ماذا لديّ لأقوله؟”

قال البروفيسور بثقة: “يمكنك أن تكتبي عن نفسك. لن يكون هناك قصة أكثر صدقًا وإلهامًا من قصة حياتك.”

غرست كلماته في قلبها.

وهكذا بدأت تكتب.

كتبت عن طفولتها المحرومة، حيث كانت طفلة في الرابعة من عمرها تذبل عطشًا لحب الأم. كتبت عن قسوة والدها وزوجته الثانية. كتبت عن زواجها القسري في سن الثانية عشرة من رجل يكبرها بأربعة عشر عامًا، وكيف أصبحت أمًا في الرابعة عشرة من عمرها. وصفت العنف الذي تعرضت له، والآلام التي واجهتها، وهروبها من قريتها في البنغال الغربي مع أطفالها الثلاثة بحثًا عن حياة أفضل، حتى انتهى بها المطاف كخادمة في منزل هذا البروفيسور في دلهي.

لم تكن قد كتبت أي شيء منذ أن تركت المدرسة في الصف السادس. بعد عشرين عامًا، كانت تحاول الإمساك بالقلم من جديد. الحروف كانت غريبة عليها، علامات الترقيم لم تكن مألوفة، لكنها كتبت رغم كل ذلك.

كان أطفالها يراقبونها بدهشة، فقد كانت أمهم، التي لم تكن تمسك إلا بأدوات المطبخ، تكتب الآن في دفتر ملاحظاتها.

سردت آلام زواج الطفولة، الاعتداءات التي تعرضت لها، آلام الولادة القسرية، والضرب والإهانات. كانت تكتب في كل وقت ممكن – أثناء تقطيع الخضار، أثناء غسل الصحون، في منتصف الليل عندما ينام أطفالها.

كانت الكلمات تتدفق من قلمها.

حين قرأ البروفيسور كتاباتها، اندهش. كيف يمكن لخادمة لم تحصل على أي تدريب أدبي أن تكتب بهذه القوة؟ كيف تمكنت من التعبير عن آلامها بهذه البلاغة؟ شارك مذكراتها مع أصدقائه من الأدباء، فانبهروا بها.

وهكذا، تم نشر كتابها الأول بعنوان آلو أندهاري، والذي يعني “الظلام والنور”. لم تكن مجرد قصة خادمة، بل كانت قصة كل امرأة تعاني من قسوة الحياة. تمت ترجمة الكتاب إلى العديد من اللغات الهندية والعالمية، وأصبح علامة فارقة في الأدب الهندي.

تحوّلت بيبي هالدار، الخادمة التي لم تكمل تعليمها، إلى كاتبة مشهورة، وأصبحت رمزًا لقوة المرأة في الأدب الهندي. بعد آلو أندهاري، واصلت الكتابة، ونشرت العديد من الكتب الأخرى.

في عام 2006 ، حصلت على جائزة “كاتبة العام في اللغة الهندية”، مما دفعني إلى البحث أكثر عن حياتها وكتاباتها. هذا المقال مستوحى من رحلتها الاستثنائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق