اقلام حرة
هجرة الطيور -أبو طارق الحوَّاس..
تهاجر الطيور دائماً بحثاً عن الأرزاق..
فتغدوا خماصًا وتروح بطانًا..
وفي مسعاها بين هذا وذاك..
تمتلك مطلق الحرية دائماً..
ولا عجب في ذلك..
بل العجب العجاب لسماء بلادي..
تعتصم فيها سحائب الحق غيثاً..
فلا تمطر إلا قهرا..!!
فلا غيث هَمَا ولا مطراً يَغِيثُ الأحرارا..!!
فتضيق الأوطان على طيورها.. فتهجر الأوكارا..!!
بحثاً عن لقمةٍ عيشٍ بطعم الحرية..!!
وعن عليلِ أملٍ تَستَنشقهُ النَّفس البشرية..!!
وعن كأسِ ماءٍ حُرٍ صاغته يد القدرية..!!
علها تطفئ بذياك القطر..
ظمأ سِنِيِّ الظلم العددية..!!
كيف لا وقد خُلِقَ الناس أحرارا من رحم الحرية..!!؟؟
فلو تتبعنا الميول العاطفي لطبيعة الإنسان..
وسبرنا غور نوازيع الروح وكشف الأسرار..
لوجدنا أنَّ أكثر الناس يسعون للاستقرار..
بل السواد الأعظم يحبون مهد الآباء والأجداد..
لكن كيف السبيل للاستقرار..؟؟
لا بد أولاً.. من فهم أساسيات الإستقرار..
وهي بديهيات مُسَلَّمٍ بها لا نواقض لها..
وهي معلومة بالضرورة..
دون الإفتقار إلى نظر واستدلال..
وغير قابلة للتشكيك والريبه والإغفال..
وهي ضمان حرية الفرد والجماعة..
ضمن الضوابط الشرعية والدينية..
وحفظ كرامة المواطن.. في نفسه وماله ودمه..
وأن لا يُراقُ ماءُ وجههِ على مذابح الكرامات..
وعدم محاربته والتضييق عليه فردا أو جماعات..
في وطنٍ باتت لقمة العيش فيه شكلاً من الممنوعات..
ناهيك عن ملاحقته لأدنى طلب من الحريات..!!
حيث يجد المواطن بقية من كرامته ملقاة على قارعة الطريق..
ويكمم فاه ويُغتالُ منه ربيع الكلمات..
وقبل أن تخرج من فٍيِهِ أحرف الآهات..
تغلق في وجههِ نَوافذُ الحريةِ قهراً بالإسكات..
لِتُحبَسَ الأنفاسُ في صدور الأبطال..
ويموت في قلب الرجال حباً.. كاد يحيي الأجيال..
والكثير الكثير من الحقوق المنتقصة والمنهوبة..
لتلك الطيور المهاجرة من الذل والإذلال..
حينها يهجر الأوطان أهلها.. مرغمين غير مختارين..
مجبرين غير محبيين.. مظلومين مقهورين..
فعندما يكثر في بلد ما.. الظلم والظلام..
وينعدم الأمن والأمان.. ويصبح ضرباً من الخيال..
ويغلق باب الحريات.. وتكمم الأفواه.. وتنكس الأعلام..
وتجد على أبواب دوائر العمل طابور العمال..
يستجدون وظيفة من أصحاب القرار..!!
لِترىٰ الرَّجُلَ يُرِيقُ ماءَ وجههِ من أجل الوظيفة.. وأيُّ وظيفة..!!؟؟
لِيُمحَى بذلك أدنى إحترامٍ لإنسانية الإنسان..
ويصبح التعبير عن الكلمات.. كفراً بواحاً لا محال..
وشكلاً من أشكال الترف الفكري.. ونوعاً من السياسية والإغتيال..!!
ليباع في سوق النخاسة.. بقية من كرامات..
ويزهد في ذلك.. اصحاب المعالي والقرارات..
ويأبوا سماع أنين المعذبين ذووي الحاجات..
لهذا كله..
*لم يعد سوى الرحيل والانتظار!!*
*والله إنه لحرام ثم حرام ثم حرام!!!!!*
كيف لا وقد أُقتطع من قلب المهاجر صبوة الأفراح..!!
وتناثرت في دروب غربته جميل الذكريات المِلاح..!!
وانقسم الحب على نفسه.. بين الحنين والإصلاح..!!
ومع هذا كله..
*يبقى ألم الفراق عصياً على النسيان*
فكلما هبت نسائم الدار في القلب هبت معانيها..
وأشعلت في القلب لظىٰ الفُراقِ حين تعنيها..
يا سائلي عن أُناس في القلب طاب مسكنهم..
فوالله إني وإن طال الزمان بهم..
لم أنسهم يوما.. ولم أنسى ذكرياتٍ هُم كانوا ماضيها..
حقاً إنَّ مفارقة الأهل والأحباب والأصحاب..
ليس حدثاً عادياً وأمراً عابرا..
بل هو إستثناءٌ في عمر الإنسان..
علاوةً على حلو الزمان وجمال المكان..
فالديار التي درجت عليها أقدام الأحرار ديارا..
لها في القلب سَكَنٌ.. وفي العين قرارا..
فمهما غابت الأوطان عن ذكر وذهن ذويها..
يبقى الحنين ماثلا امام أعينهم لمن فيها..
فليست الدار بالبناء جميلة..
ولكنَّ الديار جميلة بذويها..
وقد يعشق الإنسان أسوأ بقعة..
ويزورها من أجل شخص فيها..
وصدق القائل..
بلادي وإن جارت علي عزيزة..
وأهلي وإن ضنوا علي كرام..
فمهما جاوز الظالمون المدى..
وتكبروا إستعلاءاً وطغياناً سنينَ عددا..
وعاثوا في الأرض فساداً.. وأكثروا فيها الظلم والعدا..
يبقى الأمل بالله عظيماً..
لتحقيق العدل والمساواة بين أفراد المجتمع..
حينها ترفرف رايات الحرية في ربوع الأوطان..
وتعود الطيور المهاجرة إلى أوكارها..
بطاناً بعد أن غادرت خماصا..
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم..
أن يمن علينا بالأمن والأمان والإيمان..
وأن يجعل بلدنا حراً أبيا شامخا وسائر بلاد المسلمين..
إنه ولي ذلك والقادر عليه..
اللهم آمين آمين آمين يارب العالمين..
محبكم في الله.. أبو طارق الحوَّاس..