الصحه والجمال

الأرق العائلي المميت” أو “إف إف آي” (FFI)

الأرق العائلي المميت” أو “إف إف آي” (FFI) حالة وراثية نادرة تسبب الأرق وعدم القدرة على النوم. يزداد الأرق سوءا لدرجة أنه يؤثر بشدة على الأداء اليومي، مما يؤدي إلى تلف في الدماغ، وفي النهاية يؤدي إلى غيبوبة ثم الموت

تخيّل أن تستيقظ من النوم في يوم من الأيام ولا تستطيع النوم مرة أخرى أبدا، تحاول مرارا وتأخذ أقراصا منومة ومع ذلك يأبى جفنك أن ينغلق.

تتمنى أن تعود إلى النوم حتى لو كان الثمن كابوسا يطاردك ويؤرق ليلتك، لكن النوم يأبى أن يزوك، وتزور أنت الأطباء دون جدوى. أيام وأسابيع وأشهر تحاول النوم، لكنه يجافيك دون سبب ودون حل، إلى أن ينهار جسدك تماما وعيناك مفتوحان لا تقويان على الإغلاق حتى تموت.

ربما تعتقد أن ذلك خيال، لكن للأسف يحدث أحيانا في الواقع، فهو حالة مرضية وراثية تصيب عددا من الأشخاص وتسمى “الأرق العائلي القاتل”.

توقف مفاجئ عن النوم

في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وجد طبيب ريفي إيطالي حالة غريبة تنتاب أفراد عائلة زوجته، واحدا تلو الآخر.

خلال عامين فقط، شهد الدكتور إجنازيو رويتر وفاة عمتي زوجته إليزابيتا في الأربعينيات من العمر بعد إقلاعهما عن النوم لأشهر متتالية.

لاحظ رويتر أن العمة الأولى لزوجته كانت تبدو نائمة طوال الوقت، لكن عيناها كانتا مفتوحتين، ولم تجدِ الحبوب المنومة معها نفعا. وبعد بضعة أشهر لم تعد قادرة على المشي، حتى التحدث كان يعد جهدا كبيرا وبدأ تركيزها يضعف وهي مستيقظة طوال الوقت، تطور الأمر بسرعة حتى ماتت فجأة.

توفيت العمة بعد أقل من عام من ظهور حالة غامضة من الأرق، ثم بعد ذلك بعام واحد أصيبت عمة إليزابيتا الأخرى بالأعراض نفسها وماتت خلال أشهر قليلة، بحسب “إن بي سي نيوز” (nbcnews).

لم يعرف الأطباء السبب، لكن رويتر لم يتجاهل الأمر وظل مشغولا به، يبحث ويتساءل، مما أدى إلى تحفيز ذاكرة والدة إليزابيتا التي رأت تلك الأعراض من قبل، تحديدا في عام 1944 حين مرض جد إليزابيتا لأبيها وتوقف عن النوم لأشهر حتى مات.

مرض غامض

“الأرق العائلي المميت” أو “إف إف آي” (FFI) حالة وراثية نادرة تسبب الأرق وعدم القدرة على النوم. يزداد الأرق سوءا لدرجة أنه يؤثر بشدة على الأداء اليومي، مما يؤدي إلى تلف في الدماغ، وفي النهاية يؤدي إلى غيبوبة ثم الموت.

ووفقا لـ“ميديكال نيوز توداي”(Medicalnewstoday) ينجم الأرق العائلي القاتل عن خلل جيني يؤدي إلى موت الخلايا العصبية في الدماغ، ويمكن أن يسبب أيضا مشاكل في الوظائف مثل تنظيم درجة حرارة الجسم.

تغير السلوك وحالة الأرق التي أصابت عمتي زوجته حيّرت رويتر، فبدأ يبحث في جذور العائلة، وفي السجلات الطبية لأفراد العائلة السابقين حتى وجد أن أسباب الوفاة تنوعت ما بين صرع وحمى ومرض عقلي.

بحث رويتر في شجرة العائلة، وزار بعض من بقي على قيد الحياة، أخبروه أن أقاربهم ماتوا بسبب شيء غامض، كان سلوكهم يتغير وآداؤهم العقلي يضعف ولا يستطيعون النوم حتى إن بعضهم وضعوا في مصحة عقلية.

قاده بحثه المستمر إلى سان سيرفولو، وهي جزيرة إيطالية في بحيرة البندقية، والتي كانت تستخدم مستشفى للأمراض العقلية، وكان أقارب إليزابيتا نزلاء هناك، وسُجل في تقاريرهم الطبية أنهم كانوا يموتون من الأرق لعدة قرون

اكتشاف طبي

في عام 1986 اكتشف المرض وأطلق عليه اسم “الأرق العائلي المميت”، ويقدر الخبراء أن 100 شخص فقط من 30 عائلة في جميع أنحاء أوروبا والصين واليابان وأستراليا والولايات المتحدة يحملون الجين المسبب لهذا المرض، وفقا لما جاء في “ويب ميد” (Webmd).

ولا يعتبره المتخصصون أرقا بالمعنى المعروف، لكنه اعتلال في المخ، ناجم عن خلل في البروتينات في الدماغ يؤدي إلى تلفها كليا

يعود جزء من الفضل في اكتشاف المرض إلى سيلفانو عم إليزابيتا، الذي ظهرت عليه أعراض المرض في الثمانينيات، حين كان رويتر غارقا في أبحاثه الطبية عن عائلة زوجته.

عرض رويتر على عم زوجته الخضوع لفحص طبي لدراسة تغيّر سلوكه وقلة نومه، ولأن الأخير كان يعلم أن ما يحدث له هو ذاته ما حدث لأسلافه من قبل، وافق على الفور وكان متحمسا.

وفي الوقت نفسه، تتبع دي تي ماكس، كاتب ومؤلف أميركي، حالة سليفانو بمساعدة رويتر، وألف كتاب “العائلة التي لا تستطيع النوم” ليرصد معاناة العائلة الإيطالية التي توارثت المرض لأكثر من 200 عام

الفضل لسليفانو

بمساعدة رويتر، تمكن ماكس من تتبع المرض الذي أصاب تلك العائلة إلى ستينيات القرن الـ18، حيث كانت تحتفظ في دور الأبرشية في الكنائس بسجلات المواليد والوفيات، واستطاع رويتر الحصول عليها.

وخضع سليفانو لبحث طبي دقيق على المخ في معهد للأعصاب في بولونيا في إيطاليا، وأُذهل الأطباء من شكل الدماغ.

أوضح رسم المخ أنه مليء بالثقوب الصغيرة، مثل قطعة الإسفنج. وبدت تشبه دماغ المرضى الذين يعانون من مرض “كروتزفيلد جاكوب”، وهو المعادل البشري لمرض جنون البقر.

مات سليفانو مرهقا من قلة النوم، وبسبب غرابة الأمر أرسل “دماغه” إلى الولايات المتحدة الأميركية لعمل الدراسات اللازمة واكتشاف ماهية الأمر.

واكتشف الدكتور ستانلي بروزنر، اختصاصي أمراض الأعصاب في كاليفورنيا، المرض وفسره بأنه أحد الأمراض التي تسببها البروتينات في الدماغ، حيث يمكن للبروتينات غير الطبيعية أن تختطف البروتينات الصحية وتعلن الحرب على البروتينات الأخرى، أي تنقل العدوى للبروتينات السليمة وتؤدي إلى الموت. وفي عام 1997، مُنح الدكتور بروزنر جائزة نوبل في الطب لاكتشافه اضطرابات البروتين، وسر “الأرق المميت”.

لا يوجد علاج

بعد اكتشاف المرض النادر، وضع المختصون أعراضا تشير إلى وجوده في مرحلته المبكرة وتميل إلى الظهور من عمر 32 إلى 62 عاما، من بينها، وفقا لـ“هيلث لاين”(Healthline):

  • أرق النوم
  • صعوبة البقاء نائما
  • ارتعاش وتشنج العضلات
  • الحركة والركل عند النوم
  • فقدان الشهية
  • بداية الخرف

    وتشمل أعراض الأرق الليلي الأكثر تقدما ما يلي:

  • عدم القدرة على النوم
  • تدهور الوظيفة المعرفية والعقلية
  • ترنح
  • زيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب
  • التعرق المفرط
  • صعوبة في التحدث أو البلع
  • فقدان الوزن غير المبرر
  • حمى

المرض العائلي النادر الذي اكتُشف مصادفة في ثمانينيات القرن الماضي، لم يُكتشف له علاج حتى الآن، لكن توفّر أدوية النوم راحة مؤقتة لبعض الأشخاص، غير أنها لا تعمل على المدى الطويل.

المصدر : مواقع إلكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق