مكتبة الأدب العربي و العالمي
#القرينه_اللعينه جزء اول
انتهت مراسم الجنازة .. وذهب المعزّون بحلول المساء وهم يشعرون بالشفقة على اليتيمين .. وبقيت الصبيّة المراهقة ريم مع أخيها أحمد (9 سنوات) في بيتهما الذي بدا موحشاً بموت امهما , بعد وفاة والدهما قبلها بست سنوات !
احمد وهو يمسح دموعه : وهآقد ماتت امي ايضاً , وبقينا لوحدنا !
ريم وهي تخفي حزنها : لا تقلق أخي , سنكون بخير
– الن نعيش في بيت خالتي ؟
– لا , هو بعيد عن مدارسنا .. سنبقى هنا ونتدبّر امورنا بمفردنا
– وماذا عن المال يا ريم ؟
– تركت لنا امي ما يكفينا لعدة شهور , أكون حينها أنهيت الثانوية ووجدت عملاً نعيش منه .. المهم ان نقتصد قدر المستطاع , فلا حلويات وألعاب الاّ في المناسبات
الأخ : فهمت
ثم دخلت غرفتها بعد ان وضعت أخاها في فراشه .. وهناك بكت الى ان بلّلت وسادتها وهي تشعر بثقل المسؤولية التي تركها والداها على عاتقها
ريم : لابد ان أكون قويّة من اجل اخي ..وسيكون عليّ منذ الغد تعلّم الطبخ والإهتمام بالمنزل كواجباتٍ إضافية على دراستي .. آه يا امي ! ليتك انتظرتي لحين إنهائي الثانوية العامة , فهذه أصعب سنة دراسية .. أتمنى ان لا أرسب فيها
وظلّت تبكي الى ان نامت من شدّة التعب
في اليوم التالي .. عادت ريم الى بيتها مُسرعة بعد ان اشترت بعض الخضراوات كي تطبخها لأخيها الذي بقي في بيت الجيران (بعد عودته من المدرسة) في انتظار عودة اخته ..
وما ان فتحت باب الشقة , حتى إشتم رائحة أكلٍ لذيذ !
ووجدا على المائدة صنفين من الطعام الذي يعشقانه !
ريم : احمد .. هل طبخت جارتنا هذا الطعام ؟
أخوها مستفسراً : وهل لديها مفتاح بيتنا ؟
– لا لم أعطه لأحد , ولا حتى لك .. إذاً من دخل بيتنا وطبخ لنا؟!
أحمد وهو يجلس على كرسي المائدة : لا ادري ولا يهمّني .. اسكبي لي فأنا جائعٌ جداً
وأكلا دون ان يعلما من أعدّ الطعام ..
وبعد ان انتهيا ..
ريم : هيا قمّ وساعدني بتنظيف المائدة
وحين دخلا المطبخ .. تفاجأت الصبية بنظافته ! حيث خلا الحوض من الصحون والأواني التي تركتها فيه البارحة
– هل غسلت الصحون ؟
أحمد : مابك اليوم يا ريم ؟ الم تأخذيني من بيت جارتنا قبل قليل ؟
– اذاً من الذي يساعدنا ؟ أكاد أجنّ !
أحمد : ربما خالتي
– لا اظن ان امي أعطتها نسخة من مفتاح البيت
– ربما فعلت حين اشتدّ مرضها
– معك حق , سأتصل بها بعد قليل لأشكرها
لكن حينما اتصلت بها , أنكرت الخالة فعل ذلك .. وكذلك جارتهما , ممّا حيّر ريم تماماً !
والأغرب ان الأمر تكرّر كل يوم .. حيث كانا يجدان على الدوام طعاماً شهياً ومنزلاً نظيفاً , دون ان يعرفا الشخص المجهول الذي يساعدهما !
في إحدى الليالي .. استيقظت ريم مساءً وذهبت الى المطبخ لشرب الماء وقبل عودتها الى غرفتها , مرّت من امام غرفة أخيها لتسمعه وهو يدنّدن لحناً تعرفه , فدخلت عنده :
– هذه أغنية امي ! كانت تُغنيها لك حين كنت طفلاً , فكيف عرفت الكلمات؟!
فأجابها بنعاس : أنت غنيتها لي قبل قليل , وانت تلعبين بشعري
ريم بدهشة : ماذا ! انا لم أدخل غرفتك هذا المساء
لكنه نام قبل ان يُكمل المحادثة , لتعود اخته قلقة الى غرفتها :
– يا الهي ! مالذي يحصل في بيتنا ؟!
وذات يوم ..اشتاقت كثيراً لأمها , فنامت في غرفتها التي ظلّت مُغلقة منذ وفاتها (أيّ ثلاثة اسابيع) ..
وبعد ان بكت قليلاً .. صارت تحادث خيال أمها وتشكي لها همّها..
وقبل ان تغفى ريم بثوانيٍ , أحسّت بيدٍ حنونة تُشبه لمسة امها وهي تربت على ظهرها بحنان ..
ولم تشعر بالخوف , الا في اليوم التالي حين تذكّرت الموقف !
– هل حلمت البارحة بأمي تنام بجانبي , ام انني بدأت أهلّوس؟!
بنهاية الشهر .. قامت ريم بصنع كيكة بمناسبة عيد ميلاد أحمد , الذي قال لها بعد ان تذوّقها :
– الكيكة ليست لذيذة كما كانت تصنعها امي !
– هذه اول مرة أطبخ فيها بحياتي , فحاول ان تُكمل صحنك كيّ لا نرمي النِعمة
أحمد : ليتك طلبتي من التي تطبخ لنا , ان تخبز لنا هذا الكيك
ريم : وهل ادري أصلاً من التي تساعدنا ؟
وبهذه اللحظات .. لمحت طرف فستانٍ أحمر يدخل الى غرفة امها!
فأسرعت الى هناك ..وفتحت الغرفة , لتجد الفستان مرمي فوق السرير !
فأحسّت برعبٍ شديد , لأن الفستان كان معلّقاً في خزانة امها .. فمن التي لبسته قبل قليل ؟!
وبالكاد استطاعت ريم النوم في تلك الليلة ..
في اليوم التالي .. أخبرت ريم معلمتها بالأمور الغريبة التي تحصل معها , فأعطتها رقم شيخة لها قدرة على التواصل مع الأرواح ..
فقامت الصبية بأخذ موعدٍ منها , والتي قدمت في مساء اليوم التالي ..حيث تجوّلت بكل الغرف وهي تتمّتم ببعض الأدعية والآيات , بالوقت الذي كان فيه أحمد مشغولاً بمشاهدة فيلم كرتوني على التلفاز ..
الشيخة : أتريدين معرفة من التي ساعدتك في مهامك المنزلية ؟
ريم : نعم .. من ؟
– امك
الصبية بدهشة : ماذا !
الشيخة : أقصد قرينة امك
– لم أفهم !
– لكلٍ منّا قرينٌ يرافقه طوال حياته , لكنه لا يموت بموتنا .. وقرينتها هي التي ساعدتكم بالنيابة عنها .. فهل تريدينني ان اقرأ آياتٍ تُبعدها عن حياتكم؟
– طبعاً .. أقصد
الشيخة : أرى انك متردّدة .. إذاً سأسالك , هل أذتكِ انت وأخاك ؟
ريم : لا ابداً , بل ساعدتنا بالكثير من الأمور
– اذاً يا بنتي أتركيها وشأنها
– أهذا رأيك يا خالة ؟
فاومأت الشيخة برأسها إيجاباً , قبل ان تخرج من بيتهما دون ان تُبعد تلك الروح المُتطفّلة عن حياتهما ..
فقرّرت ريم ان لا تخبر أحداً بما قالته الشيخة , وبالأخصّ أخوها الصغير كيّ لا يخاف من وجود أشباحٍ في المنزل !
وفي نفس تلك الليلة .. حلمت ريم بكابوسٍ أرعبها : ((حيث رأت تلك القرينة تقول لها بغضب :
– لي اسابيع أخدمكما بهدوء .. لكن بما انك عرفتي اليوم بوجودي , فأريد ثمن أتعابي
ريم بخوف : وما المقابل الذي تريدينه ؟!
قرينة امها بابتسامةٍ شريرة : اريد روحكما))
واستيقظت ريم مرتعبة !
في اليوم التالي .. إستغلّت ريم يوم عطلتها المدرسية للبحث في اغراض امها القديمة , لتجد كتاباً للشعوذة عليه خطّ والدها المميز ! ويبدو ان اباها كان يدرس الشعوذة , قبل موته بسكتةٍ قلبية أثناء نومه ..
والغريب ان امها ايضاً ماتت أثناء نومها , بعد معاناتها لشهرين فقط من السرطان .. فهل للجن علاقة بموتهما المُفاجىء ؟!
وقد حاولت ريم قراءة الكتاب , لكنه كُتب بلغةٍ غير مفهومة ..
فتركته , وهي تشعر بشيءٍ غامض ومريب حصل في ماضي والديها !
وفي أحد الأيام .. وأثناء تمشيط شعرها .. لاحظت ريم بأن وجهها في المرآة أشبه بالدمية البلاستيكية , حيث خلا وجهها من المشاعر!
لكنها لم تستطع التحرّك او إبعاد ناظرها عن إنعكاسها التي تكلّمت بالنيابة عنها قائلة :
– أعرف انك ترينني الآن
ريم بخوف : من أنتِ ؟!
– انا قرينتك
– وماذا تريدين ؟
– اريد استبدال مكاننا , كما فعلت امك
ريم بدهشة وخوف : لم أفهم شيئاً !
وهنا ظهرت أمها فجأة في المرآة ! بعد ان اقتربت من قرينة ابنتها , وقالت لها :
– ريم حبيبتي .. إفعلي ما تقوله لك قرينتكِ
– امي ! اين انت ؟
الأم : انا ووالدك في عالمهم الآن
ريم ودموعها تسيل على وجنتيها : انا حقاً لا أفهم شيئاً !
وهنا اختفت الأم , وبقيت قرينة ريم التي قالت لها :
– إختاري يا ريم : إمّا روحك او روح أخيك
ثم اختفت فجأة ! لتسقط ريم مغشيّاً عليها من رعب ما شاهدته !
في اليوم التالي .. وبعد خروجها من المدرسة ذهبت مباشرةً الى منزل الشيخة وأخبرتها بكل ما حصل , بعد ان أعطتها كتاب الشعوذة لوالدها
وبعد ان تصفحتّه الشيخة لبعض الوقت , قالت لها :
– وضعك أصعب ممّا تصوّرت !
ريم بقلق : ماذا يحصل ؟
الشيخة : والدك أخطأ حين قرّر تعلّم الشعوذة , فهو لم يكن قويّاً كفاية لهذا النوع من العلم
– هل قتلوه الجن ؟ لأنه مات نائماً
– يمكنك قول ذلك
ريم بقلق : ماذا تقصدين ؟!
الشيخة : يبدو انه استبدل روحه مع قرينه .. فهل تذكرين شيئاً غريباً عن والدك قبل وفاته ؟
ريم : أذكر انه كان خالياً من المشاعر , ويجلس صامتاً لساعاتٍ طويلة .. وماعاد يأكل معنا كعادته , ممّا أغضب امي كثيراً !
الشيخة : هذا لأن الأرواح لا تأكل
ريم : لكن امي ايضاً قبل أخذها الى المستشفى , لم تعد تأكل بتاتاً !
– هذا لأنها قامت بنفس غلطة والدك
– ان كان كلامك صحيحاً , فأين هما الآن ؟
الشيخة : روحهما مُحتجزتان في عالم الجن .. امّا قرائنهما فقد حصلا على الحياة الأبدية بعد دفنكم لجسدا والديكما , وصار بإمكانهما التنقّل بحرّية في عالمنا البشريّ
ريم : والله لم أفهم كلمة ممّا قلته .. كلّ ما يهمّني الآن هو قرينتي اللعينة , فهي تهدّد بأذيّتي وأذيّة أخي !
الشيخة : القرائن عادةً تمقت حصر حريّتها داخل أجسادنا , لذلك تتمنّى موتنا لتحصل على حرّيتها المطلقة كبقيّة الجن .. لذلك أنصحك بأن تعتمدي على نفسك بعيداً عن إغراءات خدماتهم , الغير مجانية طبعا
وبالفعل !! حرصت ريم على القيام بكافة واجباتها المدرسية والمنزلية بالإضافة للإعتناء بأخيها دون الحاجة اليهم , ممّا أغضب القرينة التي هدّدتها بإيجاد طريقة تجعلها تحتاجها من جديد
عن قصص من العالم الاخر …،
يتبع …..