مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية السّراج والدنانير الضائعة من أدب الحكمة الرزق الحلال لا يضيع
طارق السامرائي
كان أحد الرجال يعمل في صناعة السروج ، و كلما باع سرجآ خبأ دينارا ذهبيا في سرج عتيق كان يضعه بجواره ، و هو يريد أن يدخر من المال ما يعينه على شيخوخته.و ذات يوم ترك المحل لولده ، و ذهب لشراء بعض الحاجات ، و في غيابه جاء رجل و سأل الولد عن أسعار السروج ، ثم عرض عليه أن يشتري منه السرج العتيق لأنّه فقير .و رجع الرجل إلى المحل ، فأخبره الولد ببيعه السرج العتيق ، و ناوله ثمنه و هو فرح لأنه خلصه منه ، فجن جنون الرجل ، لأنه كان قد خبأ فيه تعب عمره .و أخذ السّراج يعمل كعادته ، و كلما غرز في السرج غرزة ،كان يقول: كل شيئ راح ، ماذا ينفع من بكى وصاح ، و الناس يمرون به ، و يسمعونه و هو يكرر ذلك ، ولا يعرفون قصده .
و مرت الشهور و الأعوام ، و إذا رجل على حصان مطهّم ، يقف أمامه ، و يطلب سرجآ من أجود الأنواع ، فأعطاه السراج أفضل ما عنده ، فمنحه الرجل ثمنه ، ثم رفع عن ظهر جواده سرجآ قديمآ و هو يقول : “منذ بضع سنين اشتريت من محلّك هذا السرج العتيق لشدة فقري ، و اليوم ، و قد رزقني الله فإني سأشترى واحدا جديدا، وأترك لك العتيق، فلم يشأ أحد من تجار الأشياء القديمة أن يأخذه مني حتى بدرهمين ،ثم ناوله إياه ، و مضى في حال سبيله ، و نظر السراج إلى السرج العتيق ، و إذا هو السرج نفسه الذي كان يخبئ فيه النقود ، و أسرع إلى فتق بجانبه ، فرأى النقود فيه على ما كانت عليه ، فسر بذلك أبلغ السرور، و أخذ كلما غرز في السرج غرزة يقول : ما هو لك لك ، سبحان الله ربّ،ك و الناس يمرون به ، و لا يعرفون القصد مما يقول .
…
حكمة
تؤكد هذه الحكاية أن المال الحلال لا يضيع، و أنه لا بد عائد إلى صاحبه ، مهما طال الزمن ، و أن على الإنسان ألا ييأس أو يقنط ، بل عليه أن يعمل دائما بجد و صبر، و أن يظل معلقآ بالأمل ،كما تدل على عهد يضطر فيه المرء للإدخار لشيخوخته و غالبآ ما كان الوقت يدرك المرء و يظل المال مخبوءآ حيث هو ، و لا أحد يدري به حتى يتم العثور عليه بعد زمن مصادفة ، و يقال عن المال المكتشف عندئذ أنه كنز .