مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية زوار من وراء الضّباب من قصص التّشويق والخيال وسط عرين الأسد ( الحلقة 12 والأخيرة)
مضت بضعة أيام ،وبدأ سامح وفؤاد يشعران بالحرج فهما يعيشان في ضيافة مانو الذي لم يقصر معهما في أي شيئ، وارتدوا حتى ملابسه ،ةأد الليالي قال فؤاد سأذهب لمحطة القطارات ،فلقد أخفيت في قسم الودائع حقيبة مليئة بالجنيهات ثمن التّمثال الذّهبي وسأشتري ثيابا لنا ،وأأجّر شقّة مفروشة في شارع صغير ،ولمّا سمع مانو ،رد عليه إنتظر قليلا حتى تهدأ الأمور قليلا ،فلا شكّ أنّ مروان الشّبشتي قد بثّ عيونه في كل مكان ليقبض عليكما ،وفي هذا خطر شديد علينا كلنا !!! قال فؤاد لن أتكلم حتى ولو قتلوني ،لا نقدر أن نزعجك أكثر في بيتك، ولمّا رأى الرجل إصراره، قال له :حسنا ،سأنادي سائق التاكسي الأسطى نبيه، فهو شخص فطن، ويعرف كل شبر في القاهرة مثل جيبه . وفي الصباح جاء السائق وحمله إلى محطة القطارات بمحطة رمسيس ،أمّا سامح فجلس يترجم بعض البرديات التي أخذها من البعد وينقل ما فيها من صور بديعة بقلم الرصاص وهي تراتيل ونصوص دينية غير معروفة لعلماء المصريات ،ثم أخذ صورا فوتوغرافية منها وعزم على نشر بحثه في مجلة علمية في لندن .
في هذا الوقت كان فؤاد يقترب بحذ من الخزانة الخاصة به ثم أخذ حزمة كبيرة من الأوراق المالية من الحقيبة دسها في جيبه وأغلق الباب ،ثم إتجه ليخرج وهو يلتفت حوله لكي يرى إن كان أجد يراقبه ،ولما وصل للبوابة اوقفه رجلا شرطة وطالباه بهويته ،وأجرى أحدهم إتصالا قصيرا باللاسلكي ،ثم قال تمام ،أفندم !!! ثم قالا له : أنت مطلوب للنيابة وتتذهب معنا ،فتح فمه لكي يتكلم لكن قالا: له لا نريد أن نسمع صوتك وإن لم تأت باللين سنجرّك أمام الناس ،لم يكن فؤاد يريد فضائح ،فسلم أمره لله وسار معهم بعد أن وضعا الكلبشات في يديه ،وقال في نفسه :لقد أخطأ تقدير جماعة مروان فلا شك أنهم كانوا ينتظرون قدومه ،ومن بعيد كان نبيه جالسا في السيارة يأكل سانديتا ولما رأى فؤاد يركب سيارة البوليس إتبعا ولاستغرابه الشديد توقفت أمام فيلا في المعادي وليس أما القسم ،فاتصل بمانو وأخبره بما حصل ،فقال له إبق مكانك ،وسنأتي خلال ساعة على أبعد تقدير.
مرّت الدقائق بطيئة وفي النهاية ظهرت شاحنة صغيرة محملة بالرجال فنزلوا ،وكان أحدهم يرتدي زي ساعي البريد ولما طرق الباب فتح رجل الباب بحذر وأطل منه لكنه فوجئ بعصا غليظة تهوي على رأسه، ثم دخل الرجال بهدوء وسمعوا شخصا يقول من بالباب يا أدهم ؟ وواصلوا تقدمهم حتى وصلوا لغرفة كبيرة ،وهنا شاهدوا فؤاد مقيد إلى كرسي، وقد علت وجهه الكدمات والجروح ،كان هناك رجلان في الغرفة أحدها أمام فؤاد والآخر جالس قرب النافذة يدخن سجارة وفوجئا بمانو ومن معه يقتحمون الغرفة وقبل أن يتحركا فوجئا بقطع خشبية مقوسة تضربهما بقوة ،وترجع إلى أيدي أصحابها ،ولم يشاهدا مثلها إلا في المتاحف عند قدامى المصريين ،ولم يمض وقت طويل حتى كان الرجال الثلاثة مقيدين ،وقال مانو بنبرة حاسمة لقد إنتهى أمر مروان الشابشتي ،ونريد معرفة مكانه ،وإلا لن يحصل لكم خير ،أجاب أحد الرجال لا نعلم مكانه ،وحتى إن كنا نعلم فلن نقول لكم شيئا ،وما لبثت أن إنهالت عليهم اللكمات من كل جهة ،ثم تركوهم يتلوّون من الألم ،ثم ذهبو إلى شركة المقاولات واقتحموها بالقوة وأشعلوا فيها النار، وهربوا قبل أن يأتي البوليس .
وكل مرة صاروا يهاجمون شيئا على ملك الشابشتي ويحرقونه ،واتبعهم كثير من الناس الذين يكرهون هذا الرجل وهم كثيرون ،أما مروان فكانت يصيح سأنتقم ،وصار يشك في كل من حوله ،فأطرد كثيرا من الموظفين والعمال الذين يشتغلون لديه ،وتظاهروا ضده ،فقمعتهم الشرطة بعنف ،وبدأت الإحتجاجات تكبر وتزيد ،واقتحم الناس العمارة التي سكنها فؤاد، وكان مروان ينوي هدمها لإقامة مذبح كبير الإله مولوك ، وأمكن للعبادة ،وفي أحد المخازن وجدوا تمثالا أثريا برأس ثور وله جناحان في ظهره وتماثيل أخرى صغيرة لأبقار وثيران ،وانتشرت الشائعات أن مروان يعبد الأوثان ،وتلك كانت الضربة النهائية ،وقبضت الشرطة الليبية على مروان وهو يحاول الفرار في سيارة مع أهله ،وسلمته للمصرين ،وأخرجت له النيابة ملفات الفساد والتحيل التي كان أتباعه من الشخصيات الكبيرة يمنعون ظهورها للعلن ،وقامت وزارة الداخلية بحملات للكشف عن المتآمرين ،وأحالت الكثيين منهم على التحقيق .
في هذه الأثناء قامت لجنة وزارية بجرد ممتلكات مروان الشابشتي والمتعاونين معه من رجال الأعمال ،وبيع ممتلكاتهم بالمزاد العلني وتعويض المتضررين ،واشترى فؤاد الشقة التي كان يسكنها بثمن بخس ،وأصلحها ووضع فيها أثاثا فاخر، وقرّر الزّواج من خطيبته فائزة، أما سامح فتحصّل على جائزة كبيرة بفضل للأبحاث التي نشرها حول البرديات التي رآها عند مانو واشترى أيضا شقة في نفس العمارة ،وتم تعيينه مديرا في وزارة الآثار المصرية ،وعلم مانو الفلاحين كيف يقتصدون في إستعمال الماء ،وتخصيب الأرض،وكان الناس يحبونه لعلمه ولطفه ،وبسرعة إنتشرت طريقته في الزراعة واستعملها الفلاحون ،وباع جزءا من كنز المعبد وأعطاه لهم ،وكان سامح وفؤاد يتصلون بالجهات الرسمية لزيادة المساعدة للفلاحين والقيام بمشاريع الريّ وبفضل جهود الجميع لم تحدث مجاعة كبيرة .
مضت على هذه الأحداث سنة كاملة وذات يوم كان فؤاد ساهرا يقرأ في كتاب وفجأة أحس بهواء بارد ،وظهرت الفتاتان أمامه، وهما تبتسمان، وقالتا له :لقد نفذنا وصية والدنا ،ونجا الناس من الجفاف والمرض ،نحن سعيدتان بأن ما حصل لنا لم يتكرر ،وبالتالي يمكننا الرحيل ورؤية أبينا الذي ينتظرنا منذ ثلاثة قرون ،هذا اليوم هو تاريخ وفاتنا وهذه المرة الأبواب مفتوحة لنا ،وداعا نتمنى لك السعادة أنت وزوجتك ،وبعد قليل إختفت الفتاتان وحينما نظر من النافذة لاحظ أن الضباب قد إنجلى عن الشارع ،في هذه اللحظة دخلت فائزة ،وقالت له : كأني سمعتك تكلم أحدا ،حضنها ،وأجابها إنه صوت الجيران ثم ثهبت إلى النافذة وأغلفتها ،وقالت : هيا للنوم فالوقت متأخر ،وأتت كما تعلم أخاف من الظلام .
…
مع تحيات الكاتبة اليس مرواني