مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #لعبة_الأرواح الجزء الرابع والخامس النهايه

في الغد ذهبت هالة إلى عرّافة من الغجر، وقصت عليها حكايتها الغريبة مع زوجها الذي لم تعد تعرفه ،استمعت العرّافة باهتمام شديد، وهي تهزّ رأسها متعجّبة ،ثم قالت : لا شكّ أنّ زوجك تحت سيطرة شيء لا أعلم ما هو ،والماكّد أنّه ملعون، سألتها هاله :وكيف يحصل ذلك ؟ أجابتها : لا أحد يعلم ذلك على وجه التحديد والعلاقة مع العالم الآخر هي قريبة أكثر ممّا تعتقدين كثير من الأشياء تعبر منها الأرواح والجنّ ،وقد تستولي على جسد شخص ما وتأخذ مكانه ،وأعتقد أن ذلك هو ما يحصل لزوجك ،سألتها هالة باإنزعاج، وخليل هل لا يزال موجودا ،أجابت العرافة : نعم ،لما رجعت هالة ،كانت مشوّشة الأفكار ،فهي من النّوع المثقف الذي لا يأمن كثيرا بالعوالم الخفيّة ،وقرّرت أن تدعو خليل لمطعم يقدم جراد البحر والمحار فإن كان زوجها فسيعرف أنّه حساس لهذه الأطعمة ،ولن يأكل منها ،وكانت تتمنى أن تكون مخطئة وأن خليل قد تغير نتيجة الحياة الجديدة التي بدأ يعيشها .
أحسّت هالة بالقلق لمّا وافق على الذهاب معها لمطعم الأسماك الواقع على النّيل ،وأبدى سرورا كبيرا بهذه الدعوة ،وفي السهرة لبس بذلة أنيقة ولمع شعره ،ولمّا دخل مع هالة، كانت جميع الأنظار ترمقه بإعجاب،لما قدم النادل طلبت المرأة طبقين من جراد البحر مع الليمون وسلطه خسّ وطماطم ،ورحّب خليل بذلك، ولمّا حظر الطّعام أكل بشراهة وشرب زجاجة النّبيذ حتى نصفها ،وكانت هالة واقفة تنظر إليه دون أن تمدّ يدها إلى طبقها ،وأخيرا قالت له :ألا تعلم أنّك تشكو من حساسيّة لجراد البحر ؟ أجاب خليل :يا له من مزاح ثقيل !!! هيّا كلي، ولا تفسدي سهرتنا ،لكن بعد قليل جحظت عيناه واحمرّ جلده ،فصاحت في وجهه من أنت ؟ من المأكد أنك لست خليل ،وإلا عرفت بموضوع الحساسيّة التي تعاني منها منذ الصّغر ،كيف يمكن أن تجهل ذلك ؟ لكن خليل لم يردّ ،فلقد كان في أسوأ حال .
جرت هالة بسرعة ،وهي تلتفت وراءها لقد كانت تريد الرّجوع بسرعة إلى الفيلا لأخذ حاجياتها والهرب ،لكنها ما أن إقتربت من السّيارة حتى رأت خليل يشير لها أن تتوقّف ،وهو يهدّدها بقبضته، وتعجبّت كيف تمكّن من اللّحاق بها ،وهو مريض لا يقوى على الوقوف ،لم يعد لديها شكّ أنّ شيئا في منتهى القوّة قد سكن جسده ،لكنّها تمكّنت من ركوب السيارة ،وانطلقت بسرعة جنونية ،أما هو فنظر إليها بعيونه المحمّرة، وهي تبتعد ،وقال :لن تنجين مني هذا اليوم ،رجعت هالة مذعورة إلى البيت وجمعت ملابسها في حقيبة صغيرة ،وحين همت بالخروج فوجئت بخليل يسد عليها الباب وقد أصبح شكله قبيحا وأدركت أنه سيقتلها ،وحاولت أن تصرخ لكنها لم تقدر ،واقترب منها وهو فاتح يديه ليخنقها لكن في ذلك الوقت ظهرت العرّافة ،وصاحت في خليل: لا تجعل الشيطان يسيطر عليك !!! حارب من أجل إمرأتك وبيتك وأصدقائك .
ترنّح خليل قليلا، وبدا كأن صراعا يدور داخله ،ثمّ وقف فجأة ،وأدار رقبته إلى العرّافة ،وبقفزة واحدة صار إلى جانبها ثم ضربها فوقعت على الأرض ،ثم رفع ساقه ووضعه على رأسها، وتمتم سأسحقك أيتها اللعينة فأنت لا تعرفين قوتي، وسحرك لن يفيد في شيئ ، عرفت هالة أنها إذا لم تفعل شيئا فستموت تلك المرأة وهي معها ،وتذكرت أن خليل كان دائما ينزل للبدروم ويغلق على نفسه الباب ،ولما رآها تزل في الدرج الضيق ،ترك العرافة وجرى وراء إمرأته ،وقد زاد هياجه ولحسن حظ هالة وجدت الباب مفتوحا فدخلت وأغلقت على نفسها ،وبدأ خليل يضرب الباب بقوة محاولا تحطيمه ،في النهاية خلعه فلمح هالة وهي تحاول فسخ الطلاسم المرسومة على الأرض والجدران .

يتبع

الجزء الخامس والاخير

ابتسم خليل بسخريّة ،وقال بصوت خشن : يا لك من حمقاء !!! كان بالإمكان أن نتفاهم، وننجب طفلا، وهكذا أعود لهذا العالم بعد أن طردت منه منذ زمن طويل ،إسمعي لقد كنت موجودا في عهد العائلة السادسة الفرعونية ويدعوني الملوك للتخلص من أعدائهم، وفي بعض الأحيان عشيقاتهم ،وفي أحد الأيّام قرّر الكهنة حبسي في العالم الآخر، وحرقوا جسدي ،ونثروا رماده في النيل لكني عدت ،وبعد أن تلدين سأترك زوجك أو ما تبقى منه لأني سأحيا من جديد ،والآن سأقتلك ،فالآن أنت تعرفين كلّ شيئ ،وسأراود صديقتك أميرة ،فهي حقا امرأة فاتنة ،وتعشق المال والهدايا ،حقا ما يحصل لك مؤسف ،وسيكون إنتقامي رهيبا فأنت أفسدت كل ما دبرته إلى حد الآن .
صرخت هالة من الرّعب، لما رأت المخالب تخرج من يد خليل ،وقرنين ينبتان له على رأسه ،لم لكن لديها مكان تهرب إليه فتراجعت إلى ركن والتصقت فيه ،في هذه اللحظة، ظهرت العرافة وراء خليل ،وصاحت : لوحة الويجا يا هالة إكسريها !!! إلتفتت المرأة حولها، ورأت أنها على طاولة قريبة منها، حاول خليل الجري، ومنعها من أخذها ،لكنّها مدّت يدها، وأمسكت بها ،وقالت لزوجها: أنصحك بالإبتعاد وإلا حطمتها تحت قدمي،حاول الرّجل أن يكون رقيقا ،وقال :إسمعي، أعرف أنك تحبّين المال، وبإمكانك أن تربحين الكثير بفضل تلك اللوحة ،وتكونين من الأغنياء ،على فكرة هي سرّ كلّ الثراء الذي تنعمين به الآن !!! تردّدت هالة قليلا ،لكن العرّافة قالت لها :إياك أن تسمعي كلامه، لا بد أن يعود هذا الشيطان من حيث أتى ،وحين سمعت هذا الكلام ،عاد إليها شاهد العقل ،وضربت اللوحة على الحائط بقوّة ،فانقسمت إلى إثنين .
في تلك اللحظة بالذّات سقط خليل على الأرض، وبدأ يرتجف بشدّة ،فغطّته هالة بمعطف قديم كان في البدروم ،وبدأت تقرأ كلّ ما تحفظه من قرآن ،قالت لها العرافة :عندي زيت كانت تصنعه جدّتي ،وسآتيك به ،وفي إنتظار ذلك دثّريه جيّدا ،ولا فائدة في إستدعاء طبيب ،فلن يقدر على فعل شيئ له ،لمّا خرجت العرافة بقيت هالة وحدها مع خليل ،وأحست بالإرتياح لما لاحظت أنّ القرون والمخالب قد إختفت، ومع الوقت بدأ يعود زوجها لشكله الطبيعي، لكنّه بقي في حالة إغماء . بعد قليل وصلت العرافة ،ودهنت جسده بالزيت ،وقالت لهالة: لا تقلقي فسيستعيد عافيته ،لكن سيفقد الذاكرة ،وقد يكون ذلك لمدّة طويلة لا أحد يمكنه التّنبأ بذلك ولا بالآثار التي ستبقى في العقل بعد أن سكن جسده كيان آخر ،سألت هالة العرافة :هل هناك شيئ يمكن فعله ؟ أجابت : للأسف لا !!! يجب أن يرتاح خليل ،ويحسّ أنّ كلّ ما حوله طبيعيّ ،والآن يجب أن أذهب ،ولا تنسي أن تتصلي بالإسعاف ليساعدوك على نقله لفراشه، وعلاج الجروح التي في رأسه ويديه ، شيئ آخر يجب إحراق لوحة الويجا ، عليك أن تتذكري ذلك جيدا .
لم يمض وقت طويل حلى كان خليل نائما في فراشه ،وادّعت هالة أن زوجها قد سقط عندما كان يحاول النّزول إلى البدروم ،وحرصت أن تنظف المكان من كلّ الرّسوم والطلاسم و الشموع ،ولوحة الويجا ،وجمعت كل شيئ في كيس بلاستيك ،ورمتها في القمامة ونسيت نصيحة العرّافة ،بعد نومين فتح خليل عينيه ببطئ ،ووجد هالة تنظر إليه بفرح ،فابتسم لها وسألها كم من الوقت كنت نائما ؟ لقد رأيت كابوسا مخيفا ، كان جسدي يتحرّك بعيدا عني ،بينما كنت أنا محبوسا داخل مرآة ،وفجأة إنكسرت وخرجت منها، ولقد كنت أراك تمرّين أمامي ،وأناديك فلا تسمعينني ،و ظننت أني لن أخرج منها حيا أبدا ،في آخر الأسبوع استعاد خليل كامل عافيته ،ورجع إلى عمله ،وحمد الله على تخلّصه من لوحة الويجا الملعونة ،والتي كاد أن يحل عليه بلاء كبير بسببها .
رجع خليل إلى إستعمال النظارة وسقط شعره ،وفقد قوامه الممشوق ،تحسّرت هالة قليلا ،فلقد كانت ترى نظرات الإعجاب في كلّ من يراه ،وعليها أن تقنع به كما كان ،ربما ذلك أفضل فقد رأت بأمّ عينيها عيوب الرجل الوسيم ،فقد كانت تشعر بالغيرة كلما خرجا معا إلى التادي، ورغم ذلك فلقد ربح الفيلا ،وبقيت معه أسهم الشركات التي إشتراها . لكن في مكان آخر كان متشرّد يفتح أكياس الزبالة التي رمتها هالة، ووجد لوحة الويجا المكسورة، فباعها لتاجر عاديات بثلاثة جنيهات ،وقام صاحب المحلّ بترميمها، وعرضها للبيع . في أحد الأيام إشتراها رجل من هواة جمع التّحف السّحرية ،ولم يكن خليل وهالة يعلمان أن القصّة مع الشيطان لم تنته بعد ..

عن قصص وحكايات. العالم الآخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق