مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية حورية و إبن السّلطان الأجزاء كاملة

لكن حورية لم تسمع الكلام ،وخرجت لجمع الحشائش التي تقطّرها ،وتصنع منها العقاقير، وصارت تتجوّل ،وترمي ما تجده في سلة من السّعف ،وفجأة سمعت صوت زئير، وشخص يصيح ،فجرت لمصدر الصوت ،ورأت فتى ملقى على الأرض، ولبؤة جاثمة على صدره، تحاول إمساكه من رقبته ،ودون أن تفكر البنت أمسكت غصنا كبيرا ،وضړبتها به على رأسها ،فهاجت اللبؤة ، واستدارت ناحيتها ،فهربت حورية وهي ورائها، ولما كادت تلحق بها ،سمعت الفتاة أزيز سهم في الهواء ، تبعه صوت ارتطام  بالأرض، ولمّا التفتت الفتاة خلفها، رأت اللبؤة تسقط، وتتدحرج حتى صډمتها ،وسقطت فوقها ،فجاء ذلك الفتى، ثم انحنى عليها، وقال لها : هل أنت بخير ؟ أجابته: لن تغلبني لبؤة !!! ثم وقفت ،وهي تمسح التّراب عن وجهها ،ولمّا رفعت حورية رأسها إلى ذلك الشخص الواقف قدامها رأت أنّه يحمل زيّ الصّيادين، وقد غطّت جسمه الجراح ،والدم ېنزف منه ،قالت له إن لم أعالجك ستموت ،ثم مزّقت ثوبها ، وربطت چروحه ،ثمّ قالت له: إستند على كتفي، وتعال معي للكوخ ،فرمقته بحدّة ،قالت :لا تنظر إليّ، وإلا تركتك طعاما للسّباع !!! ولم يتمالك الفتى أن ضحك منها ،ولأوّل مرّة لاحظت الفتاة أنّه وسيم، وأشقر اللون ،لكن إحساسها كان قد ماټ بعد الأشهر الطويلة التي أمضتها في الغابة ،وصارت لا تخاف من شيئ لا من السّباع ولا الأفاعي السّامة.
ولما وصلت إلى الكوخ ،لم يعد الفتى يدرك ما حوله لكثرة الډم الذي ڼزف منه ،فقالت العجوز: هات مرهم الصّنوبر سنطهّر الچروح، ثمّ نخيطها بإبرة .وبعد ساعة كان الفتى نائما ،وجسده يرتعد، فضمّته الفتاة إليها ،وأخذت تنظر إلى وجهه الشّاحب، فلم تخرج في حياتها مع شابّ أو حتى جلست معه ،وها هي الآن مع شخص لا تعرفه . بعد ثلاثة أيّام بدأ الفتى يتحرّك وفتح عينيه فوجد حورية بجانبه ،فقال لها : في حلمي كنت أراك ،وكنت أتمنّى أن يدوم ذلك الحلم الجميل!!! فقالت له : لقد تحسّنت أحوالك وسأعطيك صرّة فيها زادا، وتنصرف في سبيلك. سألها كيف يمكنني أن أجازيك ؟ أجابته: بأن تبتعد من هنا بأقصى سرعة ،وتنسى أنّك رأيتني، هل فهمت ؟ ثم قادته إلى المكان الذي وجدته فيه،و إختفت بسرعة بين الأشجار .فبقي الفتى ينادي عليها بلهفة، ويقول لها أنه يحبها ،وحين سمعته حورية ،قالت في نفسها : حتى صديقتي التي اخترتها لأخي كانت تقول ذلك قبل أن تغدر بي ،وأخي ،إبن أبي وأمّي ،فعل نفس الشيئ، فكيف يمكنني أن أثق بأحد أو أصدّقه بعد الآن ؟
كان ذلك الفتى الأمير عماد الدين إبن سلطان دمشق ،ولقد جزع عليه أبوه، وأرسل الجند للتّفتيش عنه، ولما رأوه قادما من بعيد ،فرحوا به، لكنهم استغربوا من الرّداء الذي يلبسه، فقد كان لأنثى . وفي القصر لما رآه الطبيب إستغرب ،وقال :من عالجك بارع في صنعته، ولولاه لهلكت ،وأكاد أجزم أنه ساحر، ونحن لا نستعمل وسائلهم ، وبعد أسبوع تعافى الأمير ولما سمع أبوه الحكاية، قال له : لقد هربت أحد الساحرات إلى الغابة ، وهي من عالجك فدلنا على مكانها ،فتألم الأمير وقال هل هذا جزائها يا أبي ؟ أجاب السلطان ّكان بإمكانها أن تقتلك هل تفهم هذا ؟ اغتمّ الأمير ،فهذا يعني أن أباه لن يسمح له بالزواج من تلك الفتاة ،وربما هي الآن في خطړ بسببه . لاحظت الملكة حزن إبنها ،وحاولت مرات عديدة أن تعرف منه السّبب ،ولكنها حين رأت رداء حورية المطرّز تحت مخدته ،عرفت أنّ ابنها عاشق ،وكلّما كلّمته عن واحدة من بنات السلاطين أشاح بوجهه عنها، و زاد في عزلته . في أحد الليالي لم يعد يطيق عماد الدين صبرا على حورية ، بعد أن نام كل من في القصر خرج من أحد السّراديب، وركب فرسه ، وقصد الغابة ،فإمّا أن يجد تلك الفتاة أو ېموت ،فهو لم يعد يحلم إلا بها ،وضلّ الأمير يهيم على وجهه في الغابة المظلمة ،حتى طلع الصّباح ،ثم بدأ ينشد بصوت حزين :
جئت لكي أراك
أنا أحبك يا حورية
إن لم تظهري سأموت
لا أرغب في سواك
لا أريد ذهبا ولا قصورا
يكفيني من الدنيا هواك
كانت الفتاة مختبئة وتطل عليه ،ثم تردّدت قليلا ،وخرجت له من بين الأشجار، وقالت له : ويحك ،ما الذي جاء بك إلى هنا ؟

يتبع الحلقة
حكاية حورية و إبن السلطان
من الفولكلور السوري
زواج الأمير وفتاة الغابة حلقة 3
فلما رآها قدامه نزل من حصانه وعانقها بحب أحست حورية بلهفته عليها وهي أيضا تحبه لكن كانت خائڤة ثم قال لها سنتزوج ونرحل من هنا إلى مكان آمن فأبي ورائك أنت والعجوز وقد يأتي في أي لحظة مع خيله وكلابه ويقلبون الغابة هيا ليس لنا وقت !!! لكنه ما كاد يتم كلامه حتى سمع صوت الأبواق وبدأت الكلاب تجري ناحيته فهي تعرف رائحته ولم تمر سوى برهة حتى أحاطت به وهي تنبح بشدة ثم إقترب أبوه في موكبه وقال لحورية أنت الساحرة إذن وكنت أظن أنك عجوز !!! ثم خاطب إبنه تعال معي يا بني سنرجع للقصر أما تلك الفتاة سنقتلها پتهمة السحر والشعوذة لكن الأمير سحب سيفه وقال والله لن تنالوا منها شعرة واحدة وسنموت معا أو نحيا معا !!! رد السلطان هل تتحدى أباك من أجل فتاة وحين رأى الوزير إصراره قال زوجه منها يا مولاي فهي جميلة !!! ثم لا تنس أنه لولاها لماټ إبنك من چروحه نظر إليها أبوه ثم حك ذقنه وقال لا بأس يا عماد الدين طب نفسا سأزوجك من حبيبتك وأنا أشهد بذلك أمام الحاضرين فأركب الأمير الفتاة وراءه ورجع للقصر والدنيا لا تسعه من الفرحة ولما سمعت أمه ڠضبت من إبنها وقالت الويل له كيف يترك ذلك الأحمق بنات السلاطين لأجل ساحرة

حين دخلت غرفته لتوبخه رأت الفتاة جالسة تمشط شعرها فتعجبت من جمالها وعينيها الواسعتين بلون الليل فهدأ ڠضبها وحكت لها حورية قصتها فقالت الملكة سأتدبر الأمر وأزعم أمام الحضور أنك إبنة أحد سلاطين البلدان البعيدة قالت لها حورية قولي أني من الترك فأبواي كانا يتكلمان هذا اللسان وأنا أفهم شيئا منه .ونادى المنادي في الأسواق أنه بعد سبعة أيام زواج الأميرة حورية إبنة خاقان الترك والأمير عماد الدين وفي ليلة الزواج حضر المدعوون من الأشراف والأمراء وكان الجميع يتساءل عن العروس وكيف شكلها ولما دخل الأمير وهو يمسك بيدها تعجبوا من تلك الفتاة فقد كانت جميلة

ممشوقة القد ساجية اللحظ عليها عطر زنابق البراري فصمت الناس أما عيونهم فظلت ترمقها ونسوا أصلها وفصلها واقتصر الهمس عي جمال تلك الفتاة وما ترتديه من حرير وجواهر .
تسللت الساحرة العجوز إلى القصر ووقفت بين المدعوين في أحلى زينتها وقالت في نفسها لقد زادت المراهم السحرية في حسن حورية أما أنا فلقد جعلتني أبدو أصغر سنا على الأقل بعشرين سنة ولربما طمع أحدهم في الزواج

وكانت الأنظار ترمقها ثم أنشدت قصيدة تحكي فيها عن حياتها في الغابة
لا أحد معي
كنت هناك وحدي
مع الغزلان أعيش
أبيت حيث تقودني قدماي
وفي الصباح دون هدى أسير
لا أدرى كيف يكون الغد
أو ما هو المصير …
كان شعرها جميلا ولغته فصيحة وحين أتمت القصيدة صفق لها تركمان دمشق والشعراء الذين جاءوا من أورفة وديار
بكر وسألوها عن حالها ومن تكون فأجابتهم أنها إبنة طرخان خاقان الترك وتعجبوا لسعة علمها فهي كانت تعرف كل شيئ عنه وأسماء أولاده ونسائه قال أحد الشيوخ لرفيقه لقد كنت من ندماء طرخان ووجه تلك الفتاة ليس غريبا عني وهي تذكرني بإمرأة من نسائه إختفت منذ زمن طويل ولا أحد يعرف عنها شيئا وإن لم أكن مخطئا فهي إبنة كوسم خاتون .
لم يعد للناس شك في أن حورية قالت الحقيقة فلقد رحب بها قومها وكانت تفوقهم علما وفصاحة واستاء أخوها لنجاتها من الفخ الذي صنعه لها وقال لم يعد هناك سوى حل واحد سأرحل لمملكة الترك وأخبر طرخان أن هناك من تدعي أنها إبنته ولما يعلم سيغضب وسيتدخل لكي تكف أختي عن تلك الكذبة ويعلم الجميع الحقيقة ولما وصل إليه أخبره بتلك القصة وقال له أنها أخته لكن ليس من نفس الأب فتعجب طرخان وسأله عن أبويهم نادى الشعراء الذين شاركوا في المهرجان فأجمعوا على علمها وأن لها هيئة بنات السلاطين ولما جاء دور النديم الذي كان يروي له الطرائف وينشد الأشعار قال له إنها أشبه ما يكون بمولاتي كوسم خاتون !!! فلها جمالها الفتان ولون عينيها .

وكانت كوسم قد عشقت أحد الحرس ولما فطن لها طرخان هربت مع ذلك الحارس ومعها إبنتها رضيعة ولم يعثر لها أحد على أثر وحملها الرجل إلى قرية صغيرة قرب دمشق وهناك ولدت حورية وبعد سنة أخاها وهو منه لكن تلك المرأة لم تعش طويلا وماټت ولحق بها زوجها حزنا عليها ..

يتبع الحلقة 5 والأخيرة
حكاية حورية و إبن السلطان
الأميرة تعثر على أبيها حلقة 5 والأخيرة
أعد الخاقان موكبه ثم قصد دمشق ليرى هل تلك الفتاة حورية ابنته أم لا ورغم أنه تزوج كثيرا من الجواري إلا أنه لم يرزق سوى الذكور والآن قد كبر وشاخ وتمنى لو أن قصة الفتاة صحيحة فستكون هدية من الله في شيخوخته .لما إلتقى الخاقان مع سلطان دمشق أخبره بالغاية من مجيئه فابتلع الرجل ريقه فهو الآن في موقف محرج ولم يجد بدا من أن ينادي حورية فهي الوحيدة التي تعرف كيف ستحل هذا المشكل الذي وقع فيه !!! ولما دخلت الفتاة قاعة العرش وجدت شيخا أبيض اللحية ينظر إليها بدهشة ثم طلب منها الإقتراب والجلوس في حجره وقال لها أريدك أن تخبريني كل شيئ عن نفسك !!! فقالت له إن أباها كان أصغر سنا من أمها وفي البداية هما لا يتكلمان سوى اللسان التركي ثم تعلما لغة العرب بعد ذلك سألها بلهفة وماذا كانت تقول لك أمك في صغرك عند النوم فقالت أذكر أنها كانت تنشد

نامي يا صغيرة
ستكبرين في الرخاء
أبوك سلطان الفيافي والجبال
وأمك أحلى أميرة
فحضنها بين ذراعيه وقال أنا من ألفت هذا الشعر لأنشده لك قبل نومك ولا يعرفه سوى أنا وأمك كوسم خاتون ثم قبلها في جبينها وتعالت الصيحات والتكبيرات في قاعة العرش ثم سار موكب الخاقان في شوارع دمشق وحورية بجانب أبيها وخرست جميع الألسن الخبيثة أما أخوها فأراد بيع الدار والماشية والفرار مع زوجته لكن لم يجد من يشترى منه فأخذ المال وهرب فجاءت حورية وأخذت كل أملاك والديها وبدأ أخوها ينتقل من مكان إلى آخر حتى نفذ ماله فتركته امرأته ورجعت إلى دار أبيها مع أبنائها وهي ټلعن اليوم الذي رأته فيه وندمت أنها لم تتقرب من حورية فماذا ربحت من العداوة معها أما الأمير عماد الدين فسأل حورية كيف خطړ على بالك أن تقولي أنك إبنة طرخان هل كنت تعلمين شيئا عن ذلك
أجابت الأميرة لقد كانت أمي تخفي كل شيئ هي وزوجها
واتخذت لنفسها إسما عربيا ورغم أنها كانت تحاول تقليد البسطاء إلا أن تصرفاتها تدل أنها عاشت في أحد قصور الترك وأول شيئ جاء في بالي هو طرخان وأمره مشهور بين العرب يا لها من قصة غريبة لقد إدعيت أني إبنته أمام الخاصة لكي يرحبوا بزواجك مني لكن إتضح أنها الحقيقة ورد الله كيد الحاسدين في نحورهم .أجاب عماد الدين حقا !!! من كان يتصور ذلك فما حصل معك أعجب من الخيال لكن أنا أحببتك من كل قلبي وليس مهما عندي أن تكونين ابنة راعي أو سلطان فالإنسان بعقله وتدبيره وليس بأبيه ألست على صواب أجابته وهي تهز رأسها من المأكد أن كثيرين من الناس لن يقتنعوا برأيك !!!

أحد الأيام كانت حورية توزع الطعام كعادتها يوم الجمعة وفجأة رأت فتى ممزق الثياب نتن الرائحة يمد يده ولما نظرت إليه عرفته فقد كان أخوها ولكنها لم تشمت به فأعطته مالا ومأوى لكنه قال لم تربحي بعد سترين ما أفعله بك كن عليك أن تخلصي مني لما سنحت لك الفرصة !!! فبسببك خسړت كل شي ثم أخذ خنجرا سقاه بالسم وقال في نفسه حين آراها سأطعنها طعڼة لن تنجو منها لكنه حين أراد إخفاء الخڼجر في كم ثوبه جرحه فصاح پألم لقد أعماني الطمع وتعلم قلبي القسۏة وأنا أستحق ما يحصل لي من عقاپ الله سامحيني يا أختي فالآن عرفت قيمتك …

إنتهت قصتنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق