مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #سعيد_الجان_وقُميرة_البان الجزء الرابع والاخير
وفي أحد الأيام لما كانت قميرة البن نائمة رأت في المنام رجلا يلبس تاجا مرصعا بالجواهر يقف قرب سريرها ،وقال لها : أنا الملك تبّع الأكبر الذي إعتنيت بقبره بعد مماته ،وسأردّ لك جميل فعلك معي ،وأعلمك أنّ إحدى أخواتك ستحاول إفساد عرسك ،لكن ببركتي سأرد كيده إلى نحرها .،وفي المساء لما كان الحاج رمضان جالسا في داره ،دقّ الباب، فوجد شيخا مليح الوجه معه فتى سبحان الله فيما خلق ،وقال له أنه جاء لخطبة إحدى بناته، فأدخله ،وأمر قميرة البان أن تحضر شراب اللوز للضّيفين والحلوى ،ولمّا سأل الشّيخ أيّ بناته يريدها لإبنه أ،شار باصبعه إلى الصغرى التي كانت قادمة وفي يدها الطبق ،فابتسم الحاج ف،هي أيضا كانت جميلة الوجه تصلح لذلك الفتى ،وكانت الأخت الكبرى تطل من شق في الباب، ولمّا رأت سعيد الجان لم تتمالك نفسها ،وندمت أنها أفشت سر تلك الدار ،وإلا كان سعيد من نصيبها ،ولم تكن تعرف أنّ الجان أكثر جمالا من الإنس .
ثمّ قرّرت أن تفضح العريس، فأبوها رجل دين ،ولن يقبل أبدا تزويج إبنته من جنّي ،ثمّ ملأت قصعة بالماء السّاخن ،ووضعتها أمام الشّيخ الذي كان يخفي قدمية تحت جبته الطويلة ،وقالت له: ضع قدميك في هذا الماء، فلا شكّ أنّك متعب من طول الطريق ،ثم إبتسمت في سرها فلم تفتها أن الشيخ كان له حافر ماعز وقد أخافها ذلك كثيرا حين كانت في داره تقطف الثمار ،وألحّ عليه الحاج رمضان ليغسل قدميه وينشفهما ،كانت الأخت الكبرى تظنّ أن الشّيخ وإبنه سيشعران بالحرج وينصرفان ،وربما غضب سعيد ،وطلق أختها ،لكن لدهشتها الشّديدة رفع الشّيخ جبته ،وخلع نعليه وكات قدماه مثل كلّ الناس ،وقال لها: أكملي فضلك ،واغسليهما فأنا لا أقوى على الإنحناء ،فلم تجد الفتاة بدا من إرضائه، وغسلت قدميه، وهي تتميّز من الغيظ ،ولم تعرف كبف حصل ذلك، فهي متأكدّة ممّا رأته، والشّيخ نفسه قال لها أنه من الجان. أمّا قميرة البان ،فسخرت من أختها ،وكذلك بقيّة البنات ،ولمّا أتمت عملها دخلت غرفتها وأخفت رأسها تحت المخدّة من شدّة القهر ،وفرح الحاج بضيفيه أشدّ الفرح ،وقال ان شاء الله يرزقني الصّحة ،وطول العمر وأزوّج كلّ بناتي وأرى أولادهم وأحفادهم .
وبعد شهر أقيمت الأفراح في دار الحاج رمضان ،وحضر جميع أهل الزّقاق زواج قميرة البان ،وتمنّوا لها السّعادة ،ولم يعرف أحد منهم ما حدث في غياب أبيها ،وبعد العرس نزلت أمطار غزيرة في القرية وأصبحت الأرض خضراء تسرّ الناظرين ،قالت الفتاة لزوجها: سبحان الله ،جدّك على حقّ ،فالملك رغم موته منذ زمن طويل مازال يحمل الخير لهذه الأرض ،وقد جاءني في المنام وشكرني على خدمته في قبره ،وهو من أفسد حيلة أختي الكبرى !!! أجابها سعيد : هذا الشأن دائما مع الملوك العظام لا ينتهون بمجرّد موتهم، وتبّع كان ملكا صالحا يرفق برعيّته ،ولذلك بارك الله فيه .
لما إكتملت التسعة أشهر ولدت قميرة البان بنتا مليحة ،وكان لها جمال الجن وبياضهم ،لكن جسدها كالإنس، ولم يكن لها حافر ماعز ،بل قدمين جميلتين ،وقال سعيد :لما أموت سيندثر الجان الذين حرسوا قبر اللملك ألفين وخمسمائة سنة !!! أجابت الفتاة :لا تقل ذلك، لقد إرتبط مصيري بالملك ،وسأعلّم إبنتي ذلك أيضا، سألها سعيد: وهل إخترت لها إسما ؟ أجابته نعم : بلقيس !!! قال الفتى : ما أجمل هذه الأسماء القديمة ،ولم يبق إلا أن يكون لها هدهد جميل ،وضحك العروسان في سعادة بينما كانت البنت الصغيرة تتأملهما بعينيها الرماديتين اللتان يشبه لونهما لون القمر .
…
إنتهت،
من قصص حكايات العالم الاخر