مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية هاتف منتصف الليل من قصص العبرة والموعظة من الفيلا إلى شقّة يلفّها الظلام (حلقة 1 )

رجلُ غني يروي قصة حدثت معه منذ فترة ، يقول الرجل : عدت من شركتي في أحد الليالي، وكالعادة دخلت منزلي، وتناولت العشاء مع زوجتي ناهد .وكان الطقس باردا تلك الليلة ، فرميت على نفسي غطاءا ثقيلا ،وكنت في العادة لا أتأخّر ً في السّهر وأنام مبكرا ،لأكون حاضرا لمراقبة أعمال البناء في أول ساعات الصباح ،وبمجرّد أن أضع رأسي على الوسادة كنت أروح في سبات عميق.ولكن الغريب أنّه في تلك الليلة لم أستطيع النّوم مثل العادة لقد كان عقلي مشغولاً بأحد الملفّات، فنهضت من فراشي، وأعددت فنجان شاي ساخن ،ووضعت موسيقى هادئة على هاتفي،لكن سرعان ما شعرت بالملل، وكنت أحسّ بالضّيق وحدي ، وفجأة خطرت على بالي فكرة سخيفة فقلت في نفسي :سوف أتّصل بأوّل رقم يخطر في بالي ،وأتحدث مع صاحبه قليلا ، وربّما أكسر الملل؟
فضغطت على الأرقام بشكل عشوائي، فرنّ الهاتف ،ولم يجب أحد، ثم غيّرت الرّقم الأخير ،فردّت إمرأة كان واضحا من صوتها أنّها تبكي،فخفت منها، وأغلقت الخط في وجهها ،فروادني الفضول، وأردت أن أعرف سبب بكاء المرأة في ذلك الوقت المتأخر، فقلت لنفسي: دعني أعرف القصة !!! فاتّصلت مرة أخرى فكان الرد سريعاً ،وقالت :أستحلفك بالله لا تغلق الخط ،إني بحاجة لمساعدة ،وكان بكائها شديداً إقشعرّ منه جسدي
فقلت لها : ما الأمر يا أختي؟ كيف أساعدك فقالت دون أن تتوقف عن البكاء ؟ أني أسكن في طرف المدينة شارع محمد علي، وليس هناك مواصلات في هذا الوقت،هل عرفت المكان ؟ فقلت ؟ نعم أعرف المكان أنه يبعد عنّي سوى أربعة كيلو متر !!! لكن لماذا أنت بحاجة للمساعدة ،هل تحسّين بالمرض ؟أجابت: لست أنا بل أبني !!! سألها مرّة أخرى ،لكن معك تلفون أطلبي له الإسعاف ،قالت: هل تعتقد أنّي لم أفعل؟ الخط مشغول ،ولقد إتصلت مرّات عديدة ،من سوء الحظّ أن أحدا لا يردّ ،اعتقد أنّ إبني سيموت ، فقلت لها :حسناً أعطيني عنوان منزلك ، مسافة الطريق واكون عندك ،لكن أخبريني ممّا ويعاني إبنك؟ أجابت: عنده أزمة ربو شديدة .
أخذت عنوان منزلها ،ثم أيقظت زوجتي التي كانت طبيبة وعيادتها في الدور الأرضي ،وحين أعلمتها بما حصل ،قالت: لي تتصل من ورائي بعدما أنام يا باشمهندس ؟ ومن يدرى ماذا تفعل أيضا في غيابي !!! قلت لها نذهب الأوّل وسأشرح لك فيما بعد .وبينما كنت أنا أخرج السيارة ،أخذت علبة دواء من العيادة ،وفي الطريق نظرت إلى ناهد ،وقلت لا تتخيّلي أشياء لا وجود لها، فقط أردت أن أتغلّب على الملل ،وهذه الحكاية وما فيها، لكنها لم تحوّل عيناها الغاضبتين عنّي، وبعد خمس دقائق وصلنا إلى عمارة قديمة تفوح منها رائحة الرطوبة، وصعدنا إلى شقّة في الدّور الرابع بشقّ الأنفس، ثم وطرقنا الباب وفتحت مراة قد إنتفخت عيناها من البكاء، ودخلت انا وزوجتي وكان هناك حجرة واحدة ،وقد إستلقى الطفل على فراش مهترئ وهو يتنفّس بصعوبة ،ويسعل بشدة ،فأعطته ناهد الدّواء الذي وضعه في فمه ،وسحب منه جرعة ،ولم تمض دقائق حتى بدأت الزّرقة تزول عنه، وقالت ناهد سنأخذه لى مصحة أطفال خصوصية ،قالت أمه وهي تمسح عينيها بطرف كمها : ليس معي مال، ولا تأمين لي فقط بطاقة للعلاج المجاني ،أجابت ناهد : أعرف المدير ،ولن يأخذ منك شيئا .
وبعد ربع ساعة وصلنا إلى المستشفى وبدأ الطبيب بفحصه وقال أنه يعاني من مضاعفات شديدة لعدم حصوله على علاج ،فالأدوية غالية نوعا لكنها موجودة ،ثم أعطوه حقنة ووضعوا على وجهه قناع الأوكسجين، وصارت أنفاسه أكثر انتظاما

يتبع الحلقة 2

بقلمي نديم العامري: حكايات زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق