مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية حسن إبن التّاجر والدرويش من الفلكلور السّوري النّبوءة العجيبة (حلقة 3)

بقلم : طارق السامرائي

حين وصلت خلود أمام الدّار، همّت بطرق الباب، لكن في نفس الوقت فتح حسن ليخرج ،ومن شدّة إرتباكها سقطت عن وجهها اللحية ،فضحك حسن من الفتاة ،وقال :أخشى أن سيقط شعرك أيضا ،فابتسمت له ،ثمّ رفعت العمامة عن رأسها، فتهدّل شعرها الذهبي على كتفيها، ،فسحبها حسن من يدها إلى وسط الدار، وقال لها :سيدتي الأميرة ،ماذا تفعلين هنا ؟ فليس من الحكمة أن تتجوّلي وحدك في الأزقّة ،وإن جئت للشّراء، فأنا لم أعد أعمل في الدّكان ،ولقد وضع أبي واحدا آخر محليّ !!! قالت له: لقد جئت لأسأل عن الدّرويش ،فلقد كنت مارّة أمس قرب المقهى ، وسمعت شيئا من حكايته ،أجابها :هذا عجيب، فجأة ،بدأ كلّ الناس يهتمّون بذلك الرّجل !!! ثم رافقها في أزقّة حلب بعد أن أعادت تنكرها ،وفي الطريق وجدت الفرصة مناسبة لتكلّمه ،فقالت : اسمع ،على أبيك أن يحذر من جيرانه في السّوق، فهم ينوون به شرّا !!! أجابها : لا أستغرب ذلك، لكن أبي لا يريد أن يصغي لكلامي .
ثم سألها :هل تريدين أن أرافقك للقصر؟ أجابته : أشتهي أن أشرب قهوة وأستمع لباقي الحكاية ،تردّد حسن ،فليس كلّ الناّس في المقهى مهذّبين وقد يقولون كلاما غير لائق ،فهمت الأميرة ما يفكّر فيه ،وقالت: لقد مللت من جوّ القصر، واذا خرجت للمدينة، فحركاتي محسوبة ،قال الولد :موافق، لكن أوصيك بالصّمت ،هل تعديني بذلك ؟ أجابه :سأغلق فمي ،وأفتح آذاني !!! بعد قليل وصلوا للمقهى، وانبسطت خلود لمّا خلعت حذاءها ،وصعدت على دكّة مفروشة بحصيرة ، ولمّا حضرت القهوة اتّكأت على وسادة من المخمل ،وشرعت في ترشّف فنجانها ،والتقت عيونها مع حسن ،وأحسّت بسعادة لا توصف ،كلّ شيء حولها كان رائعا: نغمات الموسيقى ،ورائحة النّعناع ،والباعة ،الذين يقتربون وفي أيديهم قراطيس اللوز والفستق الحلبي .
بينما هما كذلك، جاء الدّرويش، فجرى الزّبائن ،وتحلّقوا حوله فتنحنح ،وقال : بعد قليل إختفى الصوت ،وعاد الهدوء فبدأت أطوف في الأرض ،أدخل من مدينة ،وأخرج من أخرى ،ورأيت أقواما شتّى ،وتعلّمت ما عندهم من علوم وحكمة ،حتى بلغت ثلاثمائة سنة ،وأحد الأيّام دخلت في غابة، وحلّ الليل، فإذا بامرأة جالسة تبكي، لمّا رأيتها جزعت منها ،فلقد كان لها حافر حمار ،وهممت بالهرب ،لكن خرج لي آخرون ،وقبضوا عليّ ،فقالت لهم: أتركوه ،وحكت لي قصّتها، وأنها ملكة قبيلة من الجان، وقد مات زوجها ،ومن عادتهم أنّهم يدفنون الملكة حية، إلا إذا وجدت من يتزوّجها ،وقومها يكرهون الأرامل ،ويعتبرهنّ نذير شؤم ،فلمّا رأيت دموعها، وافقت على الزواج ،وعشت معها مائة خمسن سنة حتى ماتت ،وأنا لا أزال شابّا ،ثم قلت في نفسي: لم يبق لي الكثير من الوقت لأعيشه، وعليّ أن أستغلّ ما بقي من عمري، لأكتب ما تعلّمته في هذه الحياة الطويلة،وأنا أرجو أن يذكرني الناس بالخير ،وأنال أجرا يوم الدّين.
لكنّ أحد الأيام لاحظت خروج حشرة سوداء من الأرض ،وفي البداية لم أهتمّ بها ،لكن بعد أشهر رأيت واحدة ثانية في مكان آخر بعيد ، ثم ظهرت في كل الأقاليم ، فبدأت أخاف فتلك الحشرة الخبيثة لا يأتي منها خير، ولمّا تظهر وتبدأ في التّكاثر ،فذلك يعني أن جفافا عظيما ينذر بالاقتراب .. ثمّ توقّف الدّرويش ،واستغرب الزّبائن والأميرة ممّا سمعوه ،وظنوا الحكاية من خياله ،مثل الشّعر الذي كان ينشده عليهم، وصاحوا :وبعد ماذا حصل ؟ أجاب الرّجل :المرة القادمة ..
غمز الدّرويش حسن، وقال له لقد قدمت الأميرة من أجلك ،فلا تسئ التّصرف مع مولاتك !!! فتعجّب الفتى من فطنته ثم رافق خلود ،وأخذا يدوران في المدينة ،ويتهامسان بحبّ وفي الأخير أوصلها للقصر ،لكن أحد التّجار كان جالسا في المقهي ذلك الصّباح ، ،ولمّا انصرف حسن مع الأميرة المتنكرة في هيأة رجل مشى وراءه ليعرف من ذلك الشخص ،وأين يذهب معه ؟ لكنه لما سمع صوته ،عرف أنها فتاة ،وزادت دهشته حين ذكرت أمّها التي تنتظرها في القصر، ،فأيقن أنّها خلود، ووجد الفرصة للتّخلص من حسن ،فالنّاس تحبّه ،ولذلك يذهبون لدكان أبيه للشراء ،ورغم أنّه إبتعد عن التّجارة الأ أن حالتهم لم ترجع كما كانت من قبل ..

يتبع الحلقة 4

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق