مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية يحيى وماريوس أبناء يوحنّا من زمن الخيال في خيمة البدوي (الحلقة 5)

هام يحيى على وجهه في البوادي والقفار عدّة أيّام حتى إشتدّ به الجوع والعطش ،وأيقن بالهلاك ،وقال في نفسه :الأفضل أن أموت فلم يبق لي شيئ في هذه الحياة !!! وكان أشدّ ما يحزنه هي مريم التي إنتقصت من شجاعته ،فكيف سيقاتل الرّوم الذين ملئوا البرّ ؟ وليس كلّ النّاس مثل أخيه ماريوس ،فيسوع منحه القوّة ، وهو يثير الإعجاب ،لكنّه متهوّر وأحمق ،وتلك الفتاة في أوّل فرصة تركته، وذهبت إلى أخيه لتحتمي به ،ولعلّها أيضا تحبّه ،كانت الخواطر تزدحم في رأسه ،فذلك اللئيم ماريوس ،لم يقل حتى كلمة خير في حقه ،وكلّهم مخادعون باستثناء أبيه ذلك الشيخ الطيب ،وكان عليه الذّهاب منذ وقت طويل، فهو يظلّ في نظرهم عربيّا من أهل البادية ،وأقسم أنّه لو نجا فلن يرجع إلى القرية ،فمكانه بين العرب،وهو لا يزال يحمل القلادة التي وضعتها له أمّه يوم مولده .
بدأ يحيى يحسّ بالدّوار ثم أظلمت الدّنيا ،وسقط على الأرض، ولم يعرف كم من الوقت بقي على تلك الحالة وفجأة شعر بماء بارد يبلل وجهه ويسيل على شفتيه، ففتح عينيه ببطئ ،وهو يحاول أن يتذكّر ما حصل له،فشاهد أعرابيا يصبّ عليه الماء ،ويهزّه ليفيق ،ثمّ سمعه يقول الحمد لله، لم لو أمر في هذا الطريق لأصبحت طعاما للعقبان !!! ثم أركبه على جمله ،وقاده لقومه، بعدما رأى القلادة على صدره ،فهي من صنعهم .لمّا إستراح الفتى ودبت فيه الحياة من جديد سأله البدوي عن نسبه ،وإن كان يعرف أحدا في هذه القبيلة؟ تعجب يحيى من هذه المصادفة الغريبة التي لم يكن يتوقعها ،وأجابه: أنّه ضاع في الطريق لمّا كان صغيرا ،وربّاه السّريان،وهو لا يعرف شيئا عن عائلته .
قال له البدوي: أنا إسمي عامر، وبامكانك العيش هنا ترعى الإبل ،فلي الكثير منها ،وسأعطيك خيمة وأزوّجك ،هل أنت موافق ؟ قال يحيى في نفسه :عال !!! لم يبق لي سوى أن أرعى إبل العرب !!! ولمّا جال الفتى بعينيه في الخيمة رأى أنها مرتّبة بذوق ،لكنه شاهد في أحد الأركان جرابا من جلد عليه نقوش بديعة فأدرك أنه من صنعة الروم ،ولمّا سأله عنه أجابه عامر:ليست هذه أوّل مرة أجد أشياء ملقاة في الصّحراء ،ولذلك الجراب قصّة عجيبة ،فلقد كنت راكبا جملي ،فتراكمت الغيوم ،هبت عاصفة شديدة ،ولمّا إنتهت ظهر لي من وسط الرّمال جراب ،وحين أردت أخذه ،فوجئت بيد برجل مدفون في الرمال يمسك به ،ولما حفرت وجدت عظام أربعة رجال وكان معهم صندوق فيه ألبسة وصرة من الذهب ،فأخذت كل ذلك وبعته واشتريت بثمنه الإبل التي تراها أمامك، وخيمة جديدة ،وصرت من وجهاء القبيلة بعد أن كنت جمّالا أنقل بضائع التجار تحت الشّمس المحرقة ،أمّا الجراب ففيه ثلاثة كتب ،لم يرد أحد شراءها منّي لأنّها مكتوبة بخطّ غريب ،ومن يدري قد تكون متعلقة بالخبايا والكنوز .
سأله يحيى سألقي عليها نظرة ،وأقول لك إن كانت تساوي شيئا !!!وما كاد يفتح الأول، حتى أصابته الدهشة، فالكيمياء تصرّ أن تطارده حتى في الصّحراء ،فبينما الأوّلان مكتوبان بالخطّ اليوناني، وفيهما مواضيع شتّى ،إلا أنّ الثّالث كان شديد الغرابة ،وهومكتوب بالرّموز التي يستعملها الخيميائيون القدامى ،ومن الرّسوم عرف أنّه مجموع صحائف تتعلق بحجر الإكسير ،وأيضا السّائل الحارق الذي يسميه الرّوم النّار اليونانية، وكان هناك رسوم لبعض أسلحتهم التي لا يعلم أحد أسرار صنعها، وغلبوا بها الأمم القديمة ،أدرك يحيى أنّه عثر على كنز لا يقدّر بثمن ،ساقته الصّدفة إليه، ولم يكن صعبا عليه معرفة تلك الرموز ،فلقد شاهدها عدّة مرّات في مكتبة أبيه يوحنّا ،ويعرف بعضها ،ثم نظر الفتى لعامر ،وقال له إنها كتب سحر ،ولهذا لم يقبل أحد بشرائها ،والرّأي أن تعطيها لي ،وآتيك مقابلها ببعض الدنانير !!! لكن البدوي إفتكّ منه الجراب ،وأجابه أنّه لا يريد بيع ما فيه ،وأنّ الرّسوم التي في الكتب تعجبه كثيرا .
لم يقدر يحيى على النّوم في تلك الليلة وقال في نفسه: المسلمون سيدفعون لي بسخاء إن ساعدتهم في حربهم ضدّ الرّوم، وسأشترى قصرا في دمشق عاصمة بني أميّة ،وأتزوّج إمرأة عربية ،ألست عربيّا ؟ ومكاني هنا مع قومي، وليس مع السّريان ؟ آه ،كم إستهزؤوا بي لأنّي لست أشقر مثلهم ،وسنرى يا مريم من بيننا الأفضل أنا أم أخي ماريوس !!! إني أمقته الآن،فمنذ الصّغر والناس يفضّلونه عليّ ،من الآن سأصبح أنا محلّ الاهتمام ليس فقط في قرية السّريان ،بل في كلّ مملكة المسلمين …

يتبع الحلقة 6

انيس بن هالي / حكايا زمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق