مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية إبن التّاجر والأميرة جيهان من الفولكلور السوري صداقة مع الحلاّق (حلقة 1 )

فارس رامي

كان لأحد تجّار التّوابل ابن وحيد إسمه غسّان، وكان يصطحبه معه دائماً إلى دكانه، فيرى أباه وهو يبيع ويشتري، ويتعلّم منه التجارة، وكان الأب كريما في ماله ،فإذا طلب منه أحد قرضاً منحه إياه، من غير أن يكتبه، حتى إنّه كان يعطي من لا يعرفه، وكلما راجعه ابنه في ذلك، قال له: تعلّم أن تثق بمن حولك !!! وتواصل ذلك الحال حتى ضاق الإبن بطيبة والده، قال له: ويحك يا أبي ،النّاس تستغلّ طيبتك ،وبعضهم صار غنيّا بفضل مالك ،وأنت بقيت فقيرا !!! أجابه :الحمد لله الذي جعل أرزاقهم على يديّ ،واعلم الفقر هو في الدين والأخلاق، وليس في المال ،وأنت لا تعلم كم واجهت من مصاعب في حياتي ،مرة يهاجمنا قطاع الطّرق ،وأخرى أتيه في الصّحراء ،لكن الله دائما يجعل لي مخرجا ،لكن إبنه لم يكن مقتنعا بذلك ،وهو يتأسّف حين يرى أباه يجدّ كل يوم ،ويتعب دون أن يظهر عليه الخير ،أمّا الأب الذي علّمته الحياة الحكمة ،فكان يدعو لإبنه الوحيد بالهداية ،فهناك ما هو أهمّ من المال ،وهم الناس الذين يعيش معهم ،وكان غسّان ،يسيئ الظنّ بكلّ من حوله ،وهو يعتقد أن الناس لا تأتي إلا لقضاء شؤونها .
وذات يوم أرسله أبوه في تجارة إلى راجستان، وهي من بلاد السّند ،ليحضر التّوابل والبهارات من قرفة وزنجبيل ،وعود القرنفل ،ويرى الحياة، فحملته الأسفار من بلاد إلى بلاد، حتى حط ّبه الرحال في مدينة عظيمة عامرة بالخيرات فسار فيها يتفرّج على أسواقها ومبانيها، وفجأة وقف أمام قلعة شاهقة قد رصفت الجماجم على أسوارها، فتعجّب ممّا رآه ، وأخذ يسأل الناس عن شأن القلعة،وكلما سأل أحدهم ظهر عليه الخوف وابتعد من قدامه ،أمضى ساعات وهو يدور، فما ظفر من أهل المدينة بجواب، فأدرك أن للقلعة سراً، وقرّر الإقامة في البلد، لمعرفة السرّ.‏ثم نزل في خان، وقرر أن يستعمل الحيلة مع القوم ،وفي الصّباح نهض باكرا، وأخذ يتجوّل في الطّرقات متفحّصا النّاس،فلاحظ أنّهم لا يتكلّمون كثيرا ،وكل واحد لا يهتم إلا بشأنه، فاستغرب لذلك فلما يتقابل هؤلاء يكتفون بإشارة من أيديهم ،أو بضعة كلمات ،ثمّ يواصلون طريهم في صفوف طويلة ،والنّاس تمشي ،وتتقاطع في الأزقّة كأفواج النّمل ،دون أن يتوقّفوا ،أو حتى يسألوا عن أحوال بعضهم .
أمّا في الأسواق فالبيع والشراء يقع بسرعة، والمشترون لا يساومون في البضاعة ،وتذكّر الجلبة في سوق حلب والتي لا تنقطع في ساعات الصباح،وواصل طريقه حتى رأى دكّان حلاق مزدحم بالزّبائن ،فدخل، وجلس ينتظر دوره، ويصغي إلى الأحاديث، فما سمع شيئا فكلّ كلامهم كان همسا،وكلّ واحد يحاذر أن يسمعه من بجواره ،فتساءل في نفسه ،مما يخاف كلّ هؤلاء ؟ ولم يكن من الصّعب أن يربط بين ذلك، وبين الجماجم التي رآها معلقة، ومن الماكّد أن من يحكم المملكة، لا يعرف الرّحمة، وهو يقتل لمجرد الظنّ ،فلما كان دوره، أخذ يحدّث الحلاق، ويسامره، والرّجل صامت لا يردّ عليه، ولما انتهى، أجزل له العطاء، ولما نظر الحلاّق إلى يده كان فيها خمسة قطع ذهبية، ففرح بكل ذلك المال ،فلقد فكانت أجرته درهمين، وإذا كان أحدهم كريما زاده درهما .
أحسّ غسّان إبن التاجر بفرحة ذلك الحلاق ،وأدرك بفراسته أنه رجل كثير العيال فلقد كانت في دكانه بضعة أحذية لصبيان ،أخذ الفتى يتردد على الحلاق وكل يوم يجد حجّة ليأتيه ،وأكثر له في العطاء، فأصبح يحادثه ،وعرف منه أنه غريب عن المدينة، ، ثم دعاه الرّجل إلى العشاء في داره وغسّان يكتم ما بنفسه حتى تعرف إليه، وقويت بينهما أسباب الصّداقة، فجعل الحلاّق واسمه مصطفى، يدعوه إليه، فيزوره في بيته، وحدثه إبن التاجر عن حلب، وما فيها من عجائب ،أمّا الحلاق فروى له همومه، حتى ،إطمئن كلّ منهما للآخر، وتوطدّت بينهما العلاقة

يتبع الحلقة 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق