مقالات

تدويرُ صواريخ المقاومة وإعادةُ تصنيعها واجبٌ وطنيٌ وتكليفٌ دينيٌ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

لم يعد خافياً على العدو والصديق، أن قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، باتت تمتلك أسلحة صاروخية مختلفة الدقة والمديات والقدرات التدميرية، وأنها تخزن فوق الأرض وتحتها آلاف الصواريخ المحلية الصنع وغيرها، وتخفي بعيداً عن الأضواء الكثير من الأسرار التي لا يعرفها العدو ويصدم بها، ويتفاجأ بها الشعب ويفرح لها، وهي تعدها وتجهزها لتستخدمها ضد العدو لتحرير أرضها وفي أي حربٍ يشنها عليهم.

وهي لا تتردد في إطلاقها على العمق الإسرائيلي في سبيل تحقيق أهدافها الوطنية المشروعة، ورغم أن جيش العدو وقادة أركانه، يعلنون في كل عدوانٍ على المقاومة، عزمهم على نزع أسلحتها، وتفكيك بنيتها، وتدمير منصاتها وصواريخها، إلا أنه لم ولا يحقق شيئاً من أهدافه، وفي كل مرةٍ ينهي عدوانه صاغراً، ويلتزم بوقف إطلاق النار مرغماً، بل ويخضع لشروط المقاومة ويلتزم بها، وإن كان يعود إلى خرقها والنكث بها.

من المعلوم أن الصواريخ التي تتسلح بها قوى المقاومة الفلسطينية، وتحمل أسماءً مختلفة، بعضها يخلد قادتها الشهداء، ويربط أسماءها بمصنعيها، وأخرى تحمل معاني خاصة ترتبط بموروث الأمة وتاريخها، قديمةٌ وجديدةٌ، وبدائية ومتطورة، وعشوائية ودقيقة، وقصيرة المدى وبعيدة المدى، وذات قدرات تدميرية محدودة،وأخرى ذات قدرات تدميرية عالية، وبعضها محلية الصنع محدودة القدرة، وغيرها إيرانية أو صينية وروسية بمواصفاتٍ أفضل ومميزاتٍ أخطر، وهي على أجيال مختلفة وأنواع متعددة.

وقد جربت المقاومة مختلف أنواع الصواريخ التي تملكها، وتمكنت من فرض معادلاتها الجديدة، وباتت ترساناتها الصاروخية تنذر العدو بأمطار صاروخية غزيرة، لا تقوى قبتهم الفولاذية، ولا منظوماتهم الصاروخية المضادة على اعتراضها وإسقاطها، خاصةً أن المقاومة تعتمد استراتيجية خاصة في إطلاق الصواريخ من أكثر من موقعٍ واتجاه، وبغزارةٍ صادمةٍ وبدفعاتٍ متزامنة، الأمر الذي يربك منظومات العدو المضادة، ويتسبب لها في فوضى دفاعية تعود بالضرر عليهم، لكثرة الصواريخ المضادة التي ينعكس أثرها السلبي على المستوطنين أنفسهم، وسكان المدن والبلدات الإسرائيلية.

لكننا نعترف أننا خلال مسيرتنا الوطنية في برنامج التسليح وبناء القدرات، قد واجهنا صعاباً كثيرة، وتحدياتٍ خطيرة، وانتصرنا على سياساتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ صعبة، وتجاوزنا عقباتٍ كبيرة، واستطعنا أن نصنع من العدم قوة، ومن الحصار تحدياً وإرادةً، وخلال ذلك نجحنا وفشلنا، وانطلقنا وتعثرنا، وكسبنا وخسرنا، وحققنا انجازاتٍ كبيرة، وتكبدنا خسائر كثيرة، وسقط منا شهداء خلال عمليات التصنيع وأثناء إجراء التجارب، وسقط ضحايا آخرون بسبب قصورٍ فيها وخللٍ في صناعتها جراء سقوطها في المناطق الفلسطينية، وعدم وصولها إلى أهدافها المرسومة لها داخل الكيان الصهيوني.

أما الآن وقد قطعت المقاومة شوطاً كبيراً في الخبرة والتجربة والنجاح والتميز، والتفوق النوعي “دون مبالغة أو تهويل” بالنسبة لها كقوى مقاومة، فقد بات لزاماً عليها أن تعيد النظر في ترسانتها الصاروخية، فتفكك القديم منها، وتتلف الضار منها، وتدورها كأي منتجٍ آخر، فتستفيد من حديدها، وتعيد استخدام حشواتها التفجيرية، وتعيد تصنيعها من جديد، بما تراكم لديها من خبرةٍ وتجربةٍ، وتدخل فيها التقنيات الحديثة التي توصلت إليها، وتلك التي تحقق جانباً كبيراً من الأمان، وتضيق هامش الخطورة إلى أقل قدرٍ ممكن.

لعل هذه المهمة مسؤولية وطنية وأمانة شعبية وتكليفٌ دينيٌ واجبٌ، تقع على عاتق جميع القوى الفلسطينية المقاومة، تلتزم بها جميعاً التزاماً حديدياً، وفرضاً وطنياً ودينياً، لا يجوز الإهمال فيه أو التقصير، ولا الإرجاء والتسويف، وينبغي على غرفة العمليات المشتركة لقوى المقاومة أن تشرف على هذه المهمة، وأن تشكل لجاناً خاصةً للمتابعة والتدقيق، والمسائلة والمحاسبة، ولن يكون هناك ثمة مبرر لأي خطأ أو تقصير، اللهم إلا في الحدود الدنيا المعمول بها والمعترف بها في مثل هذه الحالات.

هذه المهمة هي جزءٌ أصيلٌ من مهام المقاومة، وعملٌ لا ينفك عن دورها وواجبها، وبها نرضي شعبنا ونساعده في الصمود معنا والثبات قبلنا، فهو الذي يدفع أكثر من غيره ثمن هذه الأخطاء، التي أراها غير مقصودة سابقاً، وخارجة عن السيطرة قديماً، أما اليوم فأراها غير ذلك أبداً، إذ بات تجنبها ممكناً، وتصحيحها سهلاً، ولعل المقاومة في سبيل ذلك تستطيع تحديث ترسانتها، والتخلص من أعباء القديم الفاسد وعديم الجدوى منها، وهذا يحسن أداءها، ويضاعف أثرها، ويزيد في بأسها.

نعتز ونفخر بما حققته مقاومتنا الأبية، ونتطلع إلى امتلاك المزيد والجديد من الصواريخ الرادعة والموجعة للعدو، ونأمل أن تكون صواريخنا حديثة ومتطورة، وفعالة ومؤثرة، ونريد أن ننزع من عدونا السلاح الذي يشهره في وجوهنا، ويشهر به فينا أمام شعبناً وأمتنا والمجتمع الدولي، ويشوه به مقاومتنا، علماً أنه كاذبٌ ومدعي، وظالمٌ ومعتدي، فهو الذي يقتل ويبطش، ويعتدي ويدمر، وصواريخه هي التي تفتك بشعبنا وتقتل أطفالنا ونساءنا، وبإذن الله عز وجل نعدل مسارنا، ونحسن أداءنا، ونطور سلاحنا، ونُحَدِّثُ صواريخنا بما يوجع العدو ويؤلمه، ويسوء وجهه ويعمق جرحه، وبما يفرح شعبنا ويسره، ويثلج قلبه ويرضي نفسه ويسعده.

 بيروت في 30/8/2022

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق