مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية إبن التاجر والزوجات الثلاثة من الفولكلور السّوري وصية الشيخ (الحلقة 1
بقلم : طارق السامرائي
كان لأحد الأغنياء ولد وحيد إسمه عبد الله، رباه خير تربية، ولما شبّ، وحان أوان زواجه، نصح له أن يختار لنفسه زوجة وفيّة، وأوصاه أن يسألها ليلة الزفاف: لا أحد يضمن الدهر “فهل أنت معي إذا دار؟ أم أنت والدهر عليَّ ؟، فإذا أجابته: “أنا والدهر عليك” فما له سوى طلاقها، وخطب الفتى لنفسه فتاة جميلة، وفي ليلة الزفاف سألها ما أوصاه به أبوه، فأجابته: “أنا والدهر عليك”، فلما طلع وقد طلقها، ثم خطب لنفسه فتاة أخرى، وكان من أمره معها مثل الأولى، ثم خطب فتاة ثالثة، وقد عزم على العيش معها، ولو أجابته بمثل ما أجابته الأولى والثانية، ولم يستمع لوصية أبيه ،وقال في نفسه كل البنات مثل بعض يعشقن المال ،والهدايا ،فلماذا أتعب نفسي ،والله يقدر ما فيه الخير ،وتحقق ما توقعه الفتى، فقد أجابته زوجته: “أنا والدهر عليك”، فكتم ذلك، ولما سأله أبوه عن جوابها على السؤال الذي أوصاه به، أجاب أباه بما يرضيه، ففرح الأب بذلك، واطمأن.
وذات يوم نادى الأب زوجة ابنه، بعد خروج ولده، فأسرعت إليه تسأله ماذا يريد، فقادها إلى الدهليز، وأزاح حجرا فظهرت خلفه حفرة مليئة بالذهب والجواهر ، فالتفت إلى والد زوجها مدهوشة، فقال لها: “هذه الأموال كلّها لابني، وأنا أخشى ألاّ يحسن التصرف بها بعد موتي، ولذلك سأبقي أمرها سراً بيننا، لتعطيه منها ، حين يضيق به الحال “، ففرحت بذلك، ووعدته أن تكون وفيّة لوصيته، وتخلص لابنه،.ومرّت الأيام والزوجة تعنى بالشيخ، وتهتمّ به،لكي تخدعه ويثق فيها وكانت تتظاهر بطاعة زوجها ولا تأكل سوى ما حضر، وتلبس ما ستر ، إلى أن توفّي الشيخ، فأخذت تطلب من زوجها كل يوم هدية وبعد فترة تسأله شراء أثاث جديد للدار، ودام هذا الحال حتى نفد ما ورثه من أبيه من مال، ولم يكف ذلك فقد أصاب تجارته الكساد ولم يعد يربح مثل العادة ،وعوضا أن تقول له عن ما في الدهليز ليشتري بضاعة جديدة إحتفظت بالسّر لنفسها، ولم تعطه شيئاً من ذهب أبيه، حتى جاء يوم أصبح فيه غير قادر على تلبية حاجاتها، وهي ما تزال تلحّ عليه بالطلب، وتسأله شراء الحاجات، وبدأ يبيع ما عنده ليأكل، فبدأ بالبضاعة، ثم الدّكان ،ولما نفذ المال نزل إلى السّوق، ووقف مع جماعة من البنائين ينتظر،لعلّ أحداً يدعوه إلى العمل عنده ، وتحسر على نفسه كبف صارت حاله بعد عزه ،ودلاله .
حين رأت صفية عجز زوجها عن تحقيق طلباتها،لم تخجل من نفسها،و أقامت علاقة مع جزار الحارة الذى يعطيها ما تشتهيه من اللحم ،فتشويه، وتأكله في غياب زوجها ،أّما هو فتطبخ له ما تيسر من حساء أو فصولياء مع رغيف ،ونسيت كم دللها هو وأبوه ،والملابس والعطور التي اشتروها لها ،لكنها كانت أنانية ،لا تفكر إلا في ملذاتها ،ولما ضاقت به الدنيا بحثت عن غيره .وكان من حسن حظه أن قدم رجل ،دعا البنائين جميعاً للعمل، وكان هو في جملتهم، وبعد فراغهم من العمل، أعطى لكلّ واحد منهم أجرته ، ولمّا جاء دور الفتى، استبقاه الرّجل، إلى أن انصرف البناؤون جميعاً، فأعطاه أجرته مضاعفة، ثم دعاه إلى تناول طعام العشاء، وقال له : إني أعرف أباك الشيخ إبراهيم وأنكر عليه عمله في مهنة لا يتقنها، وأكد له أنّ أباه أ يخفي أموالا طائلة، في الدار وأنه لا يستبعد أن زوجته هي من يتستّر عل مكانها.
تعجّب عبد الله لذكاء الرّجل ،ونفاذ بصيرته، ثمّ تذّكر جواب صفيّه لما سألها عن الدّهر ،فاغتم لذلك كثيرا، ثمّ سأله النصيحة، فدلّه على حيلة، وطلب منه تنفيذها فور وصوله إلى البيت ،وأوصاه أن يتظاهر بأنه لا يعرف شيئا عن مال أبيه ،لكي لا تحذر منه إمرأته اللئيمة ،وكان الرجل يعلم علاقتها بالجزار لكنه لم يخبره بشيئ ،فالوقت لم يحن لذلك …
…
يتبع الحلقة 2