مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مفتاح الصندوق الخشبي من الفولكلور السّوري الرّسالة القديمة (حلقة 5 )
قال لها الرّجل: إسمي مصباح ،وأنا حارس الصندوق الموجود تحت هذه الدّار ،وهو مرصود لك أنت وصغارك ،وهذا مفتاح السّرداب، ثم مدّ لها مفتاحا صغيرا من الفضة ،وقال لها لقد أدّيت الأمانة والآن سأذهب ،وإذا إحتجت لي ناديني ،فسأكون عندك ، ثم دخل في الحائط واختفى عن الأنظار،بقيت المرأة مندهشة مما رأته ،وسمعته ،وماذا يوجد في الصّندوق ؟ ثمّ أحسّت بالخوف ،ونامت مع إبنتها ،وفي الصّباح ،نهضت مبكّرا كعادتها ورتبت الدار لكن ما حدث البارحة بقي يشغل بالها ،وماذا لو كان في الصّندوق كنز من الذهب والمجوهرات ؟ وفي النّهاية تغلبت على خوفها ،أوصت صغارها لو حدث لها شيئ يجروا إلى الجيران ،ثم تعوذت من الشيطان وأدخلت المفتاح في قفل السرداب ،وأدارته ثم رفعت الباب ،ورأت درجا ضيقا يغوص في الظلام ،فأشعلت شمعة ،ونزلت وهي تحاذر أين تضع قدميها ،وفي النّهاية ،وصلت إلى بهو،ولما أضاءته الشمعة ،صرخت المرأة من الدّهشة فقد كانت هناك سبعة توابيت منقوشة وحولها أكوام من الذهب والفضّة وسيوفا مرصّعة بالجواهر ،وفي أحد الأركان هناك صندوق من العاج .
فقالت في نفسها :لا بدّ أنّ هذا ما حدّثني عنه خادم الجنّ ،لكن ماذا يوجد فيه ؟ نفضت عنه الغبار ،ثمّ فتحته ،فإذا فيه رسالة ملفوفة قد إصفرّ لونها ،فأخرجتها ،ونظرت فيها فإذا هي مكتوبة بخط ّقديم ،وتعجّبت كثيرا لمّا قرأته دون صعوبة ،وكان يقول أنها من نسل عظام الملوك ،وهذا المكان كان قصرهم ،ولا أحد يسكنه غيرهم، وهم ينتظرون اليوم الذي ستجيئين فيه لشراء هذه الأرض ،وإعادة ترميم القصر المهدّم ،عندئذ يمكنهم الإستلقاء وهم مطمئنون في توابيتهم التي لا يأمنون أن ينبشها الباحثون عن الكنوز .لمّا أتمت فيروز قراءة الرّسالة حزن قلبها ،وقالت : آه ،أميرة مسكينة عاشت لا تشبع من الطعام ،وتسخر منها جاراتها ،ترى ماذا سيقلن إن علمن ذلك؟ من الأكين أنّهن لن يصدقّن ،لكن لماذا أفكّر دائما فيهنّ ؟ وحقّا الأمر غريب ،فلقد جعل الله تلك الجارة تتباهى علي بعقد الذهب ،ليقودني في النهاية إلى هذا المكان الذي كان قصر أجدادي من ملوك الشّام .
ثم ذهبت إلى كدس الذهب، فاختارت عقدا وضعته في رقبتها ،،وأساور زيّنت بهم معصميها ،وأخيرا خلاخل في قدميها، ثم إبتسمت في سعادة ،ونظرت لنفسه في مرآة فضيّة ،وقالت: سبحان الله الثلاثة أشياء التي إشتهيتها جاءت مجتمعة ،ثمّ ملأت صرّة بالمال ،وصعدت إلى غرفتها بعد أن أقفلت باب السّرداب ،كانت مستغربة ،فلا أحد يصدّق هذه الحكاية ،وفي بعض الأحيان تتساءل إن كانت نائمة ،وكلّ هذا أضغاط أحلام ؟لكن الذّهب أمام عينيها ،و لا يترك مجالا للشّك ،فاشتدّ فرحها، وطبخت طعامها، بعد ان أكل الصّبيان وشبعوا ،قالت سأحكي لكم حكاية السّبعة ملوك والأميرة الفقيرة ،بقي أبناءها يصغون إليها بانتباه كبير ،وقد أعجبتهم الحكاية ،ثم ّقالت :الفقر ليس عيبا ،لكن العيب هو أن لا نحمد الله على القليل ،ولمّا نحمد الله ،ما يحصل يا صبيان ؟ تصايحوا :إنه يرزقنا يا أمي ،فالله هو الفتّاح الرّزاق!!! أجابت: أحسنتم ،ولهذا سآخذكم غدا إلى المدينة ،لنتفرّج عليها ،وأشترى لكم كلّ ما تشتهونه من حلوى ،ولعب ،والآن إلزموا الهدوء ،وفي المساء ،تجمّلت فيروز ،ثم خرجت للحديقة الواسعة تتجوّل فيها ،وكان هناك كثيرا من الحجارة المنقوشة مبعثرة هنا وهناك ،،وتأكّدت أنّ قصرا كبيرا كان قائما هناك في الأيّام الخوالي ،واستعملت تلك الخرائب لبناء هذه الدار.
بينما كانت غارقة في أفكارها، رأت زوجها داخلا عليها ،وفي يده قفّة ،ولمّا رآها قال لها بخجل: إجمعي أطفالك، فسنعود الليلة إلى دارنا ،سامحيني فلقد كذبت عليك، فأنا لم أشتر هذه الدّار ،كلّ ما في الأمر أنّني أردت أن تنسين الفقر بضعة أيّام أنت وأبناءك، ولقد أحضرت طعاما لكم :آنية عدس دون لحم وخبز شعير ،وزيتون، وخسّ، هيا بنا لنأكل ،ثم ننصرف قبل أن يحلّ الظلام !!! أدخلته المرأة لقاعة الأكل، فرأى طاولة كبيرة عليها أصناف الأطعمة والأشربة ،ففتح فمه من الدهشة ،وقال لها :من أين أتيت بكلّ هذا الخير يا فيروز ؟ إنّه يليق بالأمراء …
…
يتبع الحلقة 6 والأخيرة
احمد حمدي / حكايات ايام زمان