مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية فاتو والبقرة الصفراء من الفولكلور الكردي سرّ العجوز نورشان (حلقة 4 )
كان داخل الكيس أقمشة وإبر وكل لوازم الخياطة، والتطريز، أمّا أسنان البقرة فتحوّلت إلى لآلئ ثمينة، وكانت (فاتو ) تعشق الثّياب المطرزة ، والزينة ،لكن امرأة أبيها لا تعطيها سوى فضلات ملابس أختها (عيشو ) ،وصارت البنت تجلس كل يوم تحت الشجرة تصنع ثوبا من الحرير الأبيض وتطرزه بالعدس وخيوط الذّهب والفضّة ،ولما تتم عملها تخفي كيسها في الحفرة وتعود للبيت ،أما العجوز فقد جاءتها بحذاء جديد وعطور ومواد تجميل ،ولّما سألتها (فاتو ) من أين أتتها بتلك الأشياء الغالية ،وهي امرأة فقيرة أخبرتها أن ذلك ليس من شأنها وصارت تجلس معها تثقب حبات اللؤلؤ ثم جمعتها في خيط من الفضة وكانت (فاتو ) تتعجب من مهارة تلك العجوز ،وألحّت عليها لتعرف قصتها ،لكنها تصمت وفي أحد الأيام ،قالت لها بأنّها من ساحرات الجان ،وذات ليلة تحوّلت لأرنب ،فرماها أحد الصّيادين بسهم، وكادت تموت لولا أنّ أمك حملتني عندها وعالجتني حتى شفيت ،ورجعت للغابة .
وحين علمت بمرض أمّك ، أتيت اليها ،واكتشفت أنّها مسمومة ،وذلك السم لا علاج له .وهي من أرسل لها البقرة الصفراء ،لترافقها وتصير صديقتها ،كانت (فاتو ) تسمع باستغراب ،ثم وقفت فجأة ،وصاحت : لا يوجد سوى شخص واحد يكره أمّي، ويكرهني ،ومن غير امرأة أبي عملت فينا الشّر ، لقد جرت علينا الوبال ،ولا بد من عقابها على ما فعلته بنا !!! ردّت العجوز ،وإسمها نورشان ،إن فعلت ذلك فستلحقين الضّرر بأختك (عيشو ) وهي ليست سيئة ،لكن أفسدتها أمّها ،ولا تقلقي فسنجد طريقة لعقابها ،والآن إلبسي ثوبك ،وضعي العقد في رقبتك والحذاء في قدميك إختفت (فاتو ) وراء الشجرة وغيرت ثيابها وتجملت ثم أطلت على نورشان وسألتها ما رأيك ؟ بقيت العجوز تنظر دون أن تتكلم ،ثم قالت لها :من الأفضل أن لا يراك الرّجال والفتيان وإلا فإنهم سيتخاصمون من أجلك !!! ضحكت (فاتو ) بدلا وأجابتها لكن في النهاية أنا من سأختار حبيبي .
لكن (فاتو ) لم تسمع كلام العجوز ،فلقد أعجبتها الزّينة ،وفي الغد لمّا جاءت في الصباح الباكر فعلت مثل ما فعلت بالأمس ثم مشت بين المروج اليانعة وهي تقطف الزهور ،وتمرح مع الفراشات ،وكان في ذلك الوقت الأمير أسلان ابن سلطان الكرد يصيد الظباء غير بعيد عن خيام أبيه ،ومن معه من الأشراف ،إبتعد الأمير كثيرا فلم ير حوله حتى ثعلبا صغيرا ،وفجأة شاهد من بعيد (فاتو ) فأغمض عينيه ليتأكد أنّ ما يشاهده هو الحقيقة ،ظل ينظر إليها بانبهار فلم ير في حياته بنتا بمثل هذا الجمال ،فتردّد قليلا ثم ذهب إليها ،وحين لمحته (فاتو ) هربت بسرعة ،واختبأت بين الأشجار ،والنباتات الكثيفة ،دار الأمير في كل مكان،وناداها ،لكنها لم تجبه ،وفي الأخير نزع قلادة ذهبية من عنقه وعلقها على شجرة ،وراح في سبيله ،وكانت الفتاة تطل عليه ،ورأت أنه طويل القامة ووسيم ،ولمّا ذهب ،أخذت القلادة ،ورجعت تجري للمرعى، ثمّ خلعت ملابسها وجلست ، بعد ساعة أتت العجوز ،ورأتها شاردة ،فسألتها عمّا حصل ،فأخبرتها عن الفارس الوسيم ،ومدّت لها القلادة ،
لما قرأت نورشان النقوش التي عليها ،قالت لها :لقد إصطدت الأمير أسلان ،والآن سيبحث عليك في كلّ مكان حتى يجدك !!! ردّت البنت : لا أريد أن أحلم، فلو عرف أنّي مجرّد راعية ،فسيغيّر رأيه، قالت : العجوز ،ضعي له إناء لبن مع قلادته ،فإن شربه فهو يحبّك، ولا يهمّه من تكونين ،أمّا إن تركه فالأفضل أن لا تشغلي بالك به ،حلبت (فاتو ) شاة ووضعت الإناء تحت الشجرة التي علّق فيها القلادة ثم إختبأت ،وبقيت تنتظر ،وقلبها يدقّ بقوّة ،فهل سيشرب اللبن أم لا ؟
…
يتبع الحلقة 5 والأخيرة
طارق السامرائي