مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية فاتو والبقرة الصّفراء من الفولكلور الكردي الحلم الحزين (حلقة 2 )

بعدما اقترب وقت الغروب ، مشت (فاتو) في طريق العودة،وبدأت تحس بالجوع ،فقد إقتسمت طعامها القليل مع العجوز والطيور، وفجأة ظهر أمامها نبعان يتقاطعان أحدهما أسود و الثاني أبيض في حفرة كبيرة .فتعجبت وقالت في نفسها لما مررت في الصباح بهذا المكان لم يكن هناك شيئ. ،فاقتربت من الماء  الأبيض ،وقد أعجبها صفاءه ،لكنها تذكرت نصيحة العجوز،فترددت قليلا ثم مدت يديها للماء الأسود وما كادت تضعه على وجهها حتى فاحت منها رائحة عطرة كالمسك ،ثم شربت ،فلاح عليها الشبع،ثم ملأت قّلتها ، و أكملت طريقها للبيت ، بعد قليل جاءت (عيشو) ورأت نفس المنظر .. و وقالت لقد صدقت تلك العجوز،وكنت أحسبها خرفة ،ثم رأت الماء الأبيض الصّافي الذي يتلألأ كالفضّة فقالت في نفسها دون شك فإن العجوز أرادت خداعي لأشرب من الماء الأسود وبالتالي تنتقم مني ،ولعلّه قذر، أو رديئ الطّعم .
مدّت الفتاة يدها للماء الأبيض، وغسلت وجهها ،ثمّ شربت منه،و قالت :إنه ماء عذب !!! ويح تلك العجوز الكذّابة، حين أراها سيكون حسابي معها عسيرا !!!لكن بمجرّد أن وصلت إلى الدّار حتى فاحت منها رائحة عفنة تشبه التي عند الحمير،فأدخلتها أمّها للحمّام ،وغسلتها ،لكن سرعان ما ترجع تلك الرائحة فاضطرّت الأمّ إلى دهنها بزيت اللوز ،وصارت البنت لا تشبع من الطعام مهما أكلت، فزاد وزنها ،وقبح منظرها ،أما (فاتو) ،فزاد جمالها يوما بعد يوم ،وامتلأ جسمها ،ورغم أنّ زوجة أبيها تحرمها من الطّعام الجيّد ،إلا أنّها كانت تشرب من قلتها التي ملأتها من النّبع ،وكان ماءها أحلى من الشّهد ،وأصفى من اللبن وسبحان الله فإنّ خير القلّة لا ينفذ ، وصارت (فاتو) تفيض حسنا و أنوثة،كنجمة الصّبح لدرجة أن كلّ شباب القرية ورجالها قد أغرموا بها ،أمّا (عيشو) فكانت تزداد قبحا و ذبل جمالها يوماً بعد يوم .
ذات صباح قالت زوجة الأب لـإبنتها (عيشو) : ما لك يا ابنتي تذبلين يوماً بعد يوم؟ و صرت قذرة ،و رائحتك نتنة !!! ،فأجابتها : إنه بسبب الماء الأبيض، ثم قصّت عليها حكاية العجوز .فقالت والدتها لقد فهمت الآن ،فما حصل لك هذا إلا بسبب غبائك ،ولأنّك لا تسمعين النّصيحة ،ولقد كانت فاتو أذكى منك ،والآن أرني مكان النّبعين ،وافعلي مثلها !!! لكن لمّا وصلا ،لم يجدا هناك شيئا باستثناء التراب والأحجار،ولم تعلم أي منهما بسرّ القلّة ،وبقيت الأم تفكر في حلّ ،وذهبت للسحرة والمشعوذين ،وكل واحد يقول لها شيئا حتى وجدت ساحرة شمطاء قالت لها (فاتو) كالوردة الرقيقة فلو جرحت قلبها ستذبل ،إذبحي بقرتها الصفراء ،وأطعمي لحمها لــ (عيشو) ،فستشفى من اللعنة التي أصابتها ، وجدت الفتاة الفرصة مناسبة لتنتقم من بقرة (فاتو) : فقالت :يا أمي إنها تحرّض الحيوانات و تفرّقهم، و لذلك أنا لا أرتاح ولو لثانية في المرعى.فصمتت الأم برهة ثم ردّت : إذا كان الأمر كذلك ، سنذبح تلك البقرة ،أمّا زوجي فسأعرف كيف أقنعه ،وويحه إن مانع في ذلك ،سأدس له السحر حتى لا يعود قادرا عن فتح عينيه .
في تلك الليلة حلمت (فاتو) حلما مزعجا ،ورأت أن أباها يجرّ بقرتها لذبحها، فإستيقظت ، وهي تحسّ بحزن شديد ،و فارقتها الرّغبة في النّوم عينيها ، بقيت البنت سهرانة طوال الليل وهي قلقة و خائفة على بقرتها .و مع صياح الديكة جرت إلى الزّريبة ،فوجدت البقرة صاحية ،كأنّها تنتظر قدومها وقالت لها لقد رأينا نفس الحلم ،اليوم سيذبحني أبوك ،وهذا ما قدّره الله لي ،قات البنت سأفتح لك الباب ،وتهربين ،لكن البقرة ردت :إعلمي أني سأموت لتحيين أنت ،وهذا أمر جيّد لك ،موتي ليس سيئا كما تعتقدين ،وأوصيك بعدم الحزن ،عليك بالصبر ،وكل شيئ سيكون على ما يرام ،هيا كفكفي دموعك واستعدي للخروج إلى المرعى ،فكل القطيع سيجتمع حولك اليوم لكي لا تحسين بفقداني ،بقيت البنت مع بقرتها ،وهي تمسح على رأسها ،وتبكي وتقول لها بحسرة :

من لي بعدك
فلقد رحلت أمّي
ولم تجفّ بعد دموعي
زادي كسرة خبز
وطلّ الزّهور شرابي
كفاني ما جرى
فالحال قد استوى
فهل ينتهي يوما عذابي

ولمّا أكملت مناجاتها ،سمعت امرأة أبيها تناديها ،فشجّعتها البقرة بالانصراف بنظرة من عينها ،ثمّ خرجت البنت من الزّريبة ،وفي الباب إلتفتت إليها مرّة أخيرة ثم مشت إلى الدار مكسورة الخاطر، وهي تمسح دمعة كبيرة نزلت على خدها …

يتبع الحلقة 3

طارق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق