مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مفتاح الصندوق الخشبي من الفولكلور السّوري وعود زائفة للمرأة الفقيرة (حلقة 1 )
يحكى في قديم الزّمان عن أسرة بائسة قست عليها الدّنيا، وما يصطاده الأب من السّمك لا يكاد يكفي لإطعام الأفواه الجائعة، وهو يخرج كلّ يوم قبل شروق الشمس للبحر، ويعود عند منتصف النّهار، منهكا مكدوداً، ومعه كيلة من الدّقيق وخضرا وزيتا أو سمنا، فتعجن المرأة أقراص الشّعير ،وتأخذ الأسماك الصّغيرة التي لا تصلح للبيع، وتطبخها مرقا ،ثم تجتمع العائلة حول المائدة فتأكل حتى تشبع، ثم يرجع الصّبيان إلى الكتّاب،و الأصغر سنّا يخرجون للعب في الحارة ، أمّا الصّياد فينهمك في خياطة شباكه ،أو تصليح قاربه الذي أكل عليه الدّهر وشرب ،وامتلأ بالشقوق ،وبعد أن تنظّف المرأة دارها تذهب لجاراتها، تشرب الشّاي، و تسمع قصّة من هنا، وحديثاً من هناك، وكانت تخفي ما تقدّمه لها جاراتها من طعام أو غلال ، وحين تعود إلى البيت، تفرّقه على أطفالها، ولمّا يكون الصّيد جيّدا فإنّها تستبدل فائض السّمك بطبق من فول أو عدس، وتطبخه عشائها ،وبتحاول دائما أن تدّخر شيئا للوقت الذي يشحّ فيه الرّزق .
وكانت الأيام تمر رتيبة مملّة، لا خلاص فيها من الفقر، ولا حيلة أمام الصياد، ورغم ذلك كانت العائلة سعيدة ولم تتذمر المرأة أبدا من زوجها ولا من فقره ،وكانت تحمد الله لما ترى وتسمعه من مشاكل جاراتها مع أزواجهن، رغم أن حالتهم المادّية أحسن منها وذات ليلة رأت المرأة إحدى جاراتها تحمل عقدا من الذهب يحلّي رقبتها ، تفاخرت عليها باهتمام زوجها بها ، وما كان يحزّ في قلب زوجة الصّياد أن جارتها أقلّ منها جمالا، فكانت تتألم في صمت ،ولامت أبويها لتزويجها لرجل فقير بحجة أنه من أقاربهم ،لكنها تعود وتستغفر الله فكل شيئ قسمة ،ونصيب ،والرزق على الله ،وفي أحد الأيام لم تطق صبرا ،واشتهت أن يدلّلها زوجها كبقيّة النساء .
ولما رجع الصياد من عمله في منتصف النهار، تلقته باللوم والعتاب، وأثقلت عليه، وهي تندب حظها، وتبكي جمالها الضائع، وجسدها الأبيض الذي لا يزينه عقد، ولا خواتم أوخلخال، كان الزّوج يعلم أنه قصّر في حقّها ،لكن ما باليد حيلة، فقال لها: غداً آتيك بعقد ذهبي، فجنّ جنونها، ونسيت أن زوجها فقير ،وما يهمّها كان العقد ولو أتى به من كنز قارون. راحت المرأة في فجر اليوم التالي إلى جارتها تزف لها وعد زوجها، ، وتباهي أمامها بأنه سيكون لها عقد يزيّن رقبتها مثلها، ثم رجعت إلى الدار،و وسعت أعلى ثوبها، ليكشف عن صدرها، ويغدو العقد فيه أكثر ظهوراً، وهي بيضاء وستزيدها الزينة فتنة وجمالا
ورجعت إلى البيت تنتظر رجوع زوجها ولما سمعت صوته في الباب، أسرعت إليه بالتهليل والترحيب، وهي تتوقع أن يضع العقد في عنقهاقبل أن يخطو داخل الدار، ولكنها فوجئت به لا يحمل شيئاً، فوجمت، وأطرقت، في خيبة كبيرة، فلم يجد الزوج بدّاً من مداراتها. فأخبرها أنه رأى أن يشتري لها زوجين من الأساور، تحلّي بهما معصمها، فالأساور في يدها أحلى وأجمل، ففرحت بوعده، ونامت هانئة، وهي تحلم بالأساور.وأسرعت في اليوم التالي إلى جارتها، لتخبرها بالأساور التي سيشتريها لها زوجها، وتباهى بها أمامها، ثم قصت أكمام ثوبها، كي تكشف عن معصميها، فتظهر أساورها، وكانت جارتها تضحك منها. ،وفي منتصف النهار كانت تنتظر زوجها، واستقبلته في الباب بفرح كبير، وهي تتوقع أن يقدم لها الأساور، ولكنها فوجئت به لا يحمل شيئاً، ولكي يتخلص الزوج من غضبها ونكدها، أقنعها بأنه سيشتري لها بدلاً من الأساور خلخالين، تزين بهما قدميها، فإذا مشت سمع الجيران لها رنيناً، فصدّقت وعده، ورأت أن الخلخالين في قدميها أحلى، وأجمل، وأكثر إغاظة لجارتها.
ومنذ الفجر، أسرعت إلى جارتها تخبرها بوعد زوجها، وتؤكد لها أن الخلخالين في قدميها، أجمل من العقد في عنقها، أو الأساور في معصمها، ثم قصّت طرف ثوبها، كي يكشف عن قدميها، فيظهر الخلخالان، .وذلك اليوم تأخر زوجها، وانتظرت رجوعه، بلهفة كبيرة، ولمّا دخل عليها لا يحمل شيئاً، خاب أملها، وبقيت حزينة، ولم يجد الزوج بداً من وعد آخر، ينسيها ماهي فيه، اً، دون أن يذكّرها بفقره، فقال لها: لقد رأيت أن أشتري داراً كبيرة نرتاح فيها، وهي أفضل من الأساور والخلاخيل والعقود”، فصدّقت وعده، وفرحت لذلك ،فلقد ملّت من الدّار الخربة التي تسكنها …
…
يتبع الحلقة 2