مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الفتاة_المخطوفة الجزء ١١ إنتصار على محلّة الباي (حلقة 11) في الطريق إلى ثريا (حلقة 12 )
ذهبت ثريا للصّيادين المختبئين في الجبل ،وقصّت عليهم حكايتها ،فتعجّبوا منها وقبلوا أن يقيم جيوفاني بينهم ،ثم بدأوا بالرّجوع إلى قريتهم عند الشاطئ ،وقاموا بترميمها ،وعادت الزوارق للظهور في البحر كامل اليوم دون خوف ،فلقد كانت السّفينة الإيطالية تحميها بمدافعها ،وقام البحّارة بتعليم القرويّين الرّماية بالبنادق ،وواصلت ثريا ببيع السّلاح إلى القبائل، وامتدّت تجارتها حتى وسط البلاد ،ولمّا رأت بقية القرى على الشاطئ قوّتها إنضمّت إليها ،ولم يعد القراصنة يجرأون على مهاجمة السّواحل التي حصّنها الأهالي بمساعدة جيوفاني، وصار ذلك الرّجل محبوبا لحرصه على سلامتهم ،وفي أحد الأيّام أتت محلة الباي لجمع الضرائب ولمّا رأو الخير الذي أصبح عليه السّكان وأسواق السّمك العامرة التي يأتيها التجار من كلّ مكان ،إستغربوا كثيرا ،فآخر مرّة أتوا لغار الملح كانت القرية مهجورة ،والناس في الجبال لا يجدون ما يأكلونه ،فقال قائد المحلّة :يجب أن يدفعوا عن هذه السّنة وأيضا السنة الماضية ،هذا هو العدل !!! وبعد أن دار الكتاب وسجّلوا كل شيئ ،أرسل لشيخ القرية ،وطالبه بمائة ألف ريال ،ولما سمع الشيخ ذلك صعق ،وقال لقائد المحلة عليّ آغا : أين الباي لمّا كنّا نتعرض لغارات القراصة ،ولما كنا نموت جوعا ،لقد كنتم تعلمون كل شيئ لكن لم يتدخل أحد لمساعدتنا ،سندفع عشر هذا المبلغ هذا كل ما نقدر عليه ،ويجب أن تكون مسرورا فأنتم لا تستحقون ريالا واحدا !!!
قال على آغا :لا تثر غضبي يا رجل، وإلا أمرت بنهب القرية، وأخذت حقّ الباي بالقوّة ،هل فهمت ؟ كانت ثريا مارّة بجوارهما ،وسمعت النّقاش الحادّ فذهبت إلى قائد المحلّة ،وقالت له :خذ جماعتك ،وارحل، ولا تطل لسانك ،وإلا قطعته !!! لم يصدّق القائد ما سمعه،فكيف تجرأ فتاة صغيرة على مخاطبته بهذه اللهجة !!! وقبل أن يتكلم ،هدّدته بإبلاغ أمره لجدّها الباي ،وبأنّه أساء الأدب في حضرتها ،حاول عليّ آغا تذكّر إن كانت للباي حفيدة أخرى غير الثلّاثة اللواتي يعرفهنّ ،ثم قال في نفسه : كلّ شيئ وارد ،فدائما للقصور أسرارها،ثم تلك الفتاة تشبه حورية إبنة الباي في ملامحها ،وفي الأخير قبل بالشّرط الذي وضعه شيخ القبيلة ،وسمعت كلّ القرى ،ولم تدفع إلاّ العشر، وأدرك عليّ آغا أنّ القرى والقبائل المجاورة تطيع ثريا ،وتستخفّ بالباي ،ورأى السّلاح في أيديهم ،وأنّ تجارته صارت نشطة بينهم ،ولمّا وصل القصر ،حدّث الباي عن حكاية ثريا، وعن السّاحل الشّمالي الذي بدأت تفوح منه رائحة التمرّد ،لكن الباي لم يكن ذلك يعنيه ،فالجباية تبقى جيّدة، وهو يعلم أنه لم يرسل جنديا واحدا لحماية تلك المناطق من غارات القراصنة ،لكنه بقي مهتمّا جدا بموضوع ثريا ،ولمّا سأله قائد المحلةّ عنها، وإن كانت حقّا حفيدته ،لم يجبه، وأشار إليه بالانصراف .
أحد الليالي جاء للقصر رجل من صقلية ،وادّعى أنّه صائغ إيطالي، وطلب مقابلة الباي ،ولمّا رآه ،قال له : كارلو، ما الذي أتى بك؟ ألم نتّفق أن لا نتقابل ؟أجابه الرّجل: لقد حدثت أشياء كثيرة ،والأمر لا يمكن السّكوت عنه !!! قطّب الباي حاجبيه في دهشة ،وأجابه: لقد أثرت حيرتي، هيا قل ما عندك، ولا تخف عني شيئا !!! إلتفت كارلو حواليه بحذر ،وقال: يبدو أنّك تراجعت عن إتفاقك معنا رغم أنّ حصّتك من المال تأتيك كل شهر لا تنقص ريالا ،رد الباي بعصبيّة :أخفض صوتك ،عن ماذا تتحدّث؟ فأنا لا أفهم شيئا ؟ قال له كارلو : لقد تصدّى لنا القرويّون في أحد غاراتنا ،وقتلوا كثيرا منّا ،واستولوا على سفينة ،وأغرقوا أخرى هل لديك تفسير ؟ وقبل ذلك خسرنا أربعة سفن، إحترقت كلّها في مينائها بصقلية ،ووهناك خامسة لا نعلم عنها شيئا،القرويون لا يقدرون على فعل ذلك دون مساعدة منك يا مولاي …
في الطريق إلى ثريا (حلقة 12 )
إستغرب الباي، وقال في نفسه :هل تكون تلك البنت هي من فعل ذلك ؟ ،فجواسيسه أخبروه بشدّة مراسها ،ثم رمق الرّجل،وقال له :أعتقد أنّكم فقدتم بأسكم ،فلم يعد أحد يخاف منكم في البحر !!! ربما حان الوقت أن تغيرّوا مهنتكم !!! لكن الرّجل لم يضحك وقال: أنصح مولاي أن يعالج الأمر ،وإلا فاتفاقنا باطل فنحن لم نعد نربح شيئا ،ثم إنه ليس من الجيّد لسمعتك علم رعيتك أنك تتآمر عليها لتعيش في البذخ!!! ،صاح الباي :هل تهددني يا كارلو ؟ أجاب الرجل : لا، فمصلحتنا واحدة، لكنّه من الأفضل أن تتحرّك فالرّزق يلزمه الحرص ،هل أنا مخطئ ؟ أجاب الباي: سأرى ما يمكن عمله، فالحملة ستكلّف كثيرا ،والخزائن فارغة!!! قال كارلو : ويحك، ماذا فعلت بكل الأموال التي تجمعها؟ قال الباي: كلّ أكابر الدّولة والأعيان وحتى القضاة يأخذون نصيبهم ليتركوني وشأني ،حسب رأيك كيف حافظت على ملكي كل هذه السنوات ؟ خرج الرّجل ،وهو يتساءل كيف إنتصر القرويون فالباي نفسه عاجز أن يحمي ملكه إلا بالمال والعطايا .
كن الباي مترردّا ،فإحساسه يقول أن ثريا هي حفيدته التي أضطرّ للتخلص منها لما كانت صغيرة ،لم يكن له أي خيار لتجنب الفضيحة وحين صارح حورية بوساوسه ،قالت له :لقد جاءتني، ورأيتها لكني أخفيت حكايتها عنك ، أما الآن فبعد أن عرف أنها على قيد الحياة ،فهو يحسّ بالشّوق إيلها فهي بمثابة الولد التي حلم به ولها كل الخصال التي يحبها لذلك لم يكن مستعدا للتفريط فيها رغم كل ما فعلته ،لكن المشكلة أن أمرها قد عظم ،ربما تفكر في الإنتقالم لما جرى لها وهي صغيرة ،وكبار القاد نصحوه بالتخلص منها فخبرها سيري كالنار في المملكة وسمع بها سكان المدن ولها تجارة مع قبائل البادية وهم يحبونها وفي الأخير أعد الباي حملة واتجهت سفنه إلى الشواطئ الشمالية في حين زحف الجيش في آلاف الفرسان وعشرات المدافع لما إقترب من غرب الملح وجد أن جميه المنفذ قد تم سدها بالأشجار والحجارة وأن البدو قل تمركزوا في القمم والمرتفعات وحملوا السلاح ،ولم ير ذلك من قبل ولم يفهم كيف تعلموا ذلكوهم الذين تعودوا على قتال الكر والفرّ، فزادت خشيته من ثريا خصوصا بعدما نقل له الجواسيس أن أربعين من قدامى القراصنة قد إنضموا إليها وهم بارعون في الحرب ،وعوضا أن يفكر بعقله ويتقرب من ثريا ،ويجعل من الشّمال وما فيه من سكان حلفاءه ، قال في نفسه :سأكسر شوكتها ،ليعلم كل الناس قوّتي ،وبعد ذلك أحملها للقصر لتعيش كبقية البنات، وأزوّجها كما فعلت مع أمها ،وينتهي الموضوع . ثم أمر بنصب المدافع ،ورمي المرتفعات، ولم يمض وقت طويل حتى فتح الجنود الممرّ المأدّي للسّاحل ، وتدفّقوا في صفوف طويلة لتدمير قرية غار الملح ،وما حولها من قرى للصيادين ،وقبائل ،لكن الباي أوصى بأن يأتونه بثريا سليمة دون خدش واحد .
في تلك الأثناء جاء جيوفاني لثريا، وقال أعرف أباك فهو عديم العقل ولا يفكّر إلا في مصلحته ،ولا أستغرب إن قرّر التضحية برعيته من أجل القبض عليك ،إسمعي لقد بدأت المعركة ،والآن سأبحر مع السفينتين التي عندنا، وسننصب كمينا لأسطول الباي ،فهو لا يتوقع وجودنا ، أما أنت فكما إتّفقنا تنسحبين إلى الجبل، وتتركين القرية وغسيلها على الحبال والقدور تغلى ،ولما يدخل الجيش للبحث عنكم تطبقون عليه من كلّ مكان ،ثمّ يجرج البدو ورائهم في خيلهم وجمالهم،، والباي أحمق، وسيندفع بكلّ قوته ،ولن يأمّن مأخرة جيشه ،وإذا سار كل شيئ على ما يرام ،فييقعون كالفئران في المصيدة ،أمّا أنت فحافظي على نفسك …
…
يتبع الحلقة 13
حكايا العالم الاخر