مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الرجولة_في_الصّبر الجزء الثاني والاخير
بعد أن أكل عبد الرّحمان، وحمد الله ، جاءته الفتاة بقربة الماء، وطلبت منه أن يشرب الآن كما يريد، لكنّه.سألها: بالله عليك، لماذا رفعت القربة عن فمي، وأنا أكاد أموت من العطش ؟ أجابت الفتاة : الرّجولة في الصّبر !!!.قال عبد الرحمان بدهشة : منذ عشر سنين وأنا أبحث عن معنى هذه الجملة ، ولم أنجح في ذلك، لقد شاء الله أن أضيع في الصّحراء ،وأجدك ليزيلين ما بي حيرة وغمّ ، فما تفسير هذه الكلمات أيتها البنيّة ؟ قالت له :إسمع ، لو شربت من ماء القربة كفايتك لما أكلت من الطعام الذي أعددته لك حتى شبعت، فالحكمة من الصّبر، هي ترويض النفس .قال لها الآن فهمت ،لكن لماذا إشترط الشيخ ذلك؟ ثم نظر حوله، وتساءل إني لا أرى أباك فأين هو ؟: ردت عليه : إنّ أبي يسقي الماء بالماء !ثم سألها : أين أمّك ؟قالت : أمي تخرج كل يوم لتغضب الله !ثم سألها : أين أخوك ؟ قالت أخي يطارد الهواء .
قال لها : إنني أسمع منك كلاماً عجباً، فهل من تفسير لما تقولين ؟قأجابت :لا يغرّنك ما تسمع ، أمّا أبي الذي يسقي الماء بالماء، فهو يمتلك ضيعة فيها البطيخ، وهذه الثمار ماء يرويه أبي بالماء. وأمّا أمّي التي تغضب ربها، فتذهب كل يوم إلى المقبرة، تبكي على ولد لها، أخذه الله إلى رحمته، ثم تعود لاطمة خديها، ناشرة شعرها، ممزقّة ثيابها .وأمّا أخي الذي يطارد الهواء، فهو يخرج إلى الغابات كل يوم يصيد الغزلان والأرانب وما شاء الله له من الطيور، وإنا هنا كما تراني وحيدة، صابرة في البيت، وعلى الرغم من أني أنثى، فإنني أصبر صبر الرجال، فالرجولة في الصبر . ولمّا أنهت كلامها ،قال لها :بارك الله فيك فقد أحسن أبوك تأديبك،ثم استأذنها بالانصراف، وعاد إلى عمه يطلب ابنته من جديد .
وعندما رأى الشّيخ ابن أخته يدخل عليه خالي الوفاض رثّ الثياب سأله : أين المال والجاه ؟ أجاب عبد الرحمان : يوجد معي شيئ أهمّ !!!.قال العمّ: وما هو ؟ فإني لا أرى معك شيئا !!! إبتسم الفتى ،وقال باعتزاز: لقد صرت رجلا عاقلا ،سأله الشيخ : حسنا، وبم الرّجولة إذن ؟ ردّ عبد الرّحمان : في الصّبر !!! إبتهج العم ،ثم قال : الآن أزوّجك ابنتي ،فالمال يذهب ويأتي ،والجاه لا يدوم وكلاهما لا يخلق رجالاً، بل إن معادن الرجال في الصّبر ، والدّنيا دوّارة تعطى وتأخذ منك ،وترى منها ما تحبّ ،وأحيانا ما تكره ،وأنا لا أزوّج إبنتي إلا لمن له رحابة الصّدر ،فيلاطفها إن أغلظت له القول ،ويحبّها رغم سيئاتها ،والآن إذهب ،وافتح الدهليز وانظر ما فيه ،وهو حلال عليك .
تعجّب الفتى من كلام الشيخ ،فهو لا يعلم أنّ بالدّار دهليزا رغم أنّه عاش هناك ،ثمّ أشعل شمعة ،ونزل الدّرج ،وبعد أن مشى قليلا، توقف، ثمّ نظر حوله ،فرأى حائطا وقربه حجر كبير،فقال في نفسه :هل يسخر منّي عمي ؟فلا يوجد شيئ هنا !!! وهمّ بالرّجوع ،لكنه تذكّر تلك الفتاة ، وحديثها عن الذي يسقي الماء بالماء ،والذي يطارد الهواء ،وكيف بدا ذلك الكلام معقولا لمّا فهمه ،فقال : الصّبر هو ما سيعطيني الحلّ، ثم جلس على الحجر ،وانتظر ،ومرّت الدقائق بطيئة ، وفجأة بدأ لهب الشّمعة يتحرّك ،وأحسّ بالهواء يأتي من أسفل الحجر ،ولمّا حرّكه وجد تحته حفرة مليئة بالذّهب والمجوهرات، ،فقال بفرح: لم أكن أعرف أنّ للصّبر كلّ هذه المنافع ،فكلّما أحسست بأنّ الدنيا تقفل أبوابها في وجهي، يأتيني الفرج من الله !!! لقد علّمني الشّيخ حكمة لن أنساها ،وأثمن من كل شيئ .
ثمّ صعد إلى عمّه ،والبشر ظاهر على وجهه ،فقال له الشّيخ :الآن بإمكاني أن أرتاح على ليلى ،فقبل أن تموت أمّها إستحلفتني بالله أن أرعاها ،ومن ذلك اليوم، وأنا أهتم بها ،وكلّما بعت شيئا من الصّابة اشترت بنصفه ذهبا ،ورميته في تلك الحفرة، ومع الأيام صار مقدارا عظيما ،ولما يأتي الأجل أرحل إلى خالقي قرير العين،فلها رجل يحبّها ،وما يكفي من المال ،ثم عمل لعبد الرّحمان وليلى عرسا كبيرا حضره الجيران وأهل القرية ،وحتى السّلطان جاءه مع الحاشية،وأكرموا العروسين ،وبفضل ذلك الشرط الغريب رزق الله ذلك الولد اليتيم المال والجاه والحب ،فطوبى للصابرين …
قال تعالى :(ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )
…
حكايا العالم الاخر