ربما تعود أقدم إشارة لشخصية “علي الزيبق” في التراث الشعبي إلى النص السردي الأعظم في الثقافة العربية «ألف ليلة وليلة»، ضمن قصص وحكايات المجموعة المصرية التي استطاع الباحثون تمييزها ضمن مجموعات أخرى، فارسية وبغدادية وفاطمية، الحكايات التي جمعت باسم “حكايات علي الزيبق وأبوه حسن راس الغول، وما جرى لهما مع دليلة المحتالة وابنتها زينب النصابة”.
وكانت الدكتورة سهير القلماوي في دراستها «ألف ليلة وليلة ـ دراسة وتحليل» قد أشارت إلى هذه العلاقة بين الشخصيات التي وردت في قصص «ألف ليلة وليلة» (علي الزيبق، حسن راس الغول، فاطمة الشريفة، أحمد الدنف، المجوس عباد النار، دليلة المحتالة وابنتها زينب النصابة) وبين السيرة المستقلة التي عرفت باسم بطلها “علي الزيبق”.
تبدأ سيرة «علي الزيبق» بصراع أبيه المقدم حسن راس الغول مع المقدم صلاح الكلبي على مقدمية درك مصر، وينتصر فيها صلاح الكلبي بالخداع وبالدسِّ، فيقتل المقدم حسن بعد أن يضع له السم في الطعام، وتخاف زوجته فاطمة الزهراء وتتخفى عند أبيها قاضي الفيوم نور الدين، وهناك تضع مولودًا كفلقة القمر، تسميه عليًّا، وشرعت تعده إعدادًا فروسيًّا يليق بولد حسن راس الغول، ثم بعثته للأزهر لتلقي العلوم على يد شيوخ مشهود لهم، وبات يهرب من هناك ويذهب إلى أرض الرميلة «حيث يتصارع الفرسان، ويتبارى أرباب الحيل فيلعبون بالسيف والترس والدبوس».
استهوت هذه البيئة «علي الزيبق» وسرعان ما اعترف له كبار الشطار بالمهارة والحذق وأطلقوا عليه لقب الزيبق.اصطدم «علي» برجال صلاح الكلبي سريعًا (دون أن يعرف أنه قاتل والده) بسبب انتشار ظلمهم وطغيانهم على الناس في الشوارع والأسواق، وطمعًا في القضاء على ظلم صلاح الكلبي وأعوانه دخل على الزيبق في صراع طويل، بدأه بالتنكر في هيئة خادم استطاع من خلاله الدخول إلى قصر صلاح الكلبي، يتلقف أخباره ويسبقه إلى حيث يذهب ليضرب ضربته ويهرب من بين يديه في سرعة ومهارة، ثم يتنكر في هيئة امرأة لعوب، يسيل عليها لعاب الكلبي، وما أن يختلي بها حتي يكشف «علي» عن نفسه، فيوثقه ويعذبه ويتركه لأعوانه مقيدًا، وسريعًا يرجع إليه متنكرًا في هيئة طبيب يهودي يعالج الكلبي من جروحه، فيذيقه مرارة الذل والعجز، ومرة أخري يسبقه إلى الحمَّام الذي سبق أن أمره به وهو في هيئة الطبيب ليدسَّ له الزرنيخ على الصبغة، فيتساقط شعر رأسه وحواجبه، ويصبح الكلبي أضحوكة المصريين، ويذيع خبر الزيبق بينهم ويصبح بطلًا يذهبون إليه ليرد مظالمهم ويقيم العدل بينهم.
ويعلم السلطان بنبأ «علي» وألاعيبه فيرسل في طلب الكلبي، ولكن يتستر عليه المحتسب ووالي مصر لاشتراكهما معه في المظالم.
وتبدأ مرحلة جديدة يستعين فيها الكلبي بأخته، التي توقع بالزيبق بسبب شهامته، ويلفُّ الكلبي ورجاله حبل المشنقة حول رقبة علي في ميدان عام، ويتجمع الناس ليروا نهاية الشاطر علي ناسين أو متناسين أن «عليًّا» بطلهم، وأن الحبل حول رقبته جزاء له على دفاعه عنهم، وتمضي الدقائق ثقيلة بين لامبالاة الناس ودهشة «علي»، وكعادة الأساطير والحكايات الشعبية يظهر فارس مغوار، يصول ويجول بين رجال الكلبي قاتلًا منهم الكثير، فيحرر «عليًّا» ويمضي به وسط ذهول الناس الذين يطلقون على الفارس اسم أحمد ابن البني ويلقبونه بغفير مصر.
وتكون المفاجأة من نصيب «علي» أيضًا، عندما يعلم أن الفارس المغوار ما هو إلا أمه فاطمة الزهراء بنت القاضي نور الدين التي عُرفت فيما بعد بفاطمة «أنثى الأسد»؛ لدفاعها عن «علي» مثل دفاع «أنثى الأسد» عن الأشبال، التي تلومه على عدم إشراكه للناس في قضيتهم وهو سر لامبالاتهم بشنقه، وتعرِّفه علي المقدم أحمد الدنف الذي يتعلم منه أصول الشطارة.
ويتحول علي الزيبق إلى الجهاد بوعي مستيقظ، فيحارب الكلبي والمحتسب (وزير المالية والاستثمار في هذا الزمان) لبيعهما أراضي مصر لدليلة المحتالة رسول الفرس إلى أرض العرب، وتبدأ مرحلة جديدة من سيرة علي الزيبق يحارب فيها دليلة المحتالة وابنتها زينب النصابة التي توقعه في ألاعيبها بغرض مساعدة أمها، ولكنها سرعان ما تقع في حبه وتنمو بينهما علاقة غرام تصبح أفضل قصص ألف ليلة وليلة تنتهي بالزواج بأمر من سلطان بغداد.
انتهت سيرة “علي الزيبق” بعدم قبول البطل منصب قيادة الشرطة في مصر وتفضيله البقاء بين البسطاء، لأنه لا يخشى نهاية أبيه بقدر ما يخشى أن تغيره السلطة، فيتحول يوما إلى ذلك الظالم الذي وقف ضده بالأمس.
عن لغتي الجميلة