مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #الراعي_وبنت_السلطان الجزء الثالث
قال محمود للكاهنةّ :سأفعل كلّ شيئ من أجل إنقاذ الأميرة ،لكن أخبريني، هل هي جميلة ؟ ضحكت العجوز، وأجابت : لقد رميت الحبّ في قلبك ،وستحارب من أجل عينيها !!! إبتسم محمود ،وخاطب نفسه : لن أحسّ بالحزن لمّا أخرج مع رفاقي للنّزهة ،فلهم زوجات حسان إلا أنا ،فكم عانيت من هذا الشّعور المقيت ،ثمّ وقف ،وقال: لا أحد يأمن على نفسه ،فلو حصل لي مكروه ،أريدك أن تهتمّين بجدّي وجدّتي ،وهما في القرية الفلانية ،ردّت عليه: أعرف مكانهما ،وسأحمل لهما لحما وفاكهة ، ،فطب نفسا ،ولا تفكّر إلا في مهمّتك ،ودّعها محمود، ثم ذهب في الطريق الذي أخبرته عنه ،و بدأ يفكّر فيما حصل له ،وتساءل إن لم تكن العجوز ستقوده إلى حتفه ،ثم مشى ثلاثة أيام حتى تعب، واشتد به العطش ،ولام نفسه على عدم أخذ صرة الدنانير ،والرجوع إلى بيته ،فبفضل ذلك المال سيكبر قطيعه وتتحسّن حاله .
بينما هو سارح في أفكاره سمع صوت شيئ يتكسّر تحت قدمية فلمّا أحنى رأسه ،قفز مذعورا، فلقد كانت جمجمة نخرة ،وهناك كثير من العظام ملقاة حوله ،فابتلع ريقه ،وفجأة لمح أشباحا تتحرّك ،وبعضها دون رأس أو ذراع ،فخاف ،وهمّ بالهرب لكنّه تذكر وصيّة العجوز، وواصل طريقه ثم شاهد أمه تناديه ، و تمدّ له ذراعيها ،فأغمض عينيه ،وبدأت الدّيدان والعناكب تزحف على ساقيه وهو يحس بدبيبها على لحمه ،فجرى، حتى بانت له السنديانة من بعيد ،وكان إلى جانبها صخرة ،وبمجرّد أن وصل إليها إرتمى على الأرض من شدّة التّعب ،وأحسّ بالرّاحة ،فلقد كان الخوف الذي أصابه مريعاً ،ثمّ أخرج قربة الماء ،وبلّل شفتيه اللتان يبستا ،وبعد قليل سمع صوت أقدام ثقيلة تقترب، ولمّا أطل رأى ثلاثة رجال خضر العينين،لهم جسم إنسان، وحوافر ماعز يجلسون تحت السنديانة ،ثم أخرج القوم شرابا وطعاما ،وشرعوا في الأكل والشرب حتى إمتلأت بطونهم، وثملت رؤوسهم .
قال الأوّل: أنا أقوى منكما فلي جوهرة التّاج التي تبعد الهوام والعين والسّحر ،وبفضلها لا أخشى سحركم، وهي موجودة داخل عشّ نسر في قمة جبل الصوّان ،ردّ عليه الآخر : بل أنا الأقوى ،فلي عباءة من يلتحف بها يختفي عن الأنظار ،ويسرق جوهرتك ،وهي وسط صندوق في البحيرة الزرقاء، ضحك الثالث وقال: أما انا فلا يغلبني أحد لأني أملك قمحا السّنبلة منه فيها ألف حبة ،وكلكم تعرفون الجوع إلا أنا ،وهو موجود في بئر لا قاع له .لمّا حان نصف الليل إنصرفوا في حالهم ،وتواعدوا على اللقاء في السّنة المقبلة ،ثم نهض محمود، وشدّ الرّحال إلى جبل الصوّان ،وكان بعيدا ولا أحد يستطيع الصعود إلى قمته ،وبينما هو يمشي رأى حصانا يرعى ،فتساءل :ماذا يفعل هذا الحيوان بمفرده ،ونظر يمينا وشمالا ،فلم ير أحدا ،فقال :سأستعيره ،ومقابل ذلك سأترك جراب الطعام، والماء، فإن كان له صاحب، سيعلم أني أردّه إليه .
عندما همّ بركوبه قال الحصان :لقد نجحت في الاختبار ،ورضيت أن تترك زادك لكي لا يظن بك النّاس سوءا ،والآن خذ جرابك ،فالرّحلة طويلة !!! قال محمود في نفسه :هذا عجيب ،فمنذ متى تتكلم الدّواب ؟ ولماذا لم تخبرني العجوز عنه ؟ سار الحصان بسرعة ،وبعد سبعة أيام بلغ جبلا تناطح قمّته السّحاب، فصعد الحصان في الدّروب الضّيقة ،حتى وصل إلى شجرة عالية فيها عشّ عظيم ،فتسلّقها محمود بخفّة ،ثمّ أطلّ داخل العشّ ،ورأى جوهرة حمراء مع فراخ النسر ،فأخذها ،وأطعم الصّغار حتى شبعت ،وما كاد ينزل حتى رأى نسرا يحلق فوق رأسه ،وحين رأى فراخه نائمة وهي بخير ،نزل إلى العشّ ،وغطّاها تحت جناحيه ،قال الحصان: فعل الخير أنجاك أيضا هذه المّرة ،هلم بنا إلى البحيرة الزّرقاء فهي ليست بعيدة من هنا …
…
يتبع الحلقة 4
من قصص حكايا العالم الاخر