مكتبة الأدب العربي و العالمي

سدير_الصياد/ الجزء الثالث و الأخير

قال بارق لسدير حتى انك جرحتني بسهمك في اول لقاء بك لاكنك قمت بتضميد الجرح جيدا وشفيت سوف اخبرك الحقيقة التي لم تخبرك بها جميلة

الورقة التي اطلعت عليها أنت والتي كانت جميلة تخفيها جيدا في طيات ملابسها هي في الواقع قائمة بأسماء وعناوين أبرز قادة غزاة موطننا وكذلك أسماء قادة الثوار ضدهم
جميلة سرقت تلك القائمة من عريسها رودي المفترض أن تتزوجه وهربت بها الى هنا
إن حصول جماعتنا الثوار على تلك القائمة مهم جدا للقضاء على الإحتلال وللأبد وبالمقابل فأن حصول الأعداء عليها سيقضي على الثورة ويخمدها تماما ..
قال سدير ولكني لم أفهم شيئاً من تلك القائمة
قال بارق ما دمت قد رأيتها بعينيك فللغزاة أساليبهم في انتزاع صورة القائمة من ذاكرتك وهذا ما كانت تخشاه جميلة
فلو قبض عليك العدو وأنت تحمل تلك الذكرى لقتلوك فورا
قال سدير مهلاً علي مهلا لكنك قلت أن العدو قد فشل في تتبع مسار جميلة الى هنا وهذا يعني أننا في مأمن
بارق :انا لم أقل ذلك بل جميلة هي التي ترجمت لك كلامي الى معنى مغاير حتى لا تقلقك
أنا أخبرتها ان إحدى مركبات العدو قد هبطت بالفعل وهم في أثرها الآن
تعجب سدير لما سمعه وقال تذكرت الآن أن ملامحها تبدلت من الوجوم الى الفرح عندما جلبت أنت الأخبار لها
يا إلهي جميلة لا تزال تحاول حمايتي إذن وأنا أتصرف كالأخرق
بارق أنتما بأمان هنا هذه الليلة لكنكما يجب أن ترحلا عند الصباح
اقترب سدير من باب الكوخ فسمع صوت نشيج جميلة وهي تقول :كلمات مؤثرة عن سدير وانها هي السبب في لي يحصل له فيما بعد
تأثر سدير فقال لماذا تتصرفين وكأني راحل لا محالة
قالت ودمعها ما انقطع لحظة سدييير
قال فورا :نعم يا نور عيني
قالت عليك بالرحيل الى خارج الغابة قبل شروق الشمس لتكون بأمان
أبدى سدير إنزعاجه وقال أرحل كيف أرحل أنسيتي أني تعهدت لك بأن مصيرنا واحد وأن المحتل إذا جاء فعليه أن يواجهني أولاً ؟
قالت إني أعفيك من أي عهد قطعته لي والآن أرجوك إرحل
جر سدير قدميه مبتعدا عن الباب بتثاقل وتمدد على الأرض يفكر جميلة بينما أمضت جميلة ليلتها داخل المخزن الضيق تفكر بسدير وتحاول إبعاده عن بالها فلم تقدر
فلما كاد الفجر أن ينبلج فتحت هي الباب وتطلعت الى الخارج بفضول فإذا بها تشاهد سديراً ممدد على الأرض بلا حراك فاستائت وقالت في نفسها يا له من عاشق أنا سهرانة أبكي الليل كله وهو نائم كالميت
وهنا لمحت جميلة إزرقاق شفتيه فاقتربت منه وتحسسته فلم يتحرك بل كان ملمسه باردا فداخلها القلق والخوف عليه فأخذت تهزه وتناديه باسمه فلم ينهض
تلا ذلك أن تقدم بارق وقال :إنه مسحور فلقد تناول عن طريق الخطأ ثمرة كانت قد سحرتها ساحرة شريرة تقيم في نهاية الغابة بينها وبين سدير عداوة متأصلة
فزعت جميلة وصاحت يا إلهي وما العمل ؟
بارق أخبرني سدير ان وصفة إبطال السحر موجودة في رقعة داخل المخزن الذي كنتي فيه
قالت ولماذا لم تخبروني منذ البداية ؟
بارق سدير لم يشأ أن يزعجك وقرر الإنتظار حتى الصباح عسى أن يزول السحر
قالت بتوتر لكن لكن ألا تراه ويحي إنه يكاد أن يموت
هرعت جميلة من فورها وبحثت عن الوصفة حتى وجدت رقعة قديمة بين الأغراض المتربة فأخذتها ثم عادت راكضة نحو سدير فجثت قربه وفتحت الوصفة وبدأت بقرائتها
لاحظت جميلة ان الوصفة غريبة بعض الشيء فهي تنص على أنك إذا أردت أن تخلص شخصاً عزيزاً على قلبك من السحر فعليك أن تظهر له حبك شكت جميلة بالأمر لأول وهلة
لكنها عندما نظرت الى حالة سدير وانقطاع نفسه وكذلك الى الرقعة القديمة ومكانها وسط المخزن نفس المخزن الذي أقفلت هي على نفسها فيه طوال الليل
كل ذلك لم يدع لها مجالا للشك في حقيقة حالة سدير وصحة الوصفة لذا شرعت هي بإمساك يديه وأخذت تفركهما
ثم قربت وجهها من وجهه وبدأت تناجيه قائلة :
سدييير أتسمعني يا حبيبي ؟؟
هذه أنا حبيبتك ودلوعتك جميلة ذات الشعر الناري كما تحب ان تطلق علي جميلة التي تحبك أكثر من نفسها
جميلة التي تعشقك أشد من عشق الأرض العطشي
أخذت دموعها الجميلة تتساقط كحبات الرذاذ المتلألأ على وجهه ابتسمت وأضافت :الوصفة تقول لي أن أظهر حبي للمسحور العزيز على قلبي شيئ مضحك
وهل في الكون كله شخص أعز وأقرب وأحب وأروع وأجمل وأحلى منك إلي يا حبيبي يا سدير
ثم قبلت يديه وشبكتهما بين يديها وقالت بصوت شجي :
ماذا تنتظر هيا انهض وعانقني كما اعتدت أن تفعل
لا تستطيع
فلم يبدي هو أية ردة فعل و ما نهض
فبدأ قلبها بالخفقان عانقته بقوة وقد ازداد بكاؤها
فمازال لم ينهض فلم يفتح عينيه
فتأثرت بشدة وقالت مستحييل هل حبي دون المطلوب هل قصرت في حبي إياك شيئا إذن لماذا لا تفيق يا عمري
لكن سديراً لم يفتح عينيه
فوضعت يديها على صدره وأخذت تهزه وتقول بتعصب :
لم لا تستيقظ هيا استيقظ أرجوك .. أتوسل إليك بالله عليك انهض بسرعة
لكن بلا جدوى
لم يستيقظ سدير في تلك اللحظة رغم محاولة جميلة لم تأتي نتيجتها فأشاحت بوجهها عنه ثم وضعت رأسها بين ركبتيها وأخذت تبكي وتقول :أوووه يا إلهي يبدو إن حبي لحبيبي غير كافي يا لي من جاحدة فحبي غير فعال الى الدرجة التي توقظ حبيبي من رقدته ليتني أمضيت معه ليلتنا الأخيرة سوية والله أردت حياته لكن يبدو أن الموت يلاحق كلينا معا
أسفة يا سدير لأني خذلتك أسفة لأني أبعدتك عني
آسفة لأني لم أكن أستحق حبك إياي
هنا سمعت جميلة صوت سدير يقول هذا ما أردت سماعه
إلتفتت هي متفاجئة فشاهدت سديرا يرفع رأسه مبتسما
وقد اتكأ بمرفقيه على الأرض فقفزت عليه غير مدركة وعانقته وأعادته الى الأرض وأخذت تضمه ويضمها وتقبله حتى بللت وجهه برضابها ودمعها
ثم تذكرت أمراً فابتعدت عنه وقالت :هل كنت تخدعني طوال تلك المدة حتى تسمع ندمي وأسفي ؟
قال لقد أكلتُ ثمرة سامة متعمدا معروف عنها أنها تبطئ الأنفاس وتخفض الحرارة
التفتت هي الى بارق وقالت وأنت كنت شريكا له في خداعي
قال سدير لقد ساعدني بارق وأخبرك بما أمليته عليه بالضبط
قالت :لكن الوصفة ؟
قال الوصفة حقيقية لكني لم أكن مسحوراً كما عرفتي
أمسكت هي برأسها ونهضت مذهولة غير مصدقة أنها سقطت ضحية خدعة متقنة وقالت لقد شككت في الأمر منذ البداية كيف تجرؤ على أن تتلاعب بعواطفي ؟
نهض سدير خلفها ووضع يده على كتفها وقال أنا آسف لأنك اضطررتي الى المرور بكل ذلك
إلتفتت إليه وكان يتوقع أن تصرخ عليه لكنه فوجئ بها وهي تقول :أنا كنت أستحق ذلك لأني ابعدتك عني بطريقة فظة
ثم ذهبت وجلست قرب الكوخ وهي تسترق النظر إليه بطرف عينيها وكأنها تنتظر منه أن يأتي ويصالحها
فجاء هو فعلاً لكنه تمدد بقربها وأعطاها ظهره وكأنه يريد النوم
فاستغربت وقالت ماذا تفعل ؟
قال أريد أن أغفو قليلا فمازلت أشعر بالوهن أوقظيني عند شروق الشمس رجاءا
غصبت هي وقالت كيف تفكر بالنوم بعد الذي عملته معي ألا ترى حالي
إلتفت إليها وقال وما بكي
قالت :ألا ترى أني غاضبة
قال :غاضبة
عضت على أسنانها وقالت بلى غاضبة منك وها أنت تريد ان تنام وتتركني بتلك الحالة آه منك أيها الأرضي البائس
قال ولكنك قلتي أنك كنتي تستحقين ما جرى معكِ
قالت لكن هذا لا يمنع أن تعتذر لي وتأخذ من خاطري
قال ولكني اعتذرت لكِ
تداركت نفسها وقالت :إعتذارك لم يكن مقنعا بالمرة
ثم أشاحت بوجهها عنه بكبرياء المجروحين
فاقترب هو منها أكثر لكنه كان ينظر الى بارق حينما قال :
إذن فحبيبتي تريد مني إعتذاراً أكثر حميمية يا ترى هل هي تستحق ذلك ؟
أجابته بسرعة وهي تنظر الى بارق أيضا :ولماذا لا تستحق حبيبته ذلك ألم تظهر تلك الحمقاء له حبا لم يكن ليحلم به أرقى العشاق على الأرض ؟
إستدرك سدير قائلا :لكن يا بارق هل أنت مقتنع بعرض مشاعرها أم كان مجرد تمثيل ؟
وقف الذئب المسكين حائراً بينهما ولم يجرؤ على الكلام
فصاحت به جميلة :أسمعت هذا المهرج قال تمثيل إسأله كم بكت عليه أفكل هذا تمثيل ثم ماذا عن تمثيله هو ؟
أفلا يعد جريمة يعاقب عليها قضاة الحب بالطرد والبعد مدى الدهر ؟؟
سدير :حبيبي يا بارق أنا ما قصدت
هنا التفتت جميلة الى سدير وقالت بزهو المنتصر :
استغرقت هي في مدحه وقد تهلل وجهها وانشرح صدرها لكنها فجأة عادت الى ما كانت عليه
فسحبت يديها من يديه والتفتت الى بارق وقالت أما تراه يا بارق هذا الأفّاك المخادع كيف لقلبي يكسر ثم إياهُ يجبر ؟
يقول أني كنت أمثل فيمتدحني ثم يتنصل
بربك هل بذلك تقبل بل هل ترضاه وأنت الفيصل ؟؟
أراد بارق الكلام فقاطعه سدير بالقول :لا تحكم الآن يا بارق حتى تسمع تمام حجتي
أما علمت أيها الذئب الحكيم أنها قامت بطردي وإقصائي بشكل فاضح وبلا سبب واضح بعد أن سلبت هي عقلي وملكت فؤادي فمن الذي يكسر ويجبر الآن أنا أم سليطة اللسان ؟
هنا التفتت هي مرة أخرى الى سدير بعد أن اتسع فاهها من الدهشة ثم وقفت وقالت :سديير أنا لم أنت كيف ؟
عقدت المفاجأة لسانها فاغرورقت عيناها بالدموع …
حينها .. أسرع إليها سدير فأمسكها من عضديها وقال :
أوه لا لا لا لا لا يا حبيبتي لا تسكبي تلك الدموع الغالية أنا كنت أمزح والله لقد انسقت وراء هذه التمثيلية ولم أعلم أنك حساسة الى هذه الدرجة
سال دمعها كحبات اللؤلؤ على خديها وقالت ولكني ما كنت أمزح سدييير لقد حرقت لي قلبي
جثا هو على ركبتيه وأخذ يقبّل ظاهر كفيها مراراً ويقول :
سلامة قلبك يا روح قلبي جميلتي آسف أعتذر إليكِ بشدة عن كل شيئ حبيبتي اغفري لي غروري هلا فعلتي ؟
ثم نهض ونظر إليها ونظرت كانت تشهق من البكاء وهي تنظر إليه وكأنها تستعطفه أن يراضيها أكثر وبصورة أشد إلحاحا .. أو كأنها تريد أن تعاتبه بأرق العتاب وأعذبه لكنها تشفق عليه حتى من هذا النوع من العتاب
كانت صورتها وهي في تلك الحالة من الروعة بمكان بحيث إن سديراً نفسه قد بهت من سطوة بهائها
سدير استصغر نفسه أمام حضورها الطاغي فلام نفسه على ما فعل وقال :هيا عاتبيني إضربيني إفعلي بي أي شيئ ماذا تنتظرين ؟
لماذا تكتفين بالنظر إلي نظرة المظلوم تلك ؟
ألا تعلمين أن نظرة واحدة من نظراتك هذه تشق علي ألف مرة أكثر من طعن السكاكين
قالت جميلة هل سحرتني يا سدير أوه سديير تباً لك ولغرامك فما أبقيتما على حالي من حال
رد سدير بل أنتي الساحرة يا جميلة وأنتي خطافة القلوب وأنتي سفّاحة العشاق في معبد الحب
جميلة أنا أحبك ولو كررتها من الآن الى نهاية الدنيا لما بلغت شطرا مما أشعر به حقيقة
هنا قالت جميلة لقد أرضيتني وفوق الرضا يا أحلى حبيب
ولقد كنتُ بحاجة الى ما صنعت بي حتى أتمكن من تحديد أولوياتي وقد كشفت لي لعبتك الصغيرة تلك أنك يا حبيبي على رأس قائمة إهتماماتي فشكراً لك
كنتُ مخطئة إذ أبعدتك ومخطئة أكثر لو غضبت عليك وواصلت إبعادك عني فالحياة قصيرة لنبددها بالإبتعاد عن بعض وداخل كلينا حب عظيم
أذهله كلامها فأمسكها من كتفيها وجرها إليه وقال :
أشعر وكأني بإمكاني التحليق ولو فعلت لحملتكي معي عبر السحاب كي أريكي روائع وعجائب الأرض تماما كالبقعة التي كنا فيها إلى درجة أنكي لن تجرؤي على إغلاق عينيك خشية أن يفوتك منظر واحد
عند ذلك تكلم بارق قائلا يبدو أنكما لم تكونا بحاجة إلي في النهاية واستغرق الحبيبان في أمسية شعرية رائعة حتى ظنا أنهما قد أمضيا وقتا طويلا من الزمن لكنها في الحقيقة لم تكن سوى دقائق معدودة
اضطر بعدها بارق أن يقاطعهما بعوائه ليذكرهما بشروق الشمس حينها قال سدير :يجب أن تغادري الآن يا جميلة إمتطي صهوة بارق وانطلقا شمالا وأنا سأختبئ هنا لأتتبع العدو القادم
إضطربت جميلة حتى أخذت ترتجف خوفاً على سدير فضمها إليه بقوة وقال :جميلتي كفى عن القلق
قالت بتوتر :على الأقل دع بارق معك فهو قوي
سدير :كلا سيبقى معك لحمايتكِ بالإضافة الى أنه حيوان كبير وتسهل ملاحظته وسيفضح اختبائي
شعرت هي بالحزن فقالت بصوت متهدج :إذن لماذا أشعر أني قد أراك للمرة الأخيرة ؟
قال :جميلة يا جميلة ماذا سأفعل بك
إسمعي ياحبيبتي أعدكي أننا سنتقابل مجدداً هذا النهار ما رأيك ؟؟
إمتلئت عيناها دمعا رقراقا فقالت بصوت يذيب الحجر :
وعد وبدون خداع ؟؟
اجاب وعد وبدون خداع
آنذاك وافقت جميلة على امتطاء صهوة بارق فانطلق بها فوراً نحو شمال الغابة
فطفق سدير يرقبهما بنظراته حتى اختفيا
كان لسدير العديد من المخابئ التي يستعملها لمراقبة طرائده أثناء جولات صيده وقد استعان بأحدها لمراقبة الطريق الذي ظن أن العدو قد يسلكه وقد صدق حدسه
فبعد دقائق لمح سدير شخصاً يرتدي ثياب شبيهة بتلك التي ارتدتها جميلة وهو يحمل في يده أداة غريبة قد تكون سلاحا
وما إن سار الغريب في طريقه حتى داس على أحد فخاخ سدير فانشال بواسطة حبل الى أعلى شجرة وهو مقلوب رأساً على عقب وقد علقت قدمه بانشوطة حبل
سدير خرج من مكمنه حالا يريد القبض على فريسته
لكن الشخص الغريب قام بتصويب سلاحه على الغصن المربوط به الحبل وأطلق منه ناراً ذات صوت مدوّي فدمر الغصن وسقط الغريب على ظهره ..
سدير تفاجئ من الصوت لكنه واصل اندفاعه نحو الدخيل يريد أن يصرعه ..
فالتفت إليه الغريب وبادره بإطلاق النار بصورة كثيفة فقفز سدير مختبئاً خلف جذوع الأشجار وأخذ يشاهد الإطلاقات النارية وهي تمزق كل شيئ من حوله فأذهلته قوة ذلك السلاح
هنا وجه سدير قوسه وأغمض عينيه وانتظر توقف الغريب عن الرمي فلما حانت اللحظة المرتقبة وثب سدير من خلف الشجرة وأطلق سهماً مارقاً أصاب ذراع الرجل الفضائي فأسقط سلاحه
فحاول الغريب حمل سلاحه بيده الأخرى لكن سدير لم يمهله حتى ركله على وجهه فطرحه ارضا
صوب سدير سهما آخر نحو الدخيل فصرخ الأخير بلغة مجهولة فصاح به سدير تكلم بلغتي هذه حتى أفهمك
هنا قال الغريب :أدعى رودي وقد جئت هنا لاستعادة خطيبتي التي تاهت في الفضاء
إنها شابة ذات شعر احمر لابد أنك قد رأيتها في هذه الأرجاء
أرخى سدير قوسه للحظة وقال إذن أنت خطيبها المزعوم ؟
لمعت عينا رودي وقال :إذن أنت تعرفها فعلا
هنا غافل رودي سديرا بأن سحب من ظهره سلاحاً أخر
فلما أوشك أن يطلق عليه النار فوجئ الإثنان بصوت رصاصة تأتي من خلف الأحراش وتصيب رودي في صدره فسقط مضرجاً بدمه
ثم خرج من بين الأشجار رجل فضائي آخر يبدو عليه كبر السن وهو يحمل سلاحه
سدير سارع بتصويب نشابه نحو الرجل الجديد فرفع هذا يديه وقال :أنا في صفك ولهذا السبب أنقذت حياتك ولم أقتلك وسأثبت لك
ألقى الرجل بسلاحه جانباً وقال :سمعتكما تتحدثان وعلمت أنك تعرف الفتاة الصهباء أنا عمها وأحد قادة الثوار وأريد ان أراها هنا وبينما كان رودي ممسكا بجرحه المميت إذ أخرج جهازا من جعبته وضغط عليه فسمع الجميع صوت إنفجار من داخل الغابة
ثم قال رودي :إذا كان يجب أن أموت فستموت خطيبتي معي لقد عثرت على مركبتها مخفية بين الأوراق ثم سقط ميتا
فصاح العم :يا إلهي لاااااا
قال سدير بنرفزة أخبرني ماذا فعل رودي الآن ؟
ركض العم نحو مصدر الإنفجار يلحقه سدير فلما بلغاه قال العم :
لقد فجر الوغد مركبته إضافة الى مركبة إبنة أخي وهذا يعني أنها ستموت إختناقا مالم تعود معي حالا الى عالمنا فهي تعتمد على مركبتها في دعم حياتها واستمراريتها هنا
نزل وقع الخبر على سدير كالصاعقة فركض فوراً نحو الشمال يتبعه العم ..
وبعد دقائق تلاقى الإثنان وجها لوجه مع بارق الذئب وهو يحمل جميلة
قال بارق :لقد شعرت جميلة فجأة بالوهن الشديد لذا جئت بها إليك جريا
هرع سدير الى حمل جميلة من على ظهر بارق وأجلسها في يتأملها ويخاطبها بنعومة جميلة أأنتي بخير ردي علي فتحت هي عينيها وقالت بصوت واهن :حبيبي أهذا أنت لقد وفيت بوعدك لي حقا ها أنا أراك أمامي حيا
فقالت له :سدييير أتحبني يا سدير ؟
قال ظننت أني لن أعرف الحب أبدا لأني لم أجده على الأرض وإذا بي أتفاجئ بك من السماء ليقع حبك في صميم قلبي
إبتسمت هي رغم ضعفها وقالت الحب يسقط من السماء أحيانا
قال بانكسار :أصبتي فللحب طرائق عجيبة للنيل من قلوبنا
هنا اقترب العم وخاطب جميلة فتعرفت إليه
إلتفت العم الى سدير وقال يجب ان نحملها الى مركبتي كي أنطلق بها انا وهي الى موطننا فوراً وإلا ماتت هنا
تم نقل جميلة بواسطة بارق الى مركبة العم لكنها وقبل ان تصعد صاحت :ما أنتم فاعلون أنا لن أرحل أبدا
أمسكها العم وترجاها أن تصعد المركبة حتى يعيدها الى الوطن لئلا تموت هنا لكنها تمردت بشدة وقالت :لا لا لا لا … لا اريد الذهاب لا تبعدني عن حبيبي
قال العم لسدير :للأسف لا ينفع أن تأتي أنت معنا فالمركبة بالكاد تسع لشخصين بالإضافة الى إن الزي الضيق هذا مصمم ليحمينا من البرودة الشديدة في الفضاء وبدلة رودي قد تضررت لذا فمن غير المعلوم إن كنتَ أنت ستنجو من الرحلة الطويلة
قال سدير هل من الممكن ان تعود هي للأرض يوماً ما ؟
أجاب العم :الآن مستحيل لأن مركبة جميلة هي من تقنيات العدو المتطورة وصنعنا لواحدة جديدة تحمل خصائص جميلة الحياتية يحتاج منا الى عشرين سنة لذا آسف جداً يا سدير
هنا تقدم سدير وجلس بقرب جميلة وتأمل بريق عينيها الذي بدأ يذوي كالوردة الذابلة فأخذ يخاطبها وقد تحدرت الدموع على خديه :جميلة يجب أن ترحلي معه لقد فجر رودي مركبتك ما يعني أني سأخسرك للأبد لو بقيتي هنا
أجابت هي :لكني أفضل الموت هنا بين ذراعيك على ان أعيش بعيداً عنك
قبل هو يديها وقال :عمري وحياتي أنتي يا جميلة
ثم أردف قائلا :لكني سأبقى حزينا جدا لو قضيتي نحبك بينما سأشعر بالأمل والسعادة لو عدتي الى موطنك وانا أعلم بداخلي أنك على قيد الحياة هناك بين أغوار النجوم
تهاطل الدمع من عينيها البريئتين كالمطر فدخلت في نوبة بكاء شديدة فضمها سدير إليه فقالت وهي في غمرة بكاؤها :
سديييير .. لا تجبرني على الرحيل فأنا لا أطيق الحياة بدونك ولا للحظة أرجوووك سدير
بكى سدير وقال أرجوكِ لا تصعبي الأمر على قلبي أكثر من ذلك أتوسل إليكِ أن تركبي فلم يعد لي طاقة
إزدادت جميلة وهنا على وهن لكنها مازالت على موققها الرافض للركوب فهزت رأسها وامتنعت إمتناعاً شديدا
فما كان من عمها إلا أن أمسكها من الخلف وسحبها للداخل وهي تصرخ وتحرك ساقيها بعنف فطلب العم من سدير أن يمسكها من ساقيها ففعل لكن جميلة أخذت تتلوى بجسدها محاولةً التملص فقال لها سدير : أرجوكِ لا تقاومي
وأخيرا فقدت جميلة وعيها فتم إدخالها المركبة ثم قال العم :أين زيها يجب أن نلبسه إياها قبل الرحلة
قام بارق بجلب زي جميلة فقام العم بإلباسه إياها وبداخله القائمة السرية بعد ذلك طلب العم من سدير ان يبتعد لغرض إنطلاق المركبة
نظر سدير نظرته الأخيرة الى جميلة قبل أن يتم إغلاق الفتحة تلا ذلك أن انطلقت المركبة بسرعة البرق الى عنان السماء مخلفة دويا هائلا وعمودا من الدخان
فوقف سدير يرعاها بعينيه حتى أصبحت المركبة كنقطة براقة في السماء ثم اختفت كليا
آنذاك سقط سدير أرضا على ظهره واستمر في مطالعة السماء بحزن حتى كاد يغمى عليه من شدة الوجع وهكذا رحلت جميلة عائدة الى موطنها
مر اسبوع… أسبوعان .. ثلاثة ..شهر ….
شهران .. ثلاثة ..وفي كل ليلة ..يجلس سدير برفقة بارق وهما يترقبان السماء المرصعة بالنجوم يتفكر سدير خلالها بحبيبته فيتغنى بحبها ويبثها أشواقه ولوعاتهثم يلتفت الى بارق ويقول :ماذا تظن يا صديقي أتعتقد أنها تستحق الإنتظار لعشرين سنة ؟
أعتقد أني سأنتظرها كل تلك المدة نعم هذا ما سأفعله
هذا ما كان من أمر سدير
أما ما كان من أمر جميلة فإنها لما أفاقت في المركبة
بكت وناحت كثيرا لكنها في النهاية رضخت للأمر الواقع
رغم أنها لامت سديراً لأنه تخلى عنها لكن عمها أخبرها أن سدير فعل ذلك لأنه يحبها ويخاف عليها كثيرا
فقالت له :أعلم ذلك ولومي له ليس بدافع الغضب بل هو لوم المحبين الوالهين
وبعد عدة أسابيع في الفضاء وانطلاقة بسرعة الضوء
وصلت المركبة أخيراً الى الوطن فتم الإعتماد سريعاً من قبل الثوار على القائمة التي بحوزة جميلة وخلال أيام تم قتل أو أسر كل جنرالات العدو المذكورين في القائمة
وبسبب ذلك مالت كفة الحرب لمصلحة الثوار وما هي سوى شهور قليلة حتى تم دحر الغزاة وطردهم الى الأبد واستعادت جميلة عائلتها المفقودة
كل ذلك تم بفضل شجاعة جميلة وحسن تصرفها بعد نجاحها بالحصول على تلك الوثيقة الخطيرة
بعد نشر الحرية وإحلال السلام كانت جميلة تقضي معظم الوقت بمفردها وهي تتصرف تماماً كما يفعل سدير في تلك الأثناء على الأرض تستلقي تحت النجوم تستغرق في التفكير بسدير حبيبها الأرضي تخاطبه وكأنها تشاهده عيانا بين النجوم فتبثه لواعج قلبها المتيم بحبه إستمر حال العاشقين على هذا الحال لعدة شهور أخرى
في أحد الأيام طلبت عائلة جميلة أن تتزوج وتنسى الماضي وتتطلع الى الأمام عائلتها طلبت من عمها أن يتحدث معها بهذا الخصوص فاجتمع بها وأخبرها أن تتصرف بواقعية طالما أنها لن تستطيع العودة الى الأرض ثانية لذا عليها أن تتزوج بشاب من أبطال المقاومة وقد تم سلفاً تعيين ذلك الشاب ..
حاولت جميلة التملص مرارا من هذا الموضوع لكن كثرة الضغوطات أجبرتها أخيراً على الرضوخ والموافقة
لكن جميلة بقيت وفية على عهدها بندبة حبيبها سدير في كل ليلة
كانت جميلة مستلقية كعادتها تطالع السماء بنظراتها الحالمة إذ خاطبت السماء بدموع جارية :
حبيبي ما هي أخبارك يا ترى أتراك تراقب السماء الآن وتفكر بي كما أفكر بك بالنسبة لي فأنا في حيرة ثم أجهشت بالبكاء وقالت :
آسفة يا حبيبي والله آسفة يريدون أن يزوجوني ليبعدوني عنك يا إلهي ماذا سأفعلثم استغرقت في البكاء
وبينما هي كذلك إذ فجأة مرق من أمام عينيها نيزك سريع
فراقبت الجسم الطائر بدهشة وقالت إنه ليس بنيزك إنه مركبة قد تكون تابعة للعدو سأتحقق
تابعت جميلة مسار المركبة حتى سقوطها على الأرض فاتجهت نحوها حتى بلغتها فوجدت عمها وبعض الأفراد المسلحين قد سبقوها وطوقوا المركبة الغريبة
وقف الجميع بترقب تام وهم ينتظرون ما سيجري
حينها انفتح باب المركبة خرج منه بخار كثيف ..
ثم
قفز من بين البخار شاب يرتدي ملابس جلدية غريبة وهو يسعل ويتنفس بسرعة جلس الشاب على ركبتيه ثم أخذ يدير بصره حواليه فلما وقع نظره على جميلة أشار إليها وقال :
مرحباً يا نارية الشعر
لا أحد يعلم يقينا حجم وطبيعة المشاعر التي اجتاحت جميلة في تلك اللحظة مشاعر أدت بها الى أن تنهار فوراً وتفقد وعيها لحسن التطواني حالما سمعت بجملة القادم الغريب والذي لم يكن سوى سدير نفسه
سدير الذي ركض نحو محبوبته فتلقفها بين ذراعيه ثم أخذ يطبطب على خديها بكل حنّية ويقول جميلتي استيقظي الآن فلقد قطعت نصف الكون لأجلكِ ..
هنا جاء العم وقال لكن كيف استطعت فعلها ؟
سدير لقد عثرنا أنا وبارق صدفة على مركبة الجد التي جاء على متنها قبل سنوات وكان قد خبئها جيداً خلف شلالات الواحة الغنّاء في الغابة ..
بارق لم يكن يعلم بمكانها مسبقاً لأنه كان جرواً حينها
وبمساعدة بارق تمكنت من تشغيلها والقفز بها الى هنا
العم ولكن كيف احتملت السفر عبر الفضاء بدون ملابس خاصة
سدير لقد أخبرتك بمساعدة بارق هنا قفز من المركبة الذئب بارق واتجه نحو سدير
قال سدير :السبب في بقاء بارق حيا في الغابة طوال كل تلك المدة هو وجود تلك المركبة واستمداده الحياة منها
وهو ما دفعني للبحث عنها في الغابة شبرا شبرا حتى عثرت عليها لذا كان يجب عليه أن يأتي معي عند انطلاقي بالمركبة وإلا مات في الغابة ..
وهو السبب في عدم انجمادي في الفضاء لأنه احتضنني بفروه الغزير طوال الرحلة
هنا قال بارق :كان الجد قد ضبط المركبة للعودة الى هذا الكوكب لذا كل ما فعلناه أننا شغلنا الأزرار لتنطلق بنا الى هنا
ثم قام بارق بلعق وجه جميلة ففتحت عينيها ببطئ فلما رأت عيني حبيبها جرى دمعها مدرارا وقالت :يا إلهي لا تجعله حلما أرجوك يا ربي فليكن حقيقة وليس حلما ..
إبتسم سدير بعينين دامعتين وقال : أنتي لا تحلمين لا ليس بعد الآن ..
مدت يدها تلمست وجهه ثم صرخت بعلو صوتها :
سدييييييير … أوه يا إلهي ما أكرمك وما أعظمك إذ استجبت لتوسلاتي وأعدت لي حبيبي لأحضاني مجددا
ثم أضافت :سدييير … تركت الأرض لأجلي
رغم علمك أنك لن تستطيع أن تعود إليها بعد الآن ..
قال :موطني هي حيثما تكونين أنتي يا جميلة
قالت والفرحة تغمر أعماقها إلى هذا الحد تحبني يا سدير ؟ لدرجة أن تسافر عبر نصف المجرة لأجلي ؟؟
إبتسم هو مليا ثم قال :الحب .. يسقط من السماءِ أحيانا ..
هنا التفت العم إلى جماعته وطلب منهم المغادرة لتوفير بعض الخصوصية للحبيبين العاشقين…

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق