مكتبة الأدب العربي و العالمي

الأرملة_التي_حفظت_شرفها الجزء الثاني والاخير

وبعد يومين آخرين في البحر الذي لا يريد أن ينتهي .. وصل القارب الى جزيرة مجهولة وغير مأهولة ..
فنزلت فريال وهي تخشى على طفلها بعد أن كف صدرها عن درّ اللبن ..
شاهدت فريال على الجزيرة عنزة حلوب فحمدت الله تعالى على تسهيل أمرها لكن العنزة هربت من أمامها فطفقت فريال تحاول اللحاق بها حتى استقرت العنزة أخيراً في مكان معين حيث تمكنت فريال منها وقامت بحلبها وشرب لبنها لها ولصغيرها ثم قالت لها :

لماذا أتعبتني بالقدوم إلى هنا ولم تستقري في مكانكِ ؟؟
آنذاك .. علمت فريال السبب .. فاستغربت بشدة عندما سمعت صوت أنين ضعيف يصدر من مكان قريب ..
تتبعت فريال صوت الأنين حتى عثرت على شاب شبه هالك مقيد بالحبال ومرمي على الأرض ..
فريال قامت من فورها بمساعدة الشاب الغريب .. ففكت قيوده وجلبت له الماء واعتنت به حتى استرد وعيه وعافيته ……..

لاحظت فريال عليه سيماء النبلاء فسألته عن قصته فأخبرها أنه أمير لإحدى البلاد (وهي نفس البلاد التي كانت تقطنها فريال) وقد كان من المفترض أن يستلم سدة الحكم لكن ابن عمه أكثر الأشخاص قرباً إليه تآمر عليه واختطفه وعذبه ثم قيده ورماه في هذه الجزيرة المعزولة ليموت من الجوع أبشع ميتة ..
الأمير التفت الى فريال وشكرها كثيراً على إنقاذها لحياته .. فأخبرته أن المنقذ الحقيقي الذي يستحق الشكر هو الله تعالى ..فلولا سلسلة المصائب التي مرت بها فريال وصولاً الى العنزة التي طاردتها حتى دلتها على مكان الأمير ، إنما هي سلسلة حبكتها تصاريف القدر لتنقذ الأمير من موت محقق وتعيده ملكاً على بلاده ..
آنذاك .. سجد الأمير شكراً لله على حسن تدبيره ثم أركب فريال وطفلها ومعهم العنزة كذلك في القارب وقام بقيادته عائداً الى مملكته ..

وهناك كانت تقام مراسيم عزاء ملكية قد أمر بها ابن العم بمناسبة وفاة الأمير حيث أعلن ابن العم أمام الشعب وبدموع جارية أن الأمير قد مات غرقاً في البحر وأنه قد شهد وفاته ..
وبينما هو منهمك في الكلام وإذا بالأمير يصل ويقاطع خطابه ويقف أمامه !!!!

ابن العم اختنق بكلماته واصفر لونه وكأنه قد شاهد شبحا ..
الأمير أصدر أمره باعتقال ابن عمه ولي عهده بتهمة التآمر والخيانة فغمرت السعادة جموع الجماهير بعودة الأمير سالماً وتسلمه سدة الحكم ..

تلا ذلك أنه استدعى الأمير فريال ثم جثى على ركبتيه وطلب منها الزواج أمام حشود الشعب ..
بكت فريال في ذلك اليوم كثيراً ووافقت على عرض الأمير لكنها اشترطت عليه أن يظهر براءتها ..

الأمير استدعى فوراً نوار وشقيقها وكذلك الغلام الأبكم الذي كان قابعاً في السجن من غير حتى أن تؤخذ بشهادته .. حيث قام الغلام وعن طريق لغة الإشارات بشرح ما جرى عليه وكيف أن نوار وشقيقها قد استدعياه الى غرفة فريال ثم افقداه الوعي ..

ثم تم استدعاء القاضي الذي كُلف بهذه القضية وسأله الأمير أنه كيف حكمت ضد فريال مع أن القضية غير متكافئة ..
أي أن كلمة فريال والغلام ضد كلمة نوار وشقيقها .. ولابد من أجل إثبات الزنا أن يرى الشهود المواقعة عياناً حتى يحكم ضد المتهمين ..

القاضي لم يجد جواباً فدخل في ضائقة شديدة وهنا اقتربت من المحكمة المنعقدة إمرأة من العامة حالما شاهدتها فريال حتى ركضت إليها وعانقتها كانت تلك المرأة زوجة الصياد التي اعتنت بفريال أخبرتها تلك المرأة أن زوجها أبلغها أن فريال قد عادت الى البحر بمحض إرادتها فهل هذا صحيح ؟؟

الصياد زوج المرأة كان حاضرا فلما شاهد زوجته مع فريال انخطف لونه فركض وتمرغ على الأرض أمام قدمي فريال وسألها العفو والسماح على ما بدر منه تجاهها وتجاه صغيرها ..
تلا ذلك تقدم رجل آخر وجثى على ركبتيه أمام فريال وأخذ يسألها الصفح والغفران بدموع جارية وكان ذلك الشخص هو قبطان مركب الشحن الذي غرقت سفينته مباشرة بعد إلقاء فريال وابنها من على متنها لأنها أصرت على أن تحافظ على شرفها ..

القبطان كان أحد القلائل الذين نجو من الغرق وكان كل همه هي الخطيئة التي ارتكبها بإلقاء أم بريئة مع ابنها في غياهب البحر فقد أخذت تلك الجريمة تأكل بعقله حتى شاهد اليوم فريال حية ترزق فحمد الله على نجاتها وتقدم لطلب المغفرة ..

فريال أعلنت أنها قد سامحتهم ولن تتقدم بشكوى ضدهم ..
بعد أن شهد القاضي تسامح فريال وعفوها ، طمع هو الآخر بمغفرتها فانظم للإثنان وأصبح ثالثهما في استجداء كريم عفوها الذي لا مثيل له ..
ابتسمت فريال الطيبة وشملت القاضي برداء سماحتها كذلك هنا وثب أخو نوار والتحق بركب التائبين بعد أن أسقط في يده فدهشت أخته وصاحت به :
ما تفعل ؟؟ أجننت ؟؟
أجاب :بل ما كنتُ أعقل من هذه اللحظة … كفاكِ مماطلة يا أختاه واستغفري ربكِ واطلبي السماح من تلك الفتاة التي ظلمناها لكن ربها انتصر لها وجعلها فوقنا جميعاً سواء شئنا أم أبينا ..

حينها .. اضطرت نوار مرغمة الى أن تداهن وتخفض رأس المذلة لضرتها فريال ..
لكن فريال رفعت لها رأسها بيديها الكريمتين بل وعانقتها لتظهر لها أنها ليست من تلك الطينة ولا يمكن أن تكون هكذا طباعها ..
هنا انفجرت نوار باكية بدموع صادقة وطلبت السماح حقاً وحقيقة من فريال عسى أن تغسل دموعها جزءًا من آثامها ..

تقدم الأمير وهمس لفريال أنه كيف طاوعها قلبها أن تسامح هذه النماذج ؟؟
فأجابت :أخبرتك سابقاً ما هم إلا حلقات ضمن سلسلة الأحداث التي قادتني إليك يا حبيبي ..
فلولاهم لما تعرفتُ عليك ولما كنتُ سأصبح زوجتك فلو عاقبتهم فكأني أعاقب القدر الإلهي الذي دلني عليك ..
لذا سأكتفي بالعفو عنهم عسى أن يعفو ربي عني يوم لا ينفع مال ولا بنون ..
قال الأمير :ما أعظم قلبكِ يا فريال .. وما أسعدني بكِ يا حبيبتي .. وسأسجد لله تعالى في كل صباح سجدة شكر لأنه وفقني لتكوني ملكتي التي تجلس بجانبي على العرش ..

بعد انصراف فريال التفت الأمير الى الرجال الأربعة وقال :
أرأيتم ..؟؟ هذه هي الفتاة التي أردتم سلب شرفها وتدنيسها ، هكذا يكون بياض قلبها ونقاء ثوبها ..
لحسن حظكم أنها سامحتكم لكني لن أفعل حيث سأبقي العيون عليكم ..
انصرفوا الآن .. وإذا عدتم لمثلها فستكون العقوبة أشد وأقسى انصرف الرجال ولم يعودوا لمثلها أبدا ..

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق