الرئيسيةمقالات

” ليلة من الف ليلة ” في الجزيرة البعيدة / مارسيل خليفة

نقلنا الأغراض وانحدرنا إلى الوادي . ليس في هذا الليل من لحافٍ إلاّ شجر الكينا المترامي ، والقمر يضيء المسافة بين الخطوتين .
مطر الصيف الحارق ينزل على الغابة الرحبة ، ويكسر وحشة النفس في هباء المُطْلَق . لكل زاوية لهذا البيت سرّ وذاكرة وحكاية في المساءات الطويلة التي قضيتها هنا .
لنا ما حصدنا من الحب .
لنا المكان الذي يهب المكان ويحرس ما تركنا من ذكريات : مع الباب مع البيانو مع العود مع الشجرة مع الحيّ مع المقهى مع حلكة ليل لا يضيء سوى الخيال الحرّ .
أيام نبتت في وحدة حيث لم نستهلك حصتنا من الزمان وحديث يروي عن وطن فُقِدَ ذات نهار حامض . وأغنية رقدت في المشاعر وهزّت وتراً في الخيال وتألقت كزمرّدة . يشعلها في البال عصفور حائر بين السٍّرب يأتي كل صباح من اجل كسرة خبز .


ننحدر الى الوادي ، لا أحد في الطريق سوى نجمة تهبط على خطونا . نترك خلفنا وراء ظهورنا وتأكدنا أننا لم ننسى شيء .
كم من قلب معنا نحمله بين قلوبنا .
كم من سرّ في دواخلنا يناجي صمتنا . لا بأس من دمعة نزرفها كي تأخذ حصّتها من الملح . وكم اشتعلت في ليالي الحَجْرِ وفاضت عن السَمَاعْ . وكأن الصدى يمتدّ بعيداً الى خارج المكان ويصنع من ذبذبات الأنغام درجاً للصعود إلى أعلى . ونربط خيّل الايقاع بوتر العود كي يستريح من جموح عصف البيانو .
حملنا أغراضنا وذكرياتنا وانحدرنا الى الوادي في الأفق المسيّج بالحنين . وحملنا خريطة الوطن على الحائط ، من اجل أمل ينبتُ على قارعة الطريق الى غدٍ أكيد . وهي أبهى لوحة لنروي سيرة فلسطين الذي لم نراها . لكنّنا نحفظها كنبض مدهش ووشمٌ على الجسد .


تطالعنا الخريطة كلوحة تغطّي المعبد وتحمله على فرس شهباء . خريطة تخترق اختراق المدى إلى حدّه ، وتلوّن الأفق المُقْفَل بأخضرٍ يفتَحُهُ على اللانهائيّ .
حملنا أغراضنا وبشارتنا وانحدرنا الى الوادي والخريطة هِيَ هِيَ . لوحة خصوصيّة لنُطق التاريخ بالحقيقة المحجوبة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق