نشاطات

يوسف_المسحور_بين_سبع_قبور

كان هناك سلطان جبار،  يحكم في بلاد كبيرة مترامية الأطراف ،

ويسوس الرّعية بالعدل ،ويخاف الله في النّاس، لذلك إتّخذ له وزيرا من خيرة العقلاء ، شاء القدر أن تموت زوجته بعد أن رزقته بثلاثة أميرات :زين وأدب وأخلاق ربّاهن على العزّ،وكان يحبّهن والذي يطلبنه يأتيهن به من ساعته .

كبّرت البنات ،وأصبحن صبايا ، يتحدث بحسنهن  النّاس ،حتى وصل صيتهنّ لكل الممالك المجاورة، وكل مرة يأتي السلاطين لخطبتهن لأبنائهم ،لكن أبوهنّ لا يتصوّر القصر من غيرهنّ،وكان كل مرة يختلق الأعذار لرفض الخطّاب الذين يتزاحمون على بابه ،

وفاتت سنين وسنين ،وأولئك البنات علي ذلك الحال ،كلّ صديقاتهن تزوّجن أمّا السلطان فكان يقنع نفسه أنّ بناته لا يزلن أطفالا ،و كنّ غير راضيات على تصرفات أبيهنّ الذي لا تنتبه لأنوثتهن ،وحسنهنّ الذي يخلب الأبصار،لكن من يقدر أن يقول للسّلطان لا !!!

في يوم من الايام دخلت عليهم مربيتهم ،فوجدتهنّ غاضبات ،لقد شاهدن من النافذة أميرا وسيما إبتسم لهنّ فذهبن للديوان، وإسترقن النّظر من ثقب الباب ،لكن أباهن إعتذر للأمير وقال له إنّهن لا تزلن صغيرات ،فرجعن إلى غرفتهن ،ولما دخلت مربيتهم وجدتهم غاضبات ورفضن الطعام،فقالت لهنّ ان شاء  الله خير ؟ من اغضبكن  يا بناتي ؟ وفي ماذا تفكرن ؟ لا يوجد ما يستحقّ  !!! أجبنها العمر يجري يا خالة، وأبونا السّلطان لا يحسّ بنا ، ولا يريد أن يفهم أننا كبرنا ،وكلّ من في سنّنا ،وحتى أصغر منّا تزوّج ممّن تشتهيه نفسها .

قالت لهم الدادة: سأدبّر لكم حيلة تجعل أباكم للسلطان يفهم أنّكن كبرتنّ ويوافق علي زواجكنّ !!!

هتفوا : قولي لنا عن حيلتك ،وسنفعل ما تريدين ،غادرت المربية  القصر ،وركبت عربة، وقالت للحوذي: هيا بنا على سوق الخضار!!! لما وصلت إشترت ثلاثة بطيخات واحدة بدأت تفسد ،والثّانية طازجة لمن ياكل ، والثالثة مازالت تصبر قليلا ، حين رجعت، قالت للأميرات خذن سلة كبيرة ،و ضعن فيها البطّيخات الثّلاثة ،وغطّوها بمنديل حرير مطرّز بخيوط الذّهب والفضّة ،وإنتظرن جلوس السّلطان في الدّيوان ليتشاور مع كبار الشّيوخ ثم إبعثوا له السّلة مع الخادم،واطلبن منه أن يقول أنّها هديّة من الاميرات.

وضع الخادم السّلة علي راسه، ومشي حتى وصل الديوان ،ثم دخل ،تعجّب السّلطان و قال له:ويحك ماهذا الذي على راسك أجاب الرجل هذه هدية من الأميرات إليك ياسيدي ،وأنزل السلة وإنصرف، السّلطان قال للحارس: ارفع الغطاء لنرى هذه الهديّة ولما فعل ذلك مدّ السّلطان ، وكلّ الحاضرين رؤوسهم، واستغربوا من الهديّة.

إحتار السّلطان ،وبقي يفكرّ ،ثمّ سأل من في الدّيوان : ما معنى هذا، فأنا لم أفهم شيئا؟ فقال كلّ واحد ما جال في خاطره ،لكنّ السّلطان لم يقتنع ،فإلتفت إلى الوزير ثمّ سأله :وأنت ما رأيك ؟

فكلّنا نعرف علمك ،تنحنح الوزير،وإشترط عليه أن يصرف أوّلا الحاضرين، لكن السّلطان غضب ،وقال : إعلم أن هؤلاء هم شيوخ البلاد ،وانّي لا أخفي عنهم شيئا من أمور المملكة ، ردّ الوزير:

اعطيني الأمان ،أجابه السّلطان: تكلّم وعليك امان الله ،قال الوزير ياسيّدي السّلطان عندك ثلاث اميرات مثل القمر في سنّ الزّواج،لكنّك حرمتهنّ من حياتهنّ ، والاميرات صرن الآن صبايا، والبطّيخة الكبيرة لأكبرهن، وهي تقول لك : خلاص فات الأوان ،

والتانية قريب يفوت،
والثالثة في الطريق،
والزّواج ياسيدي السّلطان سنّة الحياة.

ما كاد الوزير ينهي كلامه حتّى تغير وجه السلطان وإحمر من الغضب ،ونادى السياف ،وأمره بقطع رؤوس بناته الثلاثة عقابا لهن ،ووضعها في السلة مكان البطيخات ،جاء السّياف يجري ،وسيفه يلمع في يده ،قال: ياسيدي السّلطان قطع الله يديّ إن مددتها علي الاميرات، رد عليه السّلطان بغضب :

كيف ترفض اوامري أيها اللعين، أجابه :ياسيّدي امرك علي عيني وراسي ،وطول عمره سيفي يطيعك ،لكن هذه سامحني ،ونزل علي ركبتيه، وقال له :هذه رقبتي قدامك اقطعها ،ولا تقطع راس الاميرات ،سينتهي غضبك وتندم إن فعلت ذلك ..

قال الوزير: لا يوجد مخطئ غيري، وأنا من يستحقّ العقاب، ثم جثا على ركبتيه ،ومدّ رأسه ،وقال: نفّذ حكمك يا مولاي ،فالآن أموت راضيا مادامت الأميرات في أمان،رلمّا رأى الحاضون في مجلس السّلطان ما يحصل ،بكوا ثم جثوا على ركبهم ، وقالوا له :

فإقتلنا أيضا، فما نطق السّياف إلا بالصّواب ،وهذه سنّة الحياة من يوم خلق الله حواء لآدم ،وأنت الآن في لحظة غضب فإستغفر الله وإستعذ من الشيطان ،لأنك إن قتلت من تحبّ ستندم لمّا يعود لك عقلك وما فائدة الحياة دون وزيرك الذي أخلص لك ،وبناتك زينة أيّامك !!!

لمّا سمع السّلطان هذا الكلام جزع ،ورمى السّيف من يده ،ثمّ ربت على كتف وزيره ،وقال له أعتذر منك يا أبا علي ،ما كان يجب أن أرفع في وجهك سيفي، لكن حبّ بناتي الثلاثة جعلني أبدو أحمق ،ثمّ طلب من القوم الرّجوع إلى أماكنهم ،وأرسل للجواري لكي يحضرن شايا بالبندق واللوز،وقال ما ترى أيها الوزير؟ إستوى أبو عليّ في جلسته ،وأجاب : يا سّيدي السلطان ، أنا عندي بنت واحدة إسمها شمس الضحى، تعيش في عزّ ودلال ،كلّ ما تشتهيه يأتيها على طبق من ذهب ،أحد الأيّام أتى شهبندر التّجار ليخطبها لإبنه، لمّا سألتها هل تريدين الزّواج من ذلك الولد ؟ تفاجأت انّها موافقة ،وكانت فرحانة ،قلت لها وحك كيف تفرحين وأنت ستفارقنا؟ قالت :لا تقلق يا أبي، سأزورك وقت الغداء ،وآكل من طعامك !!!

ضحك السّلطان ، ثم نهض واحد تاني من الحاضرين، وقال: وانا بنتي ليلة عرسها كانت امّها تبكي علي فراقها، وهي تلهو مع خطيبها !!!

وكلّ واحد حكى على بناته ،وكل مرة كانوا يضحكون ،جاء الشّاي ،ودارت الجواري بأقداح الذهب ونثرن عطر الياسمين في المجلس ،فإنبسط السلطان، وهدأت نفسه .ثمّ قال : لقد فكرت بالعاطفة ونسيت العقل كان علي فقط أن أشترط أنهن يسكنّ قربي فالقصر كبير، وهكذا لا يبتعدن عنّي ،وقد كاد رأس الوزير أبي علي يطير ،لأني استسلمت لقلبي .

قال الوزير: ياسيدي الّسلطان قبل ايام جئنا ملك البلد المجاور وخطب الاميرة الكبيرة لولده و اني خفت أن أقول ك لاني توقّعت انّك سترفض مثل المرّات السّابقة .
أجابه السلطان :ادعوه للنّزول في ضيافتنا، وسآخذ رأي إبنتي .

وبعد ايّام الملك مع إبنه محملين بالهدايا والتحف ،وأطلت الكبرى من النافذة وأعجبها الأمير، ووافقت على الزّواج،ولم يجد أبوها بدا من القبول ،وإشترط عليها أن تأتي عنده كل ثلاثة أيام . وبدأت الإستعدادات للزواج ،ودامت الأفراح سبعة أيام وسبعة ليالي ،و علقوا الزّينة في كل البلاد وذبحت الذبائح ،وأقيمت الولائم لكل الناس ، وأكل الفقراء وشربوا في دار السلطان ودعوا له بطول العمر .

وفي اليوم السّابع جهزوا الاميرة ،وزيّنوها ،وكانت ماشاء الله جميلة مثل القمر، والفرحة زادتها حسنا، وحولها أخواتها والمربية  وقد علتهم البهجة، فاخيرا سمع أباهم السلطان كلامهم ووافق على زواجهم ، و جهّزوا العربة أحاط بها والجواري والخذم ورافقوها لقصر ولد السلطان في موكب ملكي ودخلت الاميرة جناحها ،كان الأمير فرحانا بعروسه وفي أتمّ زينته ،وأوّل ما وضع رجله في عتبة الجناح انشقّ الحائط وطلع منه مارد مخيف يتطاير الشرر من عينيه، ولوّح في وجه الأمير بسيف ضخم وقال له :قف عندك !!!

هذه الاميرة ليست من نصيبك ،وهي مكتوبة ليوسف المسحور المدفون بين سبعة قبور !!!

وقف الفتى مدهوشا لا يفهم ما يحصل ،لكن المارد كان مخيفا ،فهرب الأمير من الجناح ولما إبتعد عاد المارد للحائط الذي طلع منه واختفي!!!!

ماذا سيحصل للأميرة ،ومن هو المارد ومن أين أتى ؟ ومن هو يوسف المسحور اللي المدفون بين سبع قبور؟

.[الأميرة ندى الورد]

رأى الخدم الأمير يغادر جناحه على عجل دون أن يلتفت وراءه ،فتعجبّوا رأوه ،كان موكب بنت السّلطان يستعد للرّجوع لأرضه ،حينما جاء أحدهم ،فوجد الوزير واقفا ،فحكى له ما حصل،قال الوزير :قد يكون يريد شيئا ،ليس هناك ما يدعو إلى القلق!!!أجاب الخادم : لقد لمحت الذّعر على وجه سّيدي ، كأنّي به شاهد شيئا أخافه ،إحتار الوزير، وقال : لا أعتقد أنه يوجد عند الأميرة ما يخيف فهي رقيقة كنسيم الهواء، وكل من يعرفها يحبها لطيبة قلبها وأدبها !!! لكن ليطمئن قلبي سأمرّ الأمير وأعرف ما جرى ،
وما كاد يتحرّك من مكانه حتّى رأى الفتى جالسا في لأحد الأركان ة،وقد إنكمش على نفسه ،فإقترب منه ،وسأله: مالي أراك مكسور الخاطر ؟ هل حدث ما نغّص فرحة عرسك ؟ نظر إليه بعينين زائغتين، وأجاب : لا يوجد شيئ ،والأميرة من ألطف البنات ،وهي تحبّني ،لكن لمّا دخلت عليها أظلمت الدّنيا في وجهي ،وأحسست بضيق في صدري ،ولقد تشاءمت من هذا الزّواج ،ومن الأفضل أن نفترق هذا الإحساس يساورني كلما أراها ،ولعلّه سحر،دسّه البعض لي ،أرجوكم يجب أن تفهموا أنّي لم أقصد الإساءة للسّلطان، ولا لإبنته ،ما حدث لي اللية حقّا مخيف .
طبعا لم يقدر أن يتكلّم عن الجن الذي رآه في الحائط ،وما قاله له ثم أخفى وجهه بين يديه، وبكى !!! إنزعج الوزير ممّا سمعه ،وضرب كفّا بكف وقال : ويحي ،ماذا سأقول للسلطان ؟ فأنا الذي شجّعته على تزويج بناته ،ولا شك أنّه سيصبّ عليّ جام غضبه ،لكن في النهاية ذهب إليه و،قال لهّ هناك من يضمر لنا السّوء ،وسحر الأميرة لكي لا تتزوّج ،إندهش السّلطان من هذا الخبر ولم يعد يستطيع الوقوف ،أحضرت له جارية كرسيا جلس عليه ،وقال :سأحاول إقناع ذلك الفتى بنفسي !!!
أجاب الوزير: لا فائدة يا مولاي، فلقد إقترحت عليه كلّ شيئ ،حتّى السّكن في واحة خضراء ،أو قرب البحر ،لكنه خائف من شيئ لا أعرف ما هو !!! قال السّلطان: إذن أنا في مصيبة ،ماذا سيقول الناس على الأميرة نور ،بعدما كانت سيرتها مثل المسك ،ومضرب الأمثال في في العفة والأخلاق ؟ ولاح عليه الحزن الشديد ،وبقي يتساءل كيف يحلّ هذه المشكلة ،فكّر الوزير ،ثم قال : ليس هناك سوى حلّ واحد يا مولاي !!! صاح السّلطان : وما هو يا رجل ؟ صمت الوزير قليلا :ثم أجاب : سنزوّج الأمير من الأخت الوسطى ،ولن يعلم أحد بذلك ،ونخفي شأن الأميرة نور !!! قال السلطان: فكرة مدهشة ،ولن يحسّوا بشيئ .
لم يعترض محمود ،ووافق على للزّواج ،من ياسمينة أخت الأميرة نور ،لكنّه لمّا أراد الدّخول لجناحها ،خرج له المارد مرّة أخرى، والشّرر يتطاير من عينيه ،وقال له :هذه البنت ليس لك ،وهي مكتوبة للكلب ذو السّبعة سلاسل ،فخاف وهرب مثل المرّة الأولى ،وصل الخبر للوزير ،فجاءه وقد ظهر الإنزعاج الشّديد على وجهه ،فسأله ما الذي يحدث معك بحق االله ورسوله ؟ أعاد عليه ما قاله من قبل ،و أنه يحس بإنقباض في قلبه لا يعرف مصدره ،وهو مضطر لطلاق الوسطى أيضا ،لم يعرف الوزير ما الذي سيقوله للسلطان ،وخاف من غضبه إن سمع بما جرى .
تردّد قليلا ،ثم جاء للسلطان الذي كان يهم بركوب عربته والإنصراف ،وقال له : لقد أعاد الأمير فعلته مع الأميرة ياسمينة ،وهرب منها ،كاد السلطان أن يسقط أرضا ،لكن الوزير أسنده على كتفه فوقف السلطان ،وقد إحمر وجهه من الغضب ،ثم صاح :أين ذلك اللعين ؟ أحضروه لي ليفسر لي ما يحدث ،وإلا ضربت رقبته !!! أنت السّبب فيما ما جرى،هل تعلم ذلك ؟ لقد كنت أنا وبناتي في أحسن حال حتى أقنعتني بتزويجهنّ أنت وأولئك الشّيوخ من حكماء المملكة ،هل رأيت الورطة التي نحن فيها الآن ؟
إنتظر الوزير بصبر حتى هدأ السلطان ،ثم قال له: لو تعرّضت لذلك الفتى محمود لأعلن علينا أبوه الحرب ،ولا يخفى عليك أن جيشه يفوقنا عتادا وعدّة ،وهو صديقك ومن حلفائك المخلصين !!! أرى يا مولاي أن نزوج الأمير البنت الصغرى ندى الورد ،ونخفي خبر الأميرتين، ولن يعرف أحد بسرهما ،وسيعتقد النّاس أنها هي عروس الأمير،فكّر السّلطان وفكر ثم قال: إن حاول الهرب مرّة أخرى فلن أتردّد في إرسال من يقتله ،ولعلمك أنا لا أدع ولدا لئيما يسخر منّي ،هل فهمت ؟
لم يجد الوزير شيئا يقوله ،وبعد أيام جاء موكب ندى الورد ومعه رجل ملثّم ،إختفى في حديقة القصر ،بعد أن طلب السّلطان منه قتل محمود إن لم يدخل على زوجته الليلة .جلست الأميرة على فراشها ،وإقترب محمود وهو يحاذر من مارد الجنّ ،لكن لم ير شيئا ،ففرح بعروسه ،انتظر السّلطان ،حتّى إطمأنّ على إبنته الصغيرة ،وقال في نفسه : هذه المرة يمكنني أن أذهب إلى فراشي ،وأنام قرير العين …
لكن ماذا سيحصل للبنت الكبرى نور التي رأت مارد الجنّ ،وسمعت بالأمير يوسف المسحور الذي كتب لها القدر أن تتزوج منه ؟
.

[رحلة البحث عن المكتوب ]

مرّت الأيام ولما مضى أسبوع على زواجها جهّز السلطان نفسه، وأخذ بناته ومربّيتهم وذهبوا إليها في موكب عظيم فيه عشرون جملا محملا بالهدايا النفيسة من عطور وثياب وبخور ،وإستعظم الناس ما رأوه ،ووقفوا في جانبي الطريق يهتفون للأميرة ندى الورد بالسّعادة ،إبتهج السّلطان بنجاح حيلته ،فالكلّ يعتقد أن الأمير عشق إبنته الصّغرى وتزوجها ،ولا يعلمون ما حصل لأختيها الأكبر منها .
لمّا وصل الموكب فرحت البنت بأبيها وأخواتها وأرتهم قصرها فدهشوا لجماله ،ولكثرة الورد والرياحين والمياه الجارية ،ولمّا سألوها عن حالها أخبرتهم أن الأمير فتى لطيف ويحبها، ويحضر لها كل ما تشتهيه ،ومشكلتها الوحيدة هي أنها لا تقدر أن تزورهم لبعد الطريق ،فقال ها أبوها سأترك أختك الكبيرة معك لتأنسك ونعود لأخذها المرة القادمة ،قالت البنية وبعد ذلك أترك أختى الوسطى ياسمينة ،فقال السلطان موافق ،ولن أتركك وحدك ،ثم حضر الطعام ورصف العبيد الأطباق على الموائد وكان فيها أصناف الطيور من حجل وسمان  وبط ودرّاج ،والسّمك ،ثم دارت الأشربة والحلوى ،والتمر، فأنبسطت نفس السّلطان ،وسرّ كثيرا بإبنته .
وفي الغد ودّع ندى الورد ونور وقال لهما : إستمتعا بوقتيكما ،يمكنني الذهاب وأنا مطمئن ،فالملك صديقي ووعدني أن يرعاكما مثل أهله ،ما كاد يبتعد ،حتى قالت لأختها :أريد أن أعرف ماذا حصل ليلة عرسي، فلقد سمعت صوتا خشنا يكلّم الأمير، وإثر ذلك خرج من عندي لا يلوي على شيئ ،وناديته فلم يلتفت إليّ ،فلقد كان خائفا جدّا ،إستمعت ندى الورد ،ثم قالت : فعلا إنّها حكاية عجيبة ،سأسأله عمّا حصل ،وغدا أخبرك بما قال !!!
في المساء قالت ندى الورد للأميرلقد سمعتك أختي ليلة عرسها تكلم أحدا ،ويبدو أنه جعلك تتركها وتهرب ،أجاب الأمير :لم يحدث شيئ !!! ما الذي دفعك إلى الحديث عن ذلك ؟ هيّا نذهب إلى الحديقة ،لنروّح عن أنفسنا وننسى الأمر !!! تلطفت البنت معه، وأطعمته عنبا بيدها ،وأعادت السّؤال ،فقال لها : حسنا سأجيبك ،لكن يبقى ذلك سرّا بيننا !!! أومأت برأسها ،فنظر إليها ثم قال: لقد خرج مارد من الجنّ، وأخبرني أنّ أختك الكبرى مكتوبة ليوسف المدفون بين سبعة قبور ،ولقد هددني بسيفه الضخم ،ووأعترف لك أنّي خفت منه .
سألته ،وهل قال شيئا آخر؟ أجاب: لقد إختفى بسرعة ،والآن هيا نواصل طعامنا وشرابنا بهدوء .في الصّباح أخبرت الأميرة أختها بما سمعته ،فتعجبت من هذه الحكاية ،وقالت: ليلة عرسي حلمت أنّي ضائعة وسط غابة كبيرة ،وفجأة خرج فارس جميل الوجه من بين الأشجار، وأركبني ورائه على حصان من كرام الخيل، وقال: سأوصلك إلى قصرك ،أتذكّر أني كنت سعيدة ،لكن خرجت أشباح سوداء ورائنا ،فأنزلنى على الأرض وطلب مني الإختفاء بسرعة ووعدني بالرّجوع .لكن مضى النهار ولم يأتي أحد ،ثم أفقت من نومي ،وقلت يا له من حلم جميل !!! والآن تأكّدت أني لم أكن أحلم، وذلك الفتى هو يوسف،و لا يمكن أن أتركه وحده !!!
إنزعجت أختها وضربت على صدرها ،وصاحت لو علم أبوك السلطان فسيعاقبك بشدة ،وأنا معك !!! ثم أين ستبحثين عليه ،فالغابات كثيرة ومتشابهة ،ردت عليها إذا رأيتها فسأعرفها فهي مليئة بالفراشات الملونة رائعة الجمال ،وأبي لن يرجع قبل أسبوع ،وخلال ذلك الوقت أكون قد عثرت على يوسف .فكّرت أختها قليلا ثم قالت: لن أسمح لك بالذهاب إلا إذا رافقك حرّاسنا !!! أجابت الأميرة نور: سأذهب وحدي لكي لا ألفت الإنتباه ،سأتنكر في زي رجل فقير،وأركب حمارا ،ولا تخافي عليّ، فأبي علمنا جميعا كيف نقاتل بالسيوف ،سآخذ واحدا وأخفيه في طيات ثوبي .
في الغد كان الحمار جاهزا ،وعليه زاد وقربة ماء ،فودّعت الفتاة أختها الصغيرة التي شرعت في البكاء ،فقالت لها: لا تبكي، سيكون كلّ شيئ على ما يرام !!! فمن حقّي أن أبحث عن سعادتي ككلّ البنات ،ثم سارت في طريقها تدخل من غابة وتخرج من أخرى ،وهي تتأمل في الأشجار ،وتحاول أن تتذكّر ما رأته في منامها ،وطالت الرّحلة ،وجاء أبوها ولم يجدها ،فقالت له إبنته الصّغيرة أنّها خرجت في فسحة في الغابة مع بنات الأعيان ،وسيمضون بضعة أيام ،غضب السلطان منها ،وصاح كيف تسمحين لها بالذهاب دون إذني ؟ سيكون عقابكما شديدا .
ندمت الأميرة على ترك أختها تذهب وحدها،وصاحت: أين أنت يا نور ؟ وكيف تفعلين بي ذلك ؟ أمّا نور،فقد وصلت إلى غابة كبيرة ،ثمّ جلست على الأرض ،وفتحت جرابها ،ثمّ قالت في نفسها :لم يبق معي الكثير من الطعام والماء ،إن لم أجد شيئا هنا פفسأرجع من حيث أتيت !!! وبينما هي تفكّر جاءت فراشة وحطت على كفّها ،ثم تجمّعن حولها ،فرحت البنت وقالت :إنها نفس الفراشات الجميلة التي رأيتها في الحلم ،ثم بدأت تمشي وتنظر حولها ،وفي بعض الأحيان تنادي يوسف ،إلى أن وجدت شجرة توت برّي ،فتسلفتها وشرعت في الأكل.
ومن بعيد شاهدت شيئا يلمع تحت الشمس ،فنزلت وذهبت لترى هذا الشيئ الغريب ،فوجدته رخامة مصقولة مسحت عليها التراب فإنعكست عليها صورتها كالمرآة فتنهدت وقالت
يا رخامة ما أجملني
وما أحلى وجهي
لكن السعد غاب عني
ويوسف أراه في أحلامي
ولبيت النداء
لكنه وعدني بالحب وما أتى
لكن الفراشات اللواتي كنّ يطرن حولها، ضحكن، وقلن لها بصوت جميل:
لا تكثري في الكلام
يا باحثة عن سعدها
ستأتيك الأيام بما كتبته لك
لكن قبل ذلك إرفعي الرخامة
وأنظري ما تحتها
تعجبت البنت مما سمعته ،وقالت :كأن الفراشات كنّ ينتظرن مجيئي إلى هنا !!! من المؤكد أنّ هناك سرّ تحت هذه الرخامة ،لو كان يوسف محبوسا هنا ،سأنقذه وأرجع معه إلى القصر فلقد تأخرت كثيرا على أختي …
ماذا ستجد البنت تحت الرخامة ، وماذا لو كان فخا منصوبا لها من الجنّ الذي خرج من الحائط ؟

خافت الأميرة ،وتردّدت قليلا ،ثم قالت في نفسها :سأرفعها سواء وجدت تحتها غولا فيأكلني وأستريح من تعبي ،أو أجد يوسف وأنقذه ،ثم زحزحت الرّخامة الثقيلة ورأت تحتها مدرجا من المرمر المصقول الذي يقود إلى دهليز داخل الأرض ،بقيت تنظر للمدرج وتتسائل : ماذا يوجد يا ترى في آخر المدرج ؟ هل أنزل أم لا ؟ بينما هي حائرة ،وتفكّر ،كلّمها صوت ،وقال لها: عليك أمان الله ،لا تخافي !!! إنزلي، وليس هناك إلا الخير ،لما سمعت البنت ذلك تشجّعت ،وقالت: قد يكون هذا صوت يوسف ،ثمّ مدّت ساقها ،ووضعتها على الدّرجة الأولى ،وشرعت في النزول وهي تحاذر أن يهاجمها أحد الهوام السّامة التي تمتلأ بها الحفر والمغاور .
ولمّا لامست الأرض وجدت نفسها في قصر من المرمر ،نقشت عليه رسوم بديعة ،والأبواب من خشب الصّندل المطعم بالعاج والذهب وفي الزّوايا تماثيل لأصناف االوحوش من أسود وفهود، وعلى النّوافذ ستائر المخمل ،وقفت تتفرّج، ثمّ قالت :لا يمكن أن يكون هذا القصر وما فيه من نفائس لملوك الإنس ،وفجأة طلعت لها فتاة لم ير الرّاؤون في مثل حسنها كأنها القمر ، تلبس ثوبا من الحرير المطرّز بسلوك الذهب والفضّة ،وفي رقبتها عقد من اللآلئ الثمينة ،خافت الأميرة ،وصاحت: هل أنت إنس أم جنّ ؟ قالت لها الفتاة :أنا التي كلمتك ،وإعلمي أني من أميرات الإنس، وبقيت هنا حبيسة هذه الجدران ، وأنت أوّل واحدة من جنسنا أشاهدها منذ سنوات طويلة !!!إسمعي شكلك يوحي بأنّك مرهقة وجائعة ،سأسخّن لك الماء ،دخلت نور الحوض، فإستحمّت ،وأحسّت بالراّحة فقد علاها الغبار ،وآلمتها قدميها ،ثم أنّها لم تأكل طعاما ساخنا منذ أيّام .
بعد قليل نادتها الفتاة ،فرأت على المائدة قصعة كسكسي باللحم مع اللبن الرّائب ،وصحفة زيتون وزيت ،ولمّا قربت نور يدها ، توقّفت فجأة ،نظرت إليها الفتاة ،وقالت : لا تقلقي هذا لحم خروف ،ومن حبسني هنا يهتم بطعامي وشرابي !!! سأتها نور أخبريني من حبسك ولماذا ؟ أجابتها: إنها قصة طويلة !!! اليوم إستريحي ،وغدا أحكيها لك ،فليس لدينا شيئ نعمله ،قالت نور : لا يمكنني البقاء هنا طويلا ،عليّ أن أجد يوسف ،وأرحل قبل أن يفطن أبي لذهابي ،ويعاقب أختي !!! قالت لها :نامي وغدا سنتحدّث . ثمّ قادتها إلى غرفة فيها فراش من ريش النعام ،وفراء الحيوانات، فارتمت عليه واحسّت بالدّفئ ،وبقيت تفكرّ من هي تلك الفتاة ،ولمن هذا القصر، ومن أين يأتيها الطعام والشّراب في هذا المكان المغلق؟ وهل توجد منافذ أخرى ،تزاحمت الأسئلة في رأسها ،لكن لم تجد جوابا مقنعا، وأحسّت أنّ جفونها ثقيلة ،ثم راحت في نوم عميق .
في الصّباح لمّا نهضت، وجدت الفتاة واقفة عند رأسها تحملق فيها، وقد حملت في يدها طبقا فيه فطائر ،قالت نور :سآكل ،وأنت تقصّين عليّ حكايتك ،هل أنت موفقة ؟ أجابت الفتاة :نعم سأفعل هذا على شرط أن تقولين لي من هو يوسف الذي تبحثين عليه !!! أومأت نور بالإيجاب ،ودسّت في فمها قطعة فطائر كبيرة ،ثمّ نظرت إليها ،بدأت الفتاة تحكي : أنا يا سيدتي بنت سلطان في بلاد بعيدة، وعشت مثل كلّ الأميرات عيشة مرفهة ولي أختين أكبر مني ،وبعد أن كبرت جاء فارس، وخطبني، وفرح أبي وأمّي ،وبدأنا نجهّز للعرس ،وليلة الزّفاف، وأنا في أبهى زينة ، امتلأت السّماء فجأة بالسّحب السّوداء ،وهاجت الرّيح وقصف الرّعد ،وطلع مارد من الجنّ قبيح الشّكل ،وخطفني من أهلى، وطار بي حتّى وصل إلى هذا القصر، فحبسني ،والآن مضى عليّ ثلاثة سنوات، وأنا هنا ،ولا يمرّ يوم دون أن أفكّر في أبويّ، وخطيبي المسكين.
وكلّ أربعة أيام يمرّ المارد ،ويأتيني بجيفة حمار و إلاّ جمل ويطلب منّي أن أطبخه له ،أمّا أنا فيحمل لي خروفا أو ارنبا يسرقه من ضيعة قريبة ،وفي الأيام الأولى كنت لا آكل ولا أشرب حتى كدت أموت ،لكني أشفقت على نفسي ،وصرت آكل قليلا ،وارجوه أن يطلقني ،ولما حاولت الهرب هدّدني بقتل أهلي ،وتعليق رؤوسهم في الأشجار، فخفت ،وصرت أطيعه ،ومرّت الأيام والشهور، وأنا لا أعرف ماذا حلّ بابي وأمّي وإخوتي ،لكنّه في أحد الأيام أخبرني أنّ أختاي قد تزوّجتا ،فندبت حظي ،كانت الفتاة تتكلم وتبكي ،ثم مسحت دموعها، وقالت لها : هيا أخبريني بقصتك، فأنا أحبّ أن أسمعها ،فلا شك أنّها مشوّقة !!!
أخذت نور تروي قصتها و من يوم ما خطبتها حتى خروج المارد من الحائط وحديثه عن يوسف ولما أتمتها ترقرقت الدموع في عينيها فقالت لها: المرأة لا داعي للحزن، فأنا أقدر على مساعدتك ،وسأسئل ذلك الجن ربما يعرف شيئا عن يوسف المسحور، وهو سيأتي الليلة أو غدا ، وعليك بالإختفاء وإلا أكلك والآن إذهبي وأخفي حصانك في مكان بعيد، وانت راجعة أحضري معك حيوانا صغيرا .طلعت الاميرة وأخفت وراء الأشجار ،ووضعت له طعاما و ماءا . وفي الطريق رأت فأرا ،فرمت له جرابها ،وكان فيه قدّيدة ،ولمّا شمّها دخل ليأكل، فأغلقت عليه الجراب ،وحملته معها إلى القصر ،ثم نزلت للدّهليز وأغلقت الرّخامة بعد أن وضعت تحتها حجرا لكيلا ينغلق وراءها ،وتصبح حبيسة مثل رفيقتها …

لمّا رأت نور الأميرة أعطتها الفأر .وبعد قليل أظلمت الدنيا، وامتلأت السّماء بالغيوم ،وعلا صوت الرّعد ، قالت الفتاة لنور : ويحنا !!! لقد جاء الجنّ: تعالي أخفيك في طنجرته ، ولا تخرجي من هناك مهما حصل. أقبل ذلك الجنّ بشكله المرعب ،وعينيه اللتان التي تقدحان الشرر ،وما كاد يطل برأسه في الدهليز، حتى صار لونه أحمر، وصاح الجنّ : آدمي في قصري ، سأرميه الليلة في قدري وسأشعل عليه جمري !!! أين هو .. آه .؟ جاءته الفتاة ،وقالت له: ليس هناك غيرك ، وتلك الرائحة هي لفأر دخل من بعض الشقوق ،طلب منها أن تشويه ،فلمّا نضج أكله ،ولحس شفتيه ،وقد أعجبه مذاقه.

بعد قليل سألته: بالله عليك، هل تعرف شيئا عن واحد إسمه يوسف المسحور ؟ فتح عينيه ،وأجابها: لماذا هذا السّؤال ؟ ثم ضربها على يدها ،حتى كاد يكسرها ،وقالها لها :ما الذي خطر ببالك لتسأليني عن هذا الشخص ؟ ردّت وهي ترتعش من شدّة الخوف : لا شي ..لا شيئ !!! كل ما في الأمر أنّي سمعت به من زمان، وأريد أن أعرف حكايته ،فلا بدّ أنّها مسليّة ،لقد سألتك مرّة عنه ، ووعدت أن تجيبني !!! حكّ الجنّ رأسه ،وأجابها : لا أذكر ذلك ،لكن أنصحك أن لا تسأليني عنه مرة أخرى ،هل فهمت ؟ قالت :لن أفعل ذلك ،ثم إبتسمت ،من الواضح أنّ الجنّ يعرف يوسف، وهو نفسه الذي ظهر له في المرتين السّابقتين، وطلق بسببه نور وياسمينة ، ودون شك يوسف محبوس في مكان ما والسّؤال أين ،ولماذا ؟

رمى لها كعادته جيفة حمار، وطلب منها أن تطبخه له مع القرع ، وضعت القدر على النار رغم الألم في بيدها التي ضربها عليها. ، جهزت له العشاء، فمدّ يديه وأكل حتى شبع ، ثم توسّد ذراعه ونام. إثر ذلك تحوّل لون الدّهليز من الأحمر للأصفر ،وإنتظرت الاميرة قليلا لتتأكد من نومه ،ثمّ نهضت وملأت صحفتين من حساء الغزال الذي طبخته لها ولضيفتها ، وتعشّتا معا في ركن بعيدا عن الجنّ ،وأثناء العشاءسألت بنت السّلطان الفتاة إنكان أخبرها الجنّ قد أخبرها بشيئ عن يوسف ؟! فأشارت إلى يدها المضروبة ،وقالت هذا هو جوابه على سؤالي !!!

فأخذت نور قليلا من زيت الزيتون ،ومسدت.يدها ، فأحسّت الأميرة بالرّاحة، وقالت لها :الآن نامي ،والصّباح سأرى ماالذي يمكن فعله من أجلك ،واعلمي أنّي لن أدّخر وسعا في سبيل مساعدتك.!!!
في الصّباح لمّا خرج الجنّ رجع لون الدّهليز كما كان .وبعد قليل جاءت الاميرة لضيفتها بخبز وعسل وجبن ،فأفطرتا مع بعضيهما ،ثم قالت لها : إسمعي ،لقد إنصرف الجنّ، ولقد فكّرت في شأنك ،ووجدت أنّه من الحكمة أن لا أكلمه هذه الليلة عن يوسف ،فقد يدفعه ذلك للشك في أمرى، لكن عندي لك حل !!! أخرجي للبحث عن أختي الأكبر منّي، ،لعلها تقدرعلى مساعدتك ،فهي ازيد حيلة !!! سألتها ،وأين أجدها؟ أجابت الأميرة :هي سجينة مثلي في دهليز تحت الأرض ،ولمّا تتوسّط الشّمس كبد السّماء ،أنظري جيّدا ،فستلمع لك رخامة مصقولة مثل المرآة ،حرّكيها ،وإنزلي الدّرج ،ستجدين قصرا ثانيا فيه أختي ،واحك لها قصّتك.

ثمّ جهزتها بكل ما يلزمها للرّحلة واعطتها لوزة ،وقالت لها إذا ضاقت بك الحال فاكسريها، وبعد ذلك سلّمت عليها وودّعتها.مشت نور فى الغابة أيّاما ،وكل ما ترى شيئا يلمع تذهب وترى حت أخذ منها الإعياء مبلغا عظيما وأشرف الزاد والماء على النفاذ ،وتساءلت ومذا لو كانت هذه الحكاية خدعة من الأميرة لكي تخلص منها ،وبينما هي تسير هائمة على وجهها رأت فراشات ملونة تحلق حولها ففرحت ،وقالت في نفسها :الرخامة ليست بعيد فلقد أرت هذه المخلوقات المرة الأولى لما ضعت في الغابة وربطت حصانها ،ومشت وهي تنظر هنا وهناك ،ثم فجأة ظهر على وجهها السّعادة، فلقد رأت من بعيد شيئا يلمع وسط الضخور ،ولما إقتربت منه صاحت :الرّخامة !!! هناك يوجد القصر الثاني ،وربما يكون يوسف محبوسا هناك…

داخل القصر الأخير ……

زحزحت نور الرّخامة ،فرأت تحتها دهليزا نزلت فيه ،وفي النهاية وجدت نفسها في قصر أكثر فخامة من الأوّل ،فأدارت رأسها يمينا وشمالا ،وتعجبت من جمال الزخارف على الحيطان وكثرة التحف والفضة ،وبينما هي كذلك جاءتها فتاة جميلة، فسألتها عمّا تفعله هنا ،ومن دلها على هذا المكان ؟ فأجابتها: لقد كنت مع أختك الصّغرى في القصر الأول ،وهي من أرسلتني إلى هنا ،فرحّبت بها غاية التّرحاب ،وطلبت منها أن تقص عليها حكايتها ،وما الذي اوصلها إلى الجنّي المخيف صاحب الثلاثة قصور ،فجلست نور ،وترشفت من فنجان الشاي فأحسّت بانتعاش نفسها ،وحكت لها ما جرى في ليلة زواجها مع الأمير،وكيف خرج ذلك الجنّي من الحائط ،وقال إنها مخطوبة ليوسف ،وكيف فعل نفس الشيئ مع أختها الوسطى ،ولقد خرجت دون علم والدها لمعرفة من هو هذا الفتى الغريب ،وما هي قصّته !!!
قالت الفتاة : ما أغربها من حكاية ،سأحتال على الجنّي لمّا يأتي الليلة ،وآتيك بالخبر اليقين،أمّا الآن فأخرجي من الدهليز، وآتيني بحيوان صغير!!! فدارت نور حتى تعبت ،ولم تجد سوى ريشة غراب. في المساء جاء الجنّي فتغيّر لون القصر إلى الأحمر ،ووقف يتشمّم الهواء ،وصاح هناك أحد هنا !!! فجاءته الفتاة وقالت ،ومن يقدر على دخول قصر مولاي ؟ لا شك أنه أنه طائر تسلل من أحد الشقوق ،وحين لم يجد ما يأكله خرج ،وترك خلفه ريشة ،صاح الجنّي: يا لك من حمقاء ،كيف يفلت منك ؟هيا إحرقي تلك الرّيشة لآكلها ،واحضري الطعام فإني جائع !!! قدّمت له الريشة في صحفة، فسفّها مع الماء ،ثم وضعت القدر على النّار،وقالت سأطبخ لك رأس الجمل الذي أتيت به مع العدس ،والتوابل .
ظهر السّرور على وجه الجنّي ،وأجابها : هذا جيّد ،فأنا أحبّ هذا النوع من الطعام ،ثم جلست الفتاة بجانبه ،وطلبت له أن يحكي لها عن قصة يوسف المسحور ،فنظر إليها وقد ظهر عليه الحنق، وسألها :وما يهمّك من أمره يا لعينة !!! ثمّ من أخبرك عنه ؟ أجابت وهي ترتعش: إني أشعر بالقلق ،وأحببت أن أسمع منك حكاية تذهب عني السّأم ،فأنا هنا كما ترى وحيدة . فأخذ عصا وضربها على ساقها ،ثمّ قال مهدّدا سأحكي لك عن ما تريدين، لكن لا تسأليني عن يوسف مرّة أخرى ،هل فهمت ؟ والآن هيا أحضري لي عشائي !!!لمّا تعشّى الجني ،ونام ،أخذت الفتاة فطيرا وزيتا وجبنا ،ذهبت إلى ضيفتها وهي تعرج، وأرتها ساقها المتورّمة ،فأخذت نور شيئا من الزيت ،ودهنت بها ساقها ،قالت لها الأميرة : لا أقدر أن أساعدك ،وأخشى أن يقتلني الجنّي إن فاتحته في موضوع يوسف مرّة أخرى ،ولكن إذهبي إلى أختي الكبرى المحبوسة في القصر الثالث ،فهي أكثرنا حيلة ،ودهاء .
في الصّباح جهزتها بالزّاد والماء ،وأعطتها أيضا لوزة ،وقالت لها: إكسريها وقت الحاجة ،ثم خرجت نور تبحث في الغابة ،وتنظر هنا وهناك ،ولم يطل بها البحث حتى عثرت على الرّخامة ناحية الشّمال، وقبل أن تدخل نور إصطادت ثعبانا صغيرا ،ورمت به في جرابها ،ثم نزلت في الدّهليز ،كان القصر الثالث أكبر قصور الجنّي ،وفيها أكداس من الذهب والجواهر ،وبينما هي مندهشة ،إقتربت منها فتاة طويلة القامة يشع من عينيها الذّكاء ،وقالت لها لا أعتقد أنّ وجودك هنا مصادفة ولا شكّ أنّك مررت بالقصرين الآخرين ،وتكلّمت مع أختاي الأصغر منّي ،كيف حالهما فإني قد إشتقت إليهما كثيرا !!!
تعجّبت نور من فراسة الفتاة ،وقبل أن تفتح فمها، قالت لها: الثلاثة رخامات مصفوفة على شكل مثلث :إثنين في القاعدة ،وواحدة في القمّة ،ولا يمكن أن ترين هذه الرّخامة قبل مرورك بالأولى والثانية وقراءة ما هو مكتوب عليهما ،فلا أحد يصل إلى هنا دون سحر، والآن هيّا بنا نجلس، وقصّي عليّ حكايتك !!! وبدأت نور تحكي عمّا حصل لها مع الجنّي، وعن يوسف المسحور ،وعدم قدرة أختيها على مساعدتها، والضّرب اللتين تعرّضتا له من الجنيّ ،كانت الفتاة تستمع بانتباه ،ثم قالت : ويحه !!! سيأتي اليوم الذي أنتفم منه ،لا أحد غيري يعرف الجني ،وسأنتزع لك خبر يوسف رغما عن أنفه ،وترجعين قبل أن يفطن أباك لغيابك .أرى أنك قد أحضرت ثعبانا صغير ،هات الجراب ،فقريبا يحضر ذلك اللعين ويشم رائحتك …

يتبع …

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق