مكتبة الأدب العربي و العالمي

التفاح_الحباري الجزء الثالث

وسأرى ما يفعل عندما يجد نفسه بمفرده …
.وجدت قمر نفسها في حديقة واسعة تسر العين فيها البط والإوز والأسماك الملونة ،والرياحين لكن ليس بها أشجار مثمرة ، لما أتو بها بقيت في ركن وكانوا يحملون إليها الأعشاب الجافة كل يوم فلا تقدر أن تأكلها، وأحسّت بالجوع فأكلت أوراق الشّجر،راقبها السّلطان يومين أو ثلاثة فرأى أنّها دائما منزوية في ركنها ،وقليلا ما تغادره، ثم نسي أمرها ،أحست قمر بغيابه فبدأت تتجوّل بحريّة في الحديقة، وتعوّد أبناء الملوك وجواري القصر على هذا الجمل الصغير ،ولمّا لاحظوا أنّه يحبّ طعامهم صاروا يقدّمون له الخبز والتّمر والتين ،وأصبح يمرح معهم ،وأحبّوه ، أصبحت قمر أحسن حالا ،وإمتلأ جسمها وزاد جمالها .
وفي الليل كانت تنزع جلد الجمل وتستحم في البحيرة ،وتمسح جسمها بالورود فتبقى رائحتها عطرة ،تمّ تضع الجلد الذي يمنحها الدفئ، وتنام حتى الصباح .في أحد الأيام حلم السّلطان حلما مزعجا ،ورأى فيما يراه النائم أنّ حيّتان حاولتا قتله ، لكن خرج طائر من الغابة، أنقذه ،أصابه الأرق ،ولم يعرف تفسير هذه الرؤيا ،فنزل إلى حديقة القصر ،وجلس تحت شجرة أمام البحيرة ،وفجأة رأى الجمل يقترب من الماء ،ويلتفت يمنة ويسرة ،ثم يخلع جلده وتظهر تحته فتاة عارية رائعة الجمال ،دهش السلطان من روعة جسدها ،ثم أخذ يسترق النّظر إليها وهي تستحم ،وتمشط شعرها ،ثم شرعت في الغناء بصوت رخيم :
ليس هناك من يراني
لا أحد يعرفني
بعيدة في النهار
عن السّمع والأنظار
ظلام الليل ستار
يحفظ كلّ الأسرار
هناك في وحدتي
أعدّ أوراق الأشجار
وأناجي الأقمار
وغنت معها الجنادب و الضّفادع ،ورقصت الأسماك الصّغيرة على الماء ،كان سحر قمر يصيب كل شيئ حولها فيجعله سعيدا ،وأحسّ السّلطان بنفسه تنبسط ،ويذهب عنه الغمّ ،وبقي في مكانه ،حتّى خرجت من الماء ودهنت جسدها بالورد كما تعوّدت أن تفعل ، ثم غطت نفسها بالجلد ،وذهبت في حال سبيلها ،لم يعد يشعر السلطان برغبة في النوم ،ولم تغادر صورة البنت خياله ،وشعر بالحب يتسلل لقلبه ،وإحتار ما يفعل ،وقال في نفسه: سأحكي لحكيم الزّمان ما وقع ،وأطلب نصيحته، فهو مؤدّبي منذ الصّغر ،ولا أخفي عنه شيئا .
في الصّباح أرسل أحد الخدم يحمل طبقا فيه خضار وإوزة مشوية وعنبا وأوصاه بوضعه في الرّكن الذي ينام فيه الجمل الصّغير، وعندما جاءت قمر لتستريح ،رأت الطعام ،فنظرت يمنة ويسرة ،لكنها لم تر أحدا ،فقالت في نفسها: ويحي، لقد إنكشف أمرى !!! وأحسّت بالقلق، ولم تلمس الطبق رغم جوعها الشديد ،في المساء نزل السّلطان ،ورأى الطعام في مكانه ،فاغتمّ لذلك ،وأرسل في طلب الحكيم، ولمّا روى له قصّته ضحك ،وقال : جملك خائف ،ولن يأكل شيئا إلا إذا أحس بالأمان ،فسأله: وماذا أصنع إذا ؟ أجابه: إعمل له كوخا صغيرا في حديقتك ،وأعطه عطرا وثيابا، وإهد له زهورا كل صباح .
أعجبت الفكرة السّلطان ، ونفّذ ما قاله الحكيم .وعندما رأت قمر الكوخ ،إمتنعت عن دخوله ،لكنّها لاحظت كل يوم وجود باقة ورد جميلة ،وقالت: من صنع كل ذلك لأجلي لا ينوي سوءا ،فتشجعت ودخلت ، كانت هناك منضدة عليها سمك وخبز ساخن، فأكلت منه حتى شبعت ،ثمّ خرجت تتجوّل ،وقد طابت نفسها .
في المساء نزل السّلطان للحديقة ،ولما إقترب منها هربت ،واخذت تنظر له من بعيد ،قطف وردة حمراء ،ووضعها مع الورود أمام كوخها الصّغير ،فتعجّبت قمر، وقالت : إذا السّلطان يبدو مهتمّا بي ،هذا أمر لا يصدّق ،ثم أتى إليها، وهذه المرّة بقيت في مكانها ،وقال لها : لقد رأيتك تستحمّين في البحيرة، وأنا أحبّك وأريد أن أتزوّجك ،لست مجبرة على حمل هذا الجلد بعد الآن !!! سأحضر لحما، وسنشويه معا ونتسامر، موعدنا هذه الليلة يا صبية !!! ضحكت ،وقالت : إسمي قمر ،أجاب: السّلطان وأنا جمال الدين ،لا تنسي أن تضعي الأثواب التي أهديتها إليك .
بينما كانت قمر واقفة تنظر إلى بنات الأعيان وهنّ يركضن، ويلعبن بسعادة مرّ بها رجلان، كان أحدهما رئيس الحرس ،والآخر لا تعرفه ،وكانا يعتقدان أنّها جمل ،لذلك كانا يتحدثان أمامها دون حذر .قال الرجل :إسمع !!! مهمّتك أن تفتح الباب السري الذي يؤدي  إلى القصر، وتبعد الحرس عن غرفة السّلطان، وأنا سأقتله ،وسيأخذ أخوه مكانه ،فلقد ألغى كثيرا من إمتيازات الأمراء والوزراء ورجال الدّين ،لكي يبني الطرقات ،والجسور ،ويرمّم الأسوار،لقد كان والد السلطان ينفق علينا بسخاء ،ولم يكن يهمه شيئ إلا الملذات ،وكنّا نحميه من ثورات شعبه وهو يكافئنا .
الآن إنتهى كلّ شيئ مع إبنه نجم الدّين ،لقد إتفقنا مع أخيه المنصور على خلعه،،سأتسلل غدا لقتله ،و نحن نعرف كيف نكافئك ،،خذ هذه الصّرة من المال ، وإياك أن تنسى يا محمود هل فهمت ؟ كن حذرا ،لا يجب أن يحسّ بك أحد عندما تفتح السرداب !!!

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق