مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية مال البخيل يأكله المرتاح الجزء الثالث
قالت خديجة : لا تقلق يا رجل !!! سأخرج غدا وأبحث عن عمل ،بإمكاني غزل الصوف ورحي الشّعير لنساء الزّقاق ،ومن خلقنا لا يضيّعنا . صمت عبد الله برهة ،وقال لها: حياتي دائما صعبة ،كان أبي يبيع الأعشاب والعقاقير ،ولمّا كبرت قليلا أرسلني لتعلم صنعة الكيمياء ،لكنّه مرض، وما لبث أن مات بعد أيّام،ولحقت به أمّي كمدا ،فباع إخوتي الدّار ولم يعطوني شيئا ،وبقيت أعواما عند عمّي ،وذات يوم مدّ لي صرّة دراهم ،وطلب منّي أن أبحث عن عيشي، فبناته كبرن ولم يعد قادرا عن إيوائي في داره. فخرجت هائما على وجهي ، ،وعرفت البرد والجوع ،حتى قادتني قدماي إلى هنا ،وصرت أشتغل مرّة في السّوق ،ومرّة في البناء، وأخرى عند الخبّاز. ولم يبخل عليّ أهل الزّقاق بالطعام أو المأوى، ورغم كلّ تلك الظروف كنت أفتح كتبي ،وأقرأ، حتى فهمت ما جاء فيها ،ولو رزقني الله لفتحت دكّانا ،وأتيت بما حفظه عمي في القبو من آلات الكيمياء .لقد أجبتك الآن على سؤالك ،فقالت: من يدري ما تكتبه لنا الأقدار ؟
كان عبد الله مستلقيا على فراشه ،وفجأة رأى فأرا صغيرا يدخل وسط شقّ في الحائط ، وجاءت خديجة تجري وفي يدها مكنسة ،وصاحت: كالعادة يأتي ذلك الفأر اللعين ليسرق، ثم يختفي ،لا بد من إصلاح الحائط !!! فقال لها :سأتولّى ذلك الآن ، ولا تشغلي بالك . ثمّ انحنى لأسفل، فرأى أنّ أحد قطع الطوب ليس ملتصقة مع غيرها ، ،فأزاحها ليقتل الفأر، لكن ظهرت ورائها حفرة فيها صندوق من الخشب ،فأخرجه ،وما كاد ينظر فيه حتّى شهق من الدّهشة، فلقد كان مليئا بالليرات الذّهبية ،ثم ملأ جيبه بالذّهب ،وأرجع الصّندوق، وردّ عليه قطعة الطوب دون أن يخبر خديجة بشيء .وفي الصّباح لبس ثيابه ،وقال لها: سأخرج لشراء بعض الأعشاب لأضعها على ساقي !!! سألته : ومن أين المال ؟ فإنها غالية الثّمن ،أجابها : سأتدبّر أمري .نزل الرّجل إلى السّوق، واشترى مرهما دهن به ساقه ،ثمّ ووضع عليها ضمادة، وارتاح في مقهى ، ولم ينس أن يطلب نارجيلة دخنها متعة، وبعد ساعة بدأت الأوجاع تخفّ ،فقد طهرّت الأعشاب الجرح ،وأصبح بإمكانه المشي دون أن يعرج ، فاكترى حمّالا نقل له القفاف والخيرات إلى داره ،ولمّا فتحت خديجة الباب لم تصدّق عينيها ،كان هناك كل ما تشتهيه النّفس من أكل ولباس وبخور ولبان
ومن كثرة فرحتها لم تسأله من أين أتى بالمال ،فأكلا وشربا ،ووضعت خديجة ثوبا جديدا ،وتجمّلت ،فقال زوجها :من هذه الليلة لن تلبسي سوى الحرير ،فالله أعطانا خيره ،ومن الغد أحضر البنائين ،فأصلحوا الدّار ،ووسّعوها بعد أن كانت خربة ،وكسوها بالرّخام ،وأتى بالزرابي، وأثاث جديد ،وخديجة فمها مفتوح من الدّهشة ،لا تعرف ما تقول .أمّا منصور فكان يمرّ كل يوم أمام دار جاره ويتعجّب ،بعد أيّام أصبح كلّ الزّقاق ينادي زوج خديجة سي عبد الله ،وصارت له بغلة يركب عليها ،وخدم ،لكن منصور قال في نفسه :حتى ولو أصبح من الأغنياء فهو يبقى عندي ذلك الجائع العريان ،ومتى كان المال يصنع السادة ؟ أحد الأيام كانت خديجة ساهرة مع زوجها ،فقال :يا ليت الله يعطيني القوة وأفرغها !!!
فاستغربت المرأة ،وقالت :اللطف زوجي السّابق كان يدعو الله ليملأها، وأنت تدعوه ليفرغها ،هل جاء الوقت لتشرح لي ماذا تقصد ؟ومن أين أتاك كل هذا المال ؟ قال لها : تعالي معي إلى غرفتك !!! ثمّ أراها الحائط ،وقال لها: كان زوجك يدسّ الذّهب في حفرة ،ولقد وجدته بالمصادفة حين خرج الفأر من شقّ صغير ،وهذاهو الصّندوق !!! ومدّه لها ،فلمّا رأته بدأت تنوح على الأيّام التي عاشتها مع ذلك اللئيم ،وقالت :لقد كنت أجوع ،وأتعرّى ليجمع هو الذّهب ،تبا له ،لما فعله معي من قهر!!! لكنّه أجابها : لا تبكي على ما فات ،واحمدي الله أنّه عوّضك خيرا ،وهو يرزق من يشاء دون حساب،ولقد إبتهج كل الناس بعدما إسترجعت مكانتك،والفقراء يأتون لبابك لأنّهم يعرفون كرمك وفضلك ،هيا إمسحي دموعك ،فإنّي لا أطيق الحزن عل تلك العينين الجميلتين ..
…
يتبع الحلقة 4 والأخيرة
من قصص حكايا العالم. الاخر