مكتبة الأدب العربي و العالمي
صياد_الحمام_والوالي جزء اول
لم يكن يعلم صائد الحمام، الذي يعيش هو وأمه في كوخ طيني على أطراف قرية، بما رزقته بهما السماء من خير، وأن سربا كاملا وقع في شباكه ،فلقد إعتاد أن يجر خطواته ،عند الفجر إلى الجبل حيث نصب شباكه، ليلتقط ما علق فيها من طيور قليلة، ويحصل أحيانا أن لا يصطاد شيئا، أو يجد في مصيدته عصافير صغيرة وفد إلتصقت ببعضها من الخوف، فيطلق سراحها، ليعود خائبا إلى الكوخ، فتصطدم عيناه المنكسرتان بوجه أمه.وكان يضع كل يوم شباكه عند العصر ،و ويرشّ عليها الحب ،وبتضرّع إلى السّماء لتعطيه رزقه.ثم يعود لتفقدها في الصباح، بعد أن يغادر فجرا كوخ أمه ، ويتسلق الصخور إلى أن يصل أعلى قمة في الجبل حيث شبكته .
ولمّا يرجع إلى الكوخ ، يرتاح بعد تعب الطريق الطويل والحر الشديد، وتخرج أمه لسوق القرية تبيع وتقايض ما صاده. وحين دخل عليها في ذلك الصباح ،ورأت الحمولة الثقيلة بين يديه، سطعت في ذهنها فكرة التي ستحول حياتهما إلى حال آخر، وقالت: لماذا لا تذهب يا بني، بحمولتك الوافرة هذه لقصر الوالي، وتقدمها هدية له ،بدل أن نبيعها بثمن قليل، لعله سيجود عليك بشيء تربح منه، أوعلى الأقل ، يجد لك عملا عنده .لقد كانت فكرة صائبة ،فلم يحدث من قبل أن وقع في مصيدته سرب كامل، حتى أن الصياد احتار في إيجاد سلة يجمعها فيها، بدل القفص الصغير التي كان يؤرجحه بين يديه وهو يعبرالطريق الصخري القاحل ثم ذهب إلى أحد جيرانه، وقايضهم بأربعة طيور مقابل سلة كبيرة من سعف النخيل
بعد مسافة قطعها فوق ظهر أحد حمير الأجرة التي تقف متراصة في سوق القرية، وصل إلى قصر الوالي،لكن لم يدعه حرس الوالي يدخل، وأشاروا عليه بالانتظار لأن صّفا طويلا من الناس قد سبقه.وحينما خرج الوالي لصلاة العصر، وبرفقته ثلة من الجند، إقترب الصياد ناحيته وأنزل السلة من ظهرو ورفع عنها الغطاء لما رأى الوالي الطيور ثم أشار إلى أحد حرسه بأن يذهب به إلى مطبخه لتوضع في الفرن،وتقدم لعشائه ،ثم ودعه بتحية عابرة ،وأكمل طريقه إلى الصلاة، وحين رجع لم يكلف نفسه حتى عناء الإلتفات إلى الصّياد الجالس بانتظاره.
بقي المسكين جالسا حتى حلّ المساء ،وأمره حراس القصر بالانصراف، ولما إحتج بأنه لم يأخذ أجره، طردوه ،وقالوا له: ليس لك عند الوالي شيئ ،فإذهب ،ولا ترينا وجهك بعد الآن !!! ولمّا رفض أن يتحرّك ضربوه بقسوة،وألقوا به في الطريق كالكلاب ،فنهض متألّما ،ونفض الغبار عن نفسه ،ورجع مطأطئ الرأس ،يفكّر في أمّه التي تنتظره ،وحزن لمّا تذكر أنه ليس لهم شيئ لعشائهم هذه الليلة ،في حين سيأكل الوالي حتى يشبع من ذلك الحمام السمين ،والجميل اللون
رجع الصّياد إلى كوخه في عمق الليل ،واستلقى بعينين مفتوحتين، وفي الصّباح هبّت أمّه إلى تاجر بالمدينة ورهنت عنده حلة ثمينة وإشترت له ملابس جديدة وطلبت من أحد الرّهبان أن يكتب لها رسالة للوالي من طرف رئيس حامية المدينة يطلب فيه ألف درهم لإصلاح السّور، قبل مجيئ السّلطان ،وقالت له أدخل على الوالي وكأنّك رسول عاجل ،نفّذ الصياد ما قالته أمّه ،ومثل في حضرة الوالي، الذي أعطاه ما طلب دون أن يشك في أمره ،وحال مغادرته ألصق ورقه على باب القصر .
لمّا خرج الوالي لصلاة الفجر، رأى الورقة ،فإقترب وقرأها ،فوجد مكتوبا عليها: ” الألف درهم من فعل صياد الحمام ،والعاقبة أشد “،فإشتد حنقه ،وقال متوعدا : والله لو وجدتك لأكوينّ لسانك بالنار، حتى لا تتجرّأ على أسيادك مّرة أخرى ..
…
يتبع حلقة 2