مكتبة الأدب العربي و العالمي
#الحسناء_وغصن_الرمان_المسحور الجزء الرابع
ولما وصل إلى سهل فسيح أبصر نملة توسلت إليه أن يساعدها لأنها كانت في طريقها إلى حفلة عرس وكانت تخشى تتأخر كثيراً على اللحاق برفيقاتها.
أخذ الفتى النملة وحملها إلى رفيقاتها. وقبل أن تستأذن مساعدها في الذهاب، قدمت له
النملة قطعة من جناحها قائلة: «حين تقع في ورطة أحرق هذه القطعة من جناحي».
مرهقاً، مثبط الهمة، وصل ابن الفلاح المحترم إلى غابة كثيفة حيث أبصر عصفورة صغيرة تتعارك مع أفعى ضخمة.
طلبت العصفورة من الفتى نجدتها، فبادر بضرب الأفعى بسيفه وقطعها نصفين.
ورداً على فعله أعطته العصفورة ثلاثاً من ريشها قائلة:
«حين تقع في ورطة أحرق واحدة من هذه الريشات».
وواصل رحلته عبر الجبال والبحار حتى وصل إلى مدينة كبيرة.
كان الآن في مملكة الأميرة الحسناء. ذهب مباشرة إلى القصر، وسال السلطان بالله أن يعطيه ابنته. قال له السلطان:
«عليك أولا أن تحقق ثلاث مهمات، وبعدئذ يمكنك أن تتحدث إلى ابنتي».
ثم أخذ الحاكم خاتماً ورماه إلى البحر وطلب من الأمير أن يستعيده خلال ثلاثة أيام، ما لم يحضره فإن حياته مصادرة».
فكر الأمير بعمق، واتذكر الفقرات الثلاث، فأحرق واحدة منها.
وعلى الفور ظهرت السمكة وقالت: «ما هو مطلبك، يا سلطاني؟».
رد الأمير: «خاتم الأميرة الحسناء سقط في البحر . أعيديه إلي».
غاصت السمكة تبحث عن الخاتم، لكنها لم تستطع العثور عليه، وغاصت ثانية أعمق من ذي قبل ولم تفلح؛ ثم غاصت مرة ثالثة أعمق فأعمق حتى وصلت قاع البحر السابع وجاءت معها بسمكة.
بقر الأمير بطن السمكة ووجد الخاتم بداخلها.
أعاده إلى السلطان، فأعطاه الأخير لابنته. وبجوار القصر كان يوجد كهف ملئ رماداً ودخاناً . قال السلطان للفتى: «مهمتك الثانية هي أن تفصل الرماد عن الدخن».
ذهب الأمير إلى الكهف وأحرق جناح النملة، فأقبل كل النمل في العالم وانهمك في العمل. انتهت المهمة في ذلك اليوم ذاته.
وفي المساء جاء السلطان إلى الكهف ليتأكد بنفسه من أن حبة دخن واحدة لم تنس.
قال السلطان: «بقيت مهمة واحدة، وبعدها سآخذك لرؤية ابنتي».، ثم دعا إليه عبدة وشق رأسها نصفين وقال للفتي:
«هكذا سيفعل برأسك إن لم تستطع أن تعيد هذه المرأة إلى الحياة».
غادر الفتى القصر يفكر إن كان ريش العصفورة سيساعده .
أحرق واحدة منها وفي الحال ظهرت العصفورة وانتظرت أوامره. حكى لها الأمير بقلب مثقل ما هو فيه من ورطة.
ولأن الطير يتبع الآن عالم المخلوقات السحرية، فقد طارت العصفورة في الهواء وغابت عن الأنظار ثم عادت سريعاً بوعاء به ماء قائلة:
«هاك قليلاً من الماء الذي سيعيد للميتة حياتها».
أخذ الماء إلى القصر ورش بعضه على الجثة فنهضت الفتاة في الحال كما لو أنها استيقظت من النوم .
أخبرت الأميرة الحسناء بمآثر الفتى فأعدت نفسها لاستقباله.
كانت تسكن في قصر صغير من الرخام وكان أمام القصر مرصد تتصبب إليه المياه من أربع جهات. وفي الفناء حديقة غناء مليئة بالأشجار الكثيفة والأزهار والطيور المغردة.
عندما أبصر الأمير ذلك كله بدا له كأنه يقف على باب الفردوس.
وفجأة فتح باب القصر فانساب الضوء البراق الذي أغشى عيني الأمير.
ظهرت الأميرة الآن بكل جمالها الفتان. اقتربت من الأمير لتخاطبه، غير أنها ما أن أبصرته حتى شعرت بالدوار.
حملت إلى القصر ولحق بها الفتى، ولما استعادت وعيها، قالت: «أوه، أيها الأمير، أنت ابن الملك سليمان، وباستطاعتك أن تساعدني.
في حديقة العفريت (ره) غصن رمان يغني؛ إن أنت أتيت به إلي فأنا لك إلى الأبد!»
ارتحل الفتى مسافات شاسعة ليحقق للأميرة مطلبها.
قضى شهراً كاملاً يتجول في الجبال والوديان. دعا الله قائلاً: «اللهم، یا خالق كل شيء، أرني طريق الصواب». وأخيراً وصل إلى أسفل جبل.
سمع ضجة مريعة كان يوم القيامة قد حل؛اهتزت الصخور والجبال، وسقطت قطع من الظلام. حين ذهب الفتى بشجاعة صوب تلك الضجة، ارتفعت وصارت أشد رعباً، ولفته زوبعة غبار ودخان.
لم يستطع أن يعرف إن كان على الطريق الصحيح، لكنه عرف أن رحلة ستة أشهر ستوصله إلى حديقة العفريت «ره» وأن الضجة المريعة قد سببتها تعاويذ العفريت .
واصل تقدمه فتبدت الحديقة للأنظار. كانت الأبواب تعاويذ زاعقة وكذا الحارس. ذهب إليه الأمير وأخبره بمراده .
سأله الحارس باندهاش: «لماذا لم تخف من الضجة المريعة؟ لقد استنهضت كل التعاويذ بسببك؛ وقد أفزعتني أنا، حتى».
سأل الأمير عن غصن الرمان. قال الحارس بوقار وجدية:
«إن من العسير أن تحصل عليه، لكن، إن كنت غير خائف فلربما تنجح.
في نهاية رحلة ثلاثة أشهر، ستصل إلى مكان آخر شبيه بهذا له تعاويذ أخرى، وهناك ستجد حديقة أخرى حارستها هي أمي.
لكن لا تقترب منها، انتظر حتى تأتي إليك. بلغها تحياتي، تسألك هي».
لكن لا تخبرها بما جئت من أجله حتى واصل الفتى الآن رحلته في الطريق الذي أرشده إليه الحارس، وبعد السفر لمدة ثلاثة أشهر سمع صوتاً يثير الرهبة والرعب
من قصص حكايا العآلم الآخر