عواصم ثقافيهمقالاتمكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #بنت_النّجار_والفقير جزء اول

يحكى عن جارتين إسمهما دوجة وحليمة ،تعودتا أن تتقابلان في المساء ،وتحكيان لبعضيهما عما حصل لجاراتهم ،وكانتا تهتمان كثيرا بأخبار الناس ،وتعرفان ما يحصل في كل بيت ،وفي أحد الأيام وقفتا تحت أحد البيوت وكان هناك بنّاء يصلح شقوقا في السقف ،ففلت من يده سطل مليئ بالحجارة والأتربة وسقط على المرأتين ،فقتلهما ،وفي الغد دفنهما أهلهما بجوار بعضهما،وتلقوا التعازي ثم انصرف الجميع ،في الليل .

خرجت المرأتين ، وجلست كل واحدة على قبرها وقالت دوجة لجارتها:،لقد متنا ،لكن بإمكاننا أن نتقابل ونحكي كما كنا نفعل في الحياة !!! ردّت حليمة ،الحديث لم يعد مسليّا ،جاءتني الأخبار أنّ بعض أهل الحارة سيموتون ،وبعد غد ستأتى العجوز أمّ علي،قالت الأولى: إنّها مريضة وطاعنة في السنّ ،لقد حان الوقت لترتاح ،وبعد غد ماتت العجوز ، بعد أيّام سألتها حليمة: أتعلمين من سيأتي بجوارنا اللية ؟ ردّت الأخرى : لا أعرف ،قالت لها : سيفلت حصان هائج ويجد فاطمة إبنة النجار أمامه ،ويرفسها بأقدامه وتموت !!! أحسّت دوجة بالأسف ،وقالت: يا خسارة شبابها ،إنها لا تزال صغيرة ، أجابت الأخرى : إنتظري للمغرب وسترين جنازتها.
في الصّباح نهضت إبنة النجار تناولت فطور الصباح، وطلبت منها أمها أن تساعدها في ترتيب البيت ،وطهي الطعام ،وأعدت الأمّ صحفة الكسكسي لزوجها ، وعليها قطعة لحم كبيرة ،ثم قالت لفاطمة إبنتها : نادي على أباك في دكاّن النّجارة ،وما إن خرجت حتى طرق متسوّل الباب ،ولمّا فتحت له المرأة ،أخذ ينظر بشوق إلى تلك الصّحفة ،فأعطتها له ،وقالت له: بالشّفاء والهناء، لقد كتبها الله لك !!!
بعد قليل حضر زوجها ،فناولته خبزا وزيتا، وقالت له : لقد لمح متسوّل صحفتك، فاستحييت أن أحرمه منها !!! ردّ عليها : حسنا فعلت ، وبارك الله فيك ،ثم التفت لابنته، وقال لها: أحضري لي لبنا رائبا ،من عند التّاجر المجاور، ولمّا وصلت قرب دكّانه، انفلت حصان ،وأخذ يجري في الطريق ،وهرب الناس لكن فاطمة تعثّرت ،وسقطت ،وصرخ الجميع :يا ربّ ألطف بهذه الصبية !!! أصبح الحصان على بعد خطوة واحدة منها ، ثمّ توقّف فجأة كأنّ يدا أمسكته ،وكبّر الرّجال ، وزغردت النّساء ،فكلّ من رآها قال أنها ميتة لا محالة ،وحملها الجيران إلى دار أبيها ،وقالوا له ولأمها :لم يشأ الله أن يحرمكما منها ،فصلّوا وتصدّقوا ،فلقد كتب لها عمر جديد ..
حان المغرب ،وسألت دوجة جارتها حليمة :ألم تقولي أنّ بنت النجار ستأتي الليلة ؟ إنّي لا أراها ، ولا يوجد أحد سوانا ؟ردّت الجارة وقد إشتدّت بها الحيرة : لا أعرف ما الذي حصل ،من المفروض أن تكون بيننا ، فالأخبار لا تخطئ !!! كان هناك رجل عجوز يجلس على قبره ،ويستمع إلى كلامهمها بإنتباه ،فوقف ،وقال لهما : لقد دفعت الصّحفة التي أخذها المتسوّل عن تلك البنت البلاء ،وأطالت في حياتها، فالصّدقة تكرم صاحبها ،وتشفع له عند الله. و تقي من السّوء .،ومثلما إستحت المرأة أن تردّ جائعا عن طعام زوجها الذي ليس لها غيره ،إستحى ملك الموت أن يأخذ إبنتها الوحيدة ،والآن كفّا عن الإهتمام بالناس ،وأتركا جيرانكم في حالهم ،فلم يسلموا منكما لا في حياتكم ،ولا في مماتكم ،غفر الله لكما …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق