مكتبة الأدب العربي و العالمي

برهان_وحسناء_وادي_الياقوت الجزء الخامس الأرملة السّوداء (الحلقة 5 )

مضى الوقت ببطئ، و بدأ برهان الدين يحسّ بالملل ،فقال في نفسه: سأتجوّل قليلا في هذا المكان الغريب، ولن أبتعد كثيرا من هنا ،لكي لا أضيع في هذه الغابة . كلّما تقدّم إكتشف شيئا عجيبا،رأى نباتات الفطر في علوّ شجرة صغيرة، وتكفي لإطعام عشرة رجال،وحبة توت في حجم برتقالة، وكان يسمع رفرفة أجنحة الفراشات ،ودبيب أرجل النّمل ،وزحف الحلزون .وأصوات اخرى لم يقدر أن يميّزها .
كانت الغابة مليئة الورود والنباتات العطرية المختلفة الألوان ،تسللت رائحتها العطرة إلى أنفه، و أسكرته ،أحسّ بإنتعاش روحه أمام هذه الطبيعة البكر فلقد كانت رائعة بشكل لا يوصف ،أعجبه كل هذا الجمال ،وتسائل :لماذا يبدو هذا المكان مختلفا عن بقية الغابة ؟ لا بدّ أن أسئل تلك الجارية وأعرف السرّ، كان الأمير غارقا في أفكاره ،ونسى تحذير قمر الزمان بعدم الإبتعاد عن حافة الجبل ،وإنتظار عودتها،و فجأة سمع صياحا ،وبدأت الأرض ترتجّ تحت قدميه ،ومن بعيد شاهد الأغوال تجري نحوه وهي تلوّح بعصيّها وهراواتها ،وكان على رأسهم الغول ميسرة ،وصرخ : لا تتركوه يهرب ،فلا أفهم كيف نجى من الضّفادع السّامة التي تفترس كل من يدخل إلى هذه الغابة من الناس !!! ندم برهان الدين على تهوّره ،وجرى بكلّ قوة ، نظر وراءه ،وعرف أنّ الأغوال ستلحقه ،وهو هالك لا محالة .
لكن في هذه اللحظة رأى غارا صغيرا ،فدخله ،توقّف ميسرة ومن معه عن ملاحقته، وقال: لقد وقع هذا الغبي في الفخّ، فهو لا يدري أنّ عنكبوتة الأرملة السّوداء تسكن هذا الغار ،وستقبض عليه ،وتمتص أحشائه ،سيكون موته فظيعا، أخذ الأغوال حجرا كبيرا، وسدّوا به المدخل ثم إنصرفوا في حال سبيلهم .
لمّا قابل ميسرة قمر الزمان روى لها أنّهم طاردوا رجلا من الإنس ،وتمكن من الهرب ،لكنه دخل جحر العنكبوتة المخيفة ،وهو الآن محبوس معها ، ثم ضحك وقال : سيصبح طعاما لها ،من المؤسف أنّها لن تترك لنا منه إلا الجلد والعظم . حزنت الجارية على برهان الدين، لكنها أخفت مشاعرها ،وسألته : من قال لك أنه لا يوجد للغار منفذ آخر؟ هل فكرت في هذا يا وزيري ؟ أحسّ الغول بالضّيق ،وأجاب :الحقيقة لم أنتبه لذلك، لكني سأذهب على الفور إلى هناك !!! أجابت : أرى أنّك تعبت اليوم ، وأنا أعرف كيف أجازيك ،سآمر الطّباخ أن يعدّ لك خنزيرا بالزبّدة وسأعطيك جرّة خمر معتقة !!! لكن قبل كلّ شيء قل لي أين يقع الغار ؟
ذهبت قمر الزّمان بسرعة إلى المكان الذي قال عليه الغول ،لكن أحسّت بخيبة أمل عندما رأت الحجر الذي يسدّ المدخل ،فلا يقدر إلا الأغوال على تحريكه ،دارت حو الجبل باحثة عن مدخل آخر ،وفي النهاية عثرت على فجوة صغيرة في سقف الغار صنعت حبلا من جذور الأشجار، أمسكته ونزلت إلى الداخل ،ثم لفّت خرقة قماش على عود و أشعلتها ،وبدأت تمشي، وتحاذر أن تصدر صوتا .بعد قليل شاهدت شيئا ملفوفا يتدلّى من السّقف ،إتجهت نحوه ،ونادت : برهان الدين هل أنت هنا ؟ سمعت صوتا خافتا يسألها : من هنا ؟هل أنت قمر الزمان ؟ أجابته نعم ،هل أنت بخير ؟ ردّ : أخرجيني من هنا قبل أن تعود العنكبوتة ،إنها مخيفة !!!
أمسكت الجارية خنجرها ،ومزقت الخيوط البيضاء التي كان الأمير ملفوفا بها ،ثم قالت: لنسرع بالخروج ،إني أسمع صوتها ،هيّا إتبعني بسرعة !!! عندما وصلا إلى الفجوة قالت له: تسلق أنت الأول ،وأنا سأشغلها ، ما كادت قمر الزمان تتمّ كلامها حتى ظهرت الأرملة السّوداء ،كانت عظيمة الخلقة ،فتحت فكيها وأرادت أن تقبض عليها لكن البنت رمت عليها المشعل فوقع في وجهها وأحرق عيونها، دارت العنكبوتة حول نفسها ،وأطلقت صرخة إهتز لها الجبل : وبعد لحظات سمعت قمر الزمان صوت مئات الأقدام تجري نحوها ،لقد كانت المغارة عميقة و مليئة بالعناكب ،وهي الآن تسرع للفتك بها ،والإنتقام لرفيقتهم التي إشتعلت فيها النار .عندما كادت العناكب أن تصل إليها، مد برهان الدين يده وسحبها إلى الخارج وسقط على الأرض والجارية فوقه، فتعانقا ،وقبّلها الأمير على شفتيها فأغمضت عينيها ،وقد راق لها ذلك ،وألهب جسدها .
بعد قليل سمعا صوتا يقول: لقد كنت متأكّدا أنّ هذا الرّجل لم يسلم من الهوام التي تعيش في الغابة دون مساعدة ،وعندما أردت الذّهاب إلى الغار وحدك ،عرفت أنّك من ساعده ، نظرت قمر الزّمن إلى مصدر الصوت ،وفوجأت بميسرة واقفا أمامها والشّرر يتطاير من عينيه ،لم يكن هناك مجال للهرب ،فلقد أحاطت الأغوال والأقزام بالجبل، وقد لاح على وجوههم الغضب منها …

يتبع الحلقة 6

من قصص حكايا ألعالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق