مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية #حليمة_المسلمانيّة حوريات الغابة (الحلقة 3 والأخيرة )
وفجأة رأى أمامه ثلاثة حوريات فائقات الجمال ،وقلن له لقد أظهرت حسن توبتك ،ولو شربت من ذلك الدواء لمتّ لأن الله لم يكتبه لك بل لإمرأتك المسكينة ،ولقد أراد مكافأتها على صبرها ،هو الذي جعل الشّوكة تعلق في حلق الأميرة لتذهب أنت وتنقذها ،ويجيئك الطائر ويعطيك الدّواء الذي يشفي من كلّ العلل.، ولما ستشربه ستصبح حورية مثلنا ،قال مختار بحزن لكنه لن يكتب الله لي أن أعيش معها فسأموت بسبب السم !!! فضحكن، وقلن له قم واطبخ طعامك ،فتلك الأفعى لا سمّ لديها وإنما فقط أردنا أن نرى مدى إخلاصك لإمرأتك بعد كل ما عانته منك ،ثم ذهبن وهن يغنين بصوت عذب ،فجأة لم يعد بالألم في إصبعه ،وتأكد أن ما قالته الحوريات صحيح ،وأنه سيعيش ،لكن فعلا ستصبح حليمة في مثل جمالهن ،هذا ما سيراه لما يعود إليها ،وبعد يومين من السير وصل لداره فرآها ترحي القمح ،وتغنّي :
أين أنت يا سي مختار
الحيطان كئيبة وأنت بعيد عنّي
لا شيئ يسليّ وحدتي
لا رقصات الفراشات
ولا تغريد الأطيار
إشتقت لصوتك
ودخلتك عليّ
فلا تكثر الغياب عن الدّار
فلقد زاد والله الشوق
وطال الإنتظار
فنزلت الدموع من عينيه وقال في نفسه ويحي كم كنت سخيفا !!! فالله رزقني امرأة كاملة الأوصاف لكني لم أكن أر كل ذلك ،لم يأت أمام عيني سوى شعرها المجعّد ،ولونها الغامق ثم تنحنح ،وانتبهت له وقامت تجري لتسلم عليه ،لكنه على غير عادته حضنها قبل رأسها ،قال لها لقد أتيتك بهدايا كثيرة وثياب نفيسة من خزانة السلطان ،فاختاري منها ما شئت ،أمّا أنا فسأنحر جديا أعدّه لطعامنا ،ومعي جرة زيتون وأخرى بالزّيت ،وسأجمع بصلا وفلفلا أخضر من الحقل وأشويه على النّار ،أمّا حليمة فقالت :وأنا سأعجن الخبز ،وأضعه في الطابونة .
قبل أن يذهب قال لها :لقد أحضرت لك دواءا ،اشربيه ،فسيزيد من نشاطك ،فأخذته وشربته ،وهي تتعجّب من طيب طعمه ،إنهمك مختار في طبخ الجدي على الفحم ،وصب الزّيت في الصّحون ،وفجأة سمع ضحكات عذبة ،فقال في نفسه ما أجمل هذه الأصوات !!! ثمّ وقف فجأة ،وصاح: لقد تذكّرت صاحبات هذه الأصوات ،إنهنّ الحوريات الثلاثة ،ولمّا وصل ناحية الطابونة توقّف ،ولقد إستبدّت به الدّهشة ،فلم تكن هناك ثلاثة، بل أربعة حوريات فائقات الحسن ،قامت إحداهنّ ،وهي ترتدي ثوبا من الحرير المطرّز ، وقد ظفرت شعرها ظفيرة طويلة ،وقالت لمختار : ويحك ،ألم تعرفني يا رجل ؟ أنا إمرأتك حليمة !!!
فلم يصدّق عينيه ،فهذا لا يمكن، فلقد صارت خضراء العينين ذهبية الشّعر، وهنا قالت الحوريات الثلاثة له: لتعلم أن الله إذا وعد صدق ،وإذا تاب عبده رزقه من حيث لا يحتسب، ثم إلتفتن لحليمة، وقلن لها :السعد يأتي حينما يقدّر الله،والإنسان الصالح هو الذي يصبر وإنما يحب الله من عباده الصّابرين وبعد ذلك إختفين بين الأشجار،قالت حليمة: لقد إخترت هذا الثوب وأتمنّى أن يعجبك!!! ردّ عليها : حتى ولو لبست ثوبا قديما ،فسيظهر جميلا عليك ،ضحكت حليمة بسعادة ،وهي تنظر لنفسها في المرآة ،وقالت له :لو واصلت هذا الغزل فسأشعر بالغرور والآن هيا إلى الطعام، فقد نضج الخبز .
لكنّ مختار كان يأكل ويسترق النظر إليها ،وهو غير مصدّق بأنّها حليمة التي كان يعايرها بقبح وجهها ،وسمع الجيران وأهل القرية بحكاية حليمة العجيبة فأصبحوا يختلقون الأسباب للمجيئ لدار مختار ،حتى الناس الذين لا يعرفهم أصبحوا يستدعونه عندهم ،وشيآ فشيآ بدأ يحسّ بالغيرة ،ومنع حليمة من الخروج حتى لرؤية أهلها ،وبدأت تتضايق منه ،وقالت: لا أعرف إن كان الجمال نعمة أو نقمة ،كنت قبيحة فكان يضربني لكني حرة ،أمّا الآن فصرت حبيسة الدّار. أحد الأيّام خرج وأغلق عليها الباب ،فبقيت تبكى وفجأة رأت الثلاثة حوريات ،وأخذن بيدها وخرجن ،وقلن لها :هكذا الإنسان لا يعجبه شيئ، تعالي معنا فنحن لا نعرف الحقد والحسد ،وحياتنا كلها سعادة ،هذه المرّة لم تتردّد في الذّهاب ،فلم يعد في دنيا البشر ما يعجب ،ولن تندم على شيئ …
…
إنتهى
من قصص حكايا ألعالم الاخر” واقعية “