مكتبة الأدب العربي و العالمي

بائعه_الرمان_الجزء_الرابع _ والخامس _ والسادس

قصص وحكايا العالم الاخر " واقعية "

بعد ان تيقنت مارتا انها الوحيدة هي وإبنتها فيولا اللتان مازالتا على قيد الحياة على متن تلك الباخرة و التي ظنت في الاول انها هي من يبعدهما عن رائحة الموت إلى بر الامان والسلام .ولكن إصطدمت بالعكس.فالموت قريب في كل مكان وفي اي مكان حتى في عرض البحر…فلم تعد مارتا تعلم مالذي تفعله لإنقاذ حياتها وحياة إبنتها فوضعت فيولا في حجرها ولملمت نفسها واحتضنتها بقوة ربما تستمد القوة من الصغيرة التي لاتعلم عما يدور من حولها شيئا سوى منحها الإبتسامة والضحكة الحلوة التي كانت عبارة عن مصل تهدء بها روع والدتها.

بقيت مارتا وابنتها على ذاك الحال في القبو مختبأتان ليومين كاملين لاتعلمان من ليلهما ولانهارهما شيئا ولاتعلما ان كانت مبحرة او الباخرة مازالت متوقفة في الساحل الجنوبي تتغذى هي وابنتها على الخبز اليابس المركون في اكياس من الخيشة ربما كاتت مؤونة لبعض البحارة. التي تغمسها مارتا في الماء لكي تتبلل وتلين بعدها فيستصاغ طعمها قليلا وتسد منه جوعها هي وفيولا. ولولا تلك الاكياس من الخبز التي إكتشفتها فيولا مركونة في زاوية القبو مع برميلين كبيرين من ماء الشرب. فلولاهما لما ماتتا من الجوع والعطش لامحالة.

منذ 48 ساعة تقريبا لم تذق مارتا طعم النوم ولا الراحة النفسية ولا الجسدية و في لحظة غفوة منها وهي جالسة مع فيولا في حجرها متكأة على الحائط الخشبي إذ بشخص ما قادم نحو القبو وعلى إثر حس اقدامه فزعت مارتا من غفوتها فحاولت حينها ان تختبأ ولكن قواها خانتها فلم تستطع حتى النهوض من مكانها بل قوست جسدها على إبنتها مستسلمة كليا لما ينتظرها إما موتا او حياة بعدها فاغمضت عينيها. وإذ برجل يدخل عليها كان شخصا كبير السن نوعا ما ذوا لحية بيضاء وشعر مختلط بين الابيض والاسود. فراح يجول في القبو بعينية يمينا ويسارا حتى سقطت انظاره على المراة الجالسة في الزاوية..
فدهش من المنظر واتجه نحوها. ثم ثنا ركبتيه ليتمعن جيدا في الكائن الذي امامه هل هو حقيقي ام هو مجرد تمثال فقط.. ففوجيء الرجل بالفتاة الصغيرة التي في حجر المرأة تأخذ بلحيته وهي تضحك معه. هنا فتحت مارتا عينيها فاطلقت صرخة ثم كتمتها في حينها وهي تضغط على فيولا التي في حجرها وتعيد جسدها للخلف ودت لو ان الحائط ينشق ويخبأها داخله بعيدا عن اعين الرجل في تلك اللحظة.. ولكن الرجل وقف من جديد وطلب منها ان لاتخاف ولاتهلع البتة. واخبرها اته مسالم ولايود إزعاجها او تأذيتها… ثم حمل عليها الصغيرة ومد لها يدها كي يساعدها على الوقوف..
وبعد ثواني من نظرات الخوف المتوجهة من مارتا نحو الرجل إذ اخيرا مدت يدها له لكي يسندها على الوقوف التي وقفت بصعوبة كانها هرمت واصبحت عجوزا في اليومين الفارطين فقط. ثم اخذت منه فيولا فهي لم تطمئن بعد للرجل. وتقدمت بخطوات ضئيلة كادت ان تسقط على وجهها مرارا وتكرارا. حتى صعدت السلالم وخرجت من القبو الشبه المظلم لولا الفانوس الذي كان ينير عتمته.. ثم اخيرا هي تحت السماء وجه لوجه وبين الهواء العليل الذي يدخل غياشيمها ويخرج القذارة التي كانت تتنفسها في الاسفل والتي. اغلبها كانت تشبه الرائحة الكريهة للسردين بعد تعفنه..
نظرت مارتا هنا وهناك على سطح الباخرة تبحث عن القتلى الكثر والدماء التي كانت كالسيل العرم.. فلم تجد حينها شيئا وكأنها في حلم.. السطح اصبح نظيفا جدا يعكس لمعان شعاع الشمس ولا قطرة دماء تظهر على خشبه.
هنا تدخل الرجل معها وسألها إن كانت تبحث عن الموتى الذين كانوا هنا من قبل؟

#بائعه_الرمان
الجزء  الخامس

إنطلقت الباخرة مبحرة في مساء يوم السبت متجهة نحو البلد الذي يقطن فيه الرجل الغريب المكنى ببيدرو والذي إلتقى بإمراة وابنتها صدفة في قبو الباخرة التي إشتراها من طرف مجرموا الحرب.وعندما سمع قصتها اشفق عليها وعرض عليها المساعدة لكي تحيا حياة بعيدة عن الشقاء فاقترح عليها ان تذهب معه لبلدته. فوافقت على الفور.
كانت الرحلة مستيسرة ولم تمضي سوى يوم ونصف اليوم وصلوا إلى المكان المقصود ظهر يوم الإثنين.. فركن بيدروا الباخرة قرب الشاطيء المخصص للبواخر المختلفة اشكالها وانواعها. ثم إستقل بعدها سيارة أجرة وامضيا قرابة ساعة بالطريق حتى وصلوا إلى المكان المكان الذي كان مثيرا جدا. به مساحات كبيرة من الزرع والخضار ومنازل بعيدة عن بعضها البعض. كل واحدة منها تحيطها اراضي شاسعة تختلف زرعها واشجارها حتى ثمارها.
كانت مارتا مبسوطة من المناظر التي ابهرت عيونها وزحزحت قليلا من الحزن الذي ألم قلبها وكم مدحت المكان الذي يعيش فيه بيدروا وسألته ان كانت دولتهم تعتمد على الزراعة فكان رده انها تختلف من منطقة إلى أخرى وأن هناك مناطق تعتمد على الزراعة وهناك صناعية بعيدة قليلا عن منزله الذي يقطن به.. وعرفها من اين تبدأ حدود املاكه للاراضي الزراعية إلى غاية بوابة داره . فتعجبت مارتا من حجم الاراضي الواسعة التي يمتلكها بيدروا رغم انها قاحلة ليس بها زرع سوى بعض الشجيرات المتفرقةهنا وهناك.

إستقبلت زوجة بيدروا الضيوف بكل فرح وسرور. خاصة للضيفة الصغيرة فيولا التي لاقت إستقبالا مميزا من طرف صاحبة البيت.. ومع الوقت اصبحت لها مكانة وعزة في البيت ككل.

مع مرور الايام تعرفت مارتا اكثر على اصحاب البيت وعلمت انهما لم ينجبا اطفالا البتة. ورغم محاولات زوجة بيدروا إقناعه بالزواج عليها لكي ينجب اطفالا من صلبه إلا انه أبى ورفض الفكرة لان زوجته يحبها بالنسبة له يعتبرها زوجته واخته وامه وكل شيء بالحياة له.. لذلك لايريد ان يظلمها او يخذلها. فقررا ان يتبنيا طفلا ولكن هناك امور عدة عرقلت مناهما.

في باديء الامر كانت مارتا تبحث عن عمل يناسب سنها ووضعها بمساعدة بيدروا الذي كان يسهل لها بعض الامور.. إلا انها جربت العمل في مكان ما كان شاقا بالنسبة لها فلم تستطع المكوث فيه طويلا . وبينما هي مارة بالسيارة على احد البساتين الكبيرة للرمان خطرت في بالها فكرة. فطلبت من بيدروا ان يأخذها لصاحب البستان وطرحت عليه فكرتها الذي رفضها في باديء الامر بيدروا . كيف لإمراة ان تبيع الرمان في الاسواق واخبرها انها لاتجبر نفسها على القيام باعمال صعبةوكبيرة على قدرتها.بينما هي لاتحتاج في الوقت الحالي إلى كل ذلك العناء بينما هو يوفر لهما كل طلباتهما ولكن مارتا اصرت وشكرته على نبله ولكن اعلمته انها يجب ان تتحمل مسووليتها مهما كانت متعبة. ففي الاخير ستكون مرتاحة اكثر.

وبالفعل قابلت مارتا صاحب بستان الرمان واقنعته ان يمنحها بضعة صناديق على ضمان بيدروا فهو يعتبر صديقه وتقريبا جاره من زمن بعيد.. والإتفاق كان مبني على اخذ صندوقين او ثلاث صناديق من الرمان ان إستطاعت بيعهم في مدة قصيرة تأخذ غيرهم وفي نهاية الاسبوع يتحاسبان. يأخذ هو حقه بالكامل وهي تاخذ الفائدة.

رجعت مارتا مبسوطة إلى المنزل وهي محملة بصناديق الرمان مع بيدروا. وكم كانت متحمسة ان يكون يوم غد هو اليوم الاول في تجربتها بالتجارة .ولكن بيدروا نصحها انها ستدخل في مجال صعب عليها ان تستعد له جيدا واولها ان تتخلى عن انوثتها لكي تستطيع مقاومة كل ماهو الاصعب كي تستمر…

#بائعه_الرمان.
الجزء السادس
لم تصدق مارتا انها اخيرا اشرقت الشمس عليها التي ظلت تنتظرها بفارغ الصبر طيلة الليل والتي ايضا لم تذق فيه طعم النوم لكي تبدأ يوما إستثنائيا غير إعتيادي بالنسبة لها..يوما جديدا لم يسبق لها القيام بخوض تجربة مماثلة تشبهها.

صباحا باكرا اوصت مارتا زوجة بيدروا على إبنتها فيولا كي تهتم بها وتحرسها ريثما تعود من مشوارها مساء.. فطمتتها بدورها وذكرتها انها تحب أبنتها كثيرا واصبحت قطعة من روحها. وستكون جد سعيدة بمجالستها وستاخذها معها في نزهة قريبة من منزلها.
بعدها اخذ بيدروا مارتا بسبارته التي ملأ دولابها بصناديق الرمان ثم إتجها نحو السوق الكبير المتواجد قرب منطقته. فعرفها بالمكان وقوانين البيع. ونصحها إن لم يعجبها الامرعليها ان تستقل سيارة اجرة وتعود على الفور للمنزل. واخبرها انه لولا لديه موعد مهم طاريء لما بقي معها حتى تتعلم اصول كار الببع.. فودع بعدها مارتا وانطلق مسرعا بسيارته. اما مارتا فهي وضعت الصناديق على يمينها امام خيمة تبيع الفواكه الطازجة على اشكالها وعلى يسارها طاولة تضع كل انواع الخضر… ثم وضعت هي بدورها منديلا وجلست بقرب الصناديق التي صفتها امام بعضها البعض وقسمت رمانة واحدة إلى نصفين لكي يظهر للزبون مدى نضج الفاكهة من داخلها. ثم اصبحت تنتظر الزبائن المارين وهي تتطلع بفضول حول المكان…
وماهي دقائق من جلوسها حتى وجدت احد الصناديق التي امامها تقذف عاليا بعيدا والرمان يتطاير ويتدحرج هنا وهناك. فانتفض قلب مارتا ولم تحس بنفسها إلا وهي واقفة في مكانها متسمرة تريد ان تستوعب مالذي يحدث. ؤاذ برجل ضخم يصرخ في وجهها فجأة ويأمرها ان تجمع اغراضها وترحل من المكان فورا..
كانت دهشة مارتا من تصرف الرجل لاتوصف. ولكن بعد ثواني لملمت نفسها واستظهرت قوتها التي كانت تخبء وراءها خوفا وضعفا لم تظهره للعلن.
فوقفت مارتا امام الرجل بكل جدية وحزم وارادت ان تفهم ماوراء تصرفه الارعن هذا دون ان يحترم صاحب البضاعة.. والذي لم يخجل من نفسه وبقي يصرخ عليها وهو يوبخها بأقسى الالفاظ. كمثلا يعني لم يبقى في السوق سوى نساء مثلها لكي يعمروه. ويزاحمنهن في البيع والتجارة. وهددها انها عليها ان تحمل بضاعتها وتعود من حيث اتت وإلا سيكون لها تصرفا عنده..
لم تصرخ مارتا حينها ولم تستزف من طرف هماجة الرجل بل كانت هادئة مقابل الوجه الملتهب شرا وحقدا منه ولقنته درسا لن ينساه في فن الاخلاق مطلقا..
فقالت له…ان كانت من الرجولة ضرب النساء فهي لن تتزحزح من مكانها وعليه ان يفعل مايشاء فهناك من سيصفق له على مدى رجولته في إهانة إمرأة مستضعفة بعدها على الفور سيكون مشهورا مابين الرجال بالاخير و إن اصبحوا الرجال يخافون على رزقهم ان يؤخذ من طرف النساء فهذا من قلة عقولهم. فكل إنسان يصله رزقه أينما كان. وان فكروا جيدا مالذي جعلن النساء تعملن عمل الرجال ربما هن كن مضطرات لذلك على مدى عوزهن ولايوجد سبيلا غيره حتى لاتتسولن في الطرقات وكي لاتلعنوهن عندما يذهبن إلى الطريق المشين..
توقف الرجل عن الصراخ واصبح يتلعثم في الكلام اما الشباب والرجال الذين كانوا من حولهم يتفرجون ويسخرون منها في البداية اصبحوا في الاخير يجمعون لها الرمان المتساقط على الارض ويضعونه مجددا في الصندوق. وكل شخص منهم يرحب بها ويطلبون منها إن إحتاجت لشيء ما فهم على إستعداد لكي يساعدوها بكل سرور. اما البعض ففضل ان يدعم نيتها في التجارة فاشتروا عليها الرمان الذي لم تصل إلى الظهيرة انتهت كل مافي الصناديق من رمان. وكم فرحت مارتا بنجاح مهمتها في اليوم الاول. وعادت للبيت كي تبشر بيدروا وزوجته اللذان فرحا لفرحتها وحملت حينها إبنتها تقبلها وتدور بها معربة عن سعادتها ولكن لاحظت مارتا انه هناك خطب ببيدروا وزوجته فهي اصبحت تعرف ملامحمهما كيف يكونا عند حزنهما وكيف يكونا سعيدين.. فطلبت متهما ان يخبرانها ماخطبهما هما الإثنان..؟
#يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق