مكتبة الأدب العربي و العالمي

بائعه_الرمان. الجزء الاول والثاني والثالث

في الحياة هناك من يعيش برفاه تام وهناك من يعيش على فتات المترفهين. كلاهما القدر يحكم فيهما ولكن قليلا من الحظ قد يغير معيشة بعض الناس للاحسن.وهذا مافعل القدر بفيولا.

فيولا فتاة ولدت في ايام الحرب والفقر والعوز. عندما ولدت خافا عليها والديها آنذاك ان تقتل كما فعلا بأخوبها اللذان أغيرا عليهما بإنفجار إستهدف مسكنهما أودى بحياتهما على الفور ولولا رعاية الله لقضي على والديها اللذان كانا خارج منزلهما الذي هو ايضا احرق بالكامل وعاشا بعدها تحت الخراب والإنقاذ في مخيمات لاتوفر على اي نوع من حياة مرتاحة تذكر..
.لذى قررا والدي فيولا بعدما ولدت فيولا في ابشع مكان وهو المخيم قررا ان يهجرا بلدهما ويبحثا عن بلد امن ومسالم تعبش فيه إبنتهما الوحيدة معززة مكرمة بعيدا عن الخوف والذل والهوان.
ولان والد فيولا رجلا طيبا وصادقا يحبه اغلبية الناس وخاصة منهم البحارة بسبب كونه يعمل لديهم إذ الاخير يقوم بجمع قوته بتنظيف بواخرهم ومراكبهم مقابل راتب ضئيل عبارة عن بضعة اسماك لاتسمن من جوع تقدم إليه كأجرا لعمله او مبلغا زهيدا لايوفر بقية طلبات يومه .. ولانه صبور وليس بيده حيلة كان لايطالب بحقه الطبيعي وكان دائم الإبتسامة فوق ذلك لانه قنوع وراض ويقدر الظروف التي من حوله. لانه يعلم جيدا انه لايمنح له اكثر من ذلك جراء الحرب وماسببته من الدمار الإقتصادي والحاجة من جميع النواحي ومتطلبات الحياة حتى البسيطة منها لاتتوفر بسهولة للناس.

وفي احد الايام علم والد فيولا بصاحب الباخرة الصغيرة التي يعمل لديه مابين الحين والأخر انها مبحرة لفرجينيا…فقرر في قرارة نفسه انه حان الوقت للرحيل. ففضفض والد فيولا لصاحب الباخرة عن هلعه وخوفه ان يفقد إبنته الوحيدة تحت وطأة الحرب. وطلب منه بل ترجاه ان تبحر عائلته معه ولن ينسى له معروفه.. صاحب الباخرة اشفق على ماحال إليه والد فيولا فهو يعلم جيدا الحرقة التي بها الرجل لان الحرب افقدته فلذة كبدة ولايريد ان يخسر فردا اخر من عائلته وخاصة معشوقته المدللة فيولا والتي يحملها والدها اين ماحل..فاصبحت معروفة لدى البحارة فأحبها الجميع بروحها المرحة تلك بل كانوا يفتقدونها عندما لاتحضر مع والدها احيانا…
فلم يتآن الرجل لطلب والد فيولا بل وافق على الفور و امره ان يحضر متاعه وعائلته ليلا على الساعة الواحدة صباحا قبل ان تبحر الباخرة بقليل.. ولكن صاحب الباخرة حذره من حراس السواحل انهم يفتشون البواخر خوفا من المهاجرين. فاجابه والد فيولا ان الموت هنا والموت هناك كلاهما. واحد فلا بأس ان يجرب الإنسان حظه على الاقل انه فعل شيئا إكراما لطلب حياة افضل واجمل..

وبالفعل في وحشة وظلمة الليل ظهر والد فيولا وزوجته مع إبنتهما من المخيمات حاملين امتعتهم البسيطة وركبوا السفينة المقصودة وهم على امل وحلم يراودهما ان يجدا وطنا يأويهما مع إبنتهما الصغيرة دون اية خسائر روحية.

وبينما الباخرة تبحر على مقربة من الساحل الجنوبي إذ بعدة مركبات عالية السرعة تتقدم نحو الباخرة وهي تشعل كشافات فائقة الإنارة تصوبها بإتجاه داخل المركبة طالبين منهم ان يخفضوا سرعة إبحار المركبة وان يضع الجميع يديهم فوق رؤوسهم.

 

#بائعه_الرمان
الجزء الثاني

على حين غرة اصبحت الحركة كثيرة فوق سطح الباخرة والاصوات والهتافات من هنا وهناك مرتفعة… فقرر والد فيولا ان يصعد للاعلى لكي يستفسر مالذي يحدث هل الباخرة بها خطب ما..؟
وقبل ان يصعد اوصى زوجته انها لاتلحقه مهما كان حتى ولو تأخر وكأن قلبه حدثه عن مكروه ما. وطلب منها ان تعتني بفيولا وان لاتسمح لها باللعب والركض ومن الافضل لو قامت بتنييمها احسن.
صعد والد فيولا مسرعا خطاه على سلالم الباخرة تحت إرتفاع اصوات الركاب اكثر واكثر والصافرات المعلنة بوجود خطر.. في تلك الاثناء اصبح قلب والد فيولا بالخفقان اراد العودة من اجل خوفه على اسرته الصغيرة ان يحدث لهما مكروه ظنا منه ان الباخرة بها ثقبا وقد تدخل المياه حيث تتواجد زوجته وفيولا. لكنه تسمر بالوسط ولم يستطع ان يصعد او يعود ادراجه للخلف.. ولكن قدره يناديه ان يصعد لاعلى الباخرة.. وما إن وصل للاعلى حتى أصطدم بمنظر لم يتوقعه قط.
الليل اصبح نهارا فجأة من الاضواء المتجهة نحو الباخرة التي تكاد ان تعمي الأبصار ومجموعة من الرجال مسلحين على متن الباخرة مصوبين بنادقهم نحو رؤوس جميع الركاب نساء ورجالا الملقون على ركابهم على ارضية الباخرة وايديهم مرتفعة للسما. واطفالهم المرعوبين الذين جمعوا في زاوية الباخرة يبكون بحرقة على والديهم..
وما إن ظهر والد فيولا امامهم حتى إنقضوا عليه كالغربان السود وحملوه كورقة بالية وأجلسوه على ركبتيه تحت صراخهم الذي لم يفهم لغتهم من اين هم ومن يكونوا بالضبط ومالذي يريدونه منهم..؟
ولكن لايهم من يكونوا واسلوبهم تعدا من اسلوب الحياوانات الوحشية فالموضوع لم ينتهي على الصراخ والتهديد بالسلاح بل الموضوع تخطى للعنف والضرب والتعذيب بل القتل نفسه.
فبعد ثواني معدودات أبيد كل من على سطح الباخرة ومنهم والد فيولا تحت اسلحة نارية خلفت وراءها مجزرة رهيبة تقشعر منها الابدان وحتما التاريخ سيذكر في سجلاته يوما ما حادثة مروعة كهذه .. اما النساء فاغتصبوا ثم قتلوا هم كذلك بدون رحمة ولاشفقة. اما الاطفال فقد حملوا على متن قوارب صغيرة لكي يباعوا في الاسواق السوداء او ربما تباع اعضائهم ثم يرمون جثثهم في مقابر جماعية.

كل هذا وفيولا ووالدتها في قبو الباخرة.. في تلك الاثناء عندما سمعت مارتا ام فيولا اصوات الرصاص إرتعبت كثيرا وعلمت انها في الخطر الذي حذرهم منه قبلا صاحب الباخرة.. فقررت ان تحمي إبنتها بكل الوسائل. فبحثت عن مكان لايستطيع احد ان يخطر في باله بوجود كائن حي فيه.
فخبأت اولا إبنتها فيولا داخل إطار كبير ربما كان لشاحنة ما وتمنت انها لاتستفيق من نومها حتى يمر عليهم الخطر. اما مارتا فاختبأت داخل مدفأة الحطب واول مرة احبت ضعف جسدها الهزيل الذي إستطاعت ان تخفيه بقش الحطب. وما إن اغلقت بوابة الفرن وعدلت من نفسها قليلا حتى حل بالمكان رجال كثر ينبشون في المكان شبرا شبرا وكأنهم يبحثون عن كنز ثمين.. اما عن مارتا فدقات قلبها كادت ان تكشف امرها ودعت في نفسها ان لاتستيقظ فيولا من كثرة الضجيج والاصوات العالية التي حول المكان..
وبعد دقائق معدودات حتى حل الهدوء مجددا بالمكان فأسرعت مارتا بالخروج من داخل المدفأة وهي تكاد تختنق من رائحة رماد الحطب الذي كاد يقضي على انفاسها. فسدت فمها بقماش اسفل فستاتها تكبت به سعالها لكي لايسمع خارج القبو ويكشف امرها… رويدا رويدا هدأت نبضات قلبها السريعة و عاد تنفسها الطبيعي وتوقف السعال الذي داهمها على غرار. وراحت بسرعة تتفقد إبنتها فيولا على سلامتها وان وجودها داخل إطار الشاحنة لم يضرها.وعندما تاكدت انها بامان راحت تتفقد ايضا المدخل الخارجي للقبو. فما إن تأكدت بعدم وجود احد راحت تستجمع قوتها ثانية كي تذهب لتسرق الانظار خلسة لما يحدث فوق سطح الباخرة. ولعل وعسى ترى زوجها هناك ربما يطمئن قلبها قليلا وتكذب حسها الذي اطبق على صدرها بسبب زوجها الذي امضى سويعات ولم يعد إليها بعد..
فصعدت مارتا السلالم وهي على رؤوس اصابعها تتختل حتى وصلت اعلاه وأخرجت رأسها ببطء شديد لكي لاينتبه احد ما لأمرها
وما إن ألقت مارتا بضع نظرات على المكان حتى صعقت بالمنظر كادت ان تطلق صرخة عظبمة من هلعها الكبير.فامسكت نفسها في اخر لحظة و اغلقت فمها بكف يدها ثم عادت ادراجها وهي ترتجف بالكامل من الخوف مما رأته من بشاعة المنظر. القتلى في كل مكان وسطح الباخرة مليء بالدماء… فاصبحت تذهب وتجيء وهي تكلم نفسها مالذي تستطيع فعله من اجل إنقاذ حياتها وحياة إبنتها فيولا..؟
#بائعه_الرمان
الجزء الثالث

عندما سأل الشيخ مارتا إن كانت تبحث عن شخص محدد من بين الموتى الذين قتلوا على سطح الباخرة قبل يومين؟ إرتعش جسدها فجأة خوفا من الرجل وابتعدت اكثر عنه ظنا منها انه ممن كانوا حاضرين المجزرة او مساعدهم بالاحرى بأي شتى من وسائلهم القذرة في فن التعذيب والقتل.
فشعر الرجل بالخوف الذي إنتاب المرأة ثانية نحوه فطمنها وقال لها انه ليس له علاقة بذلكم الناس الذين قتلوا. وإنما هو مجرد تاجر يشتري البواخر والقوارب التي بها عطب ما. يصلحها ويرممها ويحاول ان ينظفها ويقوم بوضع الطلاء عليها ليجعلها جديدة نوعا ما ثم يبيعها في السوق من جديد..
وقال لها ايضا. أن ارادت ان تسأله كيف علم بالموتى الذين بالطبع قتلوا على السطح الذي تقف عليه مارتا الان؟
اجابها انه ببساطة هو من بين التجار الذين اصبحوا يعرفون جيدا عن هذا الامر الذي شاع ولم يعد مستترا مابين الناس مما يحدث في عرض البحر وضواحيه. فهناك لصوص الحرب. لصوص ينتهزون الحروب التي تقيم على بعض الدول ليصبحوا فيها مجرمين لاحدود لهم من الإجرام..متمكنين ينتهكون حرمة الناس ويسرقون اموالهم وإن ارادوا ان يقضوا على ارواحهم يفعلون ذلك دون اي رادع يردعهم . فهم يعلمون جيدا ان البلد الذي يقام فيه الحرب لاحكم ولا سلطة له على شعبها حتى تستعيد حريتها من مستعمرها.
وأردف. ومن ذلكم اللصوص يوجد لصوص البحار. يسرقون البواخر والقوارب ويقتلون من فيها ثم تؤخذ تلك البواخر منهم لتصبح ملكا لهم يفعلون بها مايشاؤون فيبيعونها بمال لابأس به.. واخبرها هم كتجار لايسألون من أين لهم هذا؟ بل يسألون بكم يبيعرن؟ حتى يتفقون على سعر مناسب للطرفين ثم كل فرد يذهب لحياته وينام على الجهة التي يرتاح ضميره بها بعد ذلك.
ثم سألها الشيخ مباشرة بعدها كيف إستطاعت ان تنجوا مع طفلتها من هكذا مجرمين؟
فاجابته إنه القدر. مات الجميع ومنهم زوجي وانا بقيت مجرد شاهدة على تلك المجزرة الفظيعة.
تأسف الرجل لمصاب المراة وخاصة انها اصبحت تبكي امامه وتنتحب بحرقة عن موت زوجها وكيف تستطيع ان تعيش مع إبنتها في بلد الحرب دون حماية زوجها لها ودون اي نقود تسد ابسط إحتياج لها و لصغيزتها.فاشفق عليها وطمنها ان لااحد يموت من الجوع.وعرض عليها إن قبلت ان تذهب معه إلى بلده الاصلي وتعيش في بيته الواسع مع زوجته.حتى تجد عملا وعندما تجمع المال الكافي رتستطيع ان تقف على قدميها وتستاجر منزلا خاصا بهما ترحل حينها.

عندما سمعت مارتا عرض الرجل دبت فيها الروح اخيرا. واحست اول مرة بالراحة معه. وقبلت العرض فورا دون اي تردد ولكن قيدته بشرط ان ترد كل دينه بكل قرش صرفه عليها وعلى إبنتها عندما تجد عملا وتقبض راتبها من خلاله..فأومأ الرجل رأسه بنية الموافقة مصحوبا بإبتسامة عريضة على تفكير المراة وهي في قمة بؤسها لم تنسى كبريائها وعزة نفسها.. ثم اعلمها ان تستريح قليلا قبل ان يبحر بعد ساعتين تقريبا حتى يتم تنظيف ماتبقى من اسطح الباخرة المتسخة واقترحت مارتا مساعدته حتى ينهيا التنظيف في اقسى سرعة ممكنة قبل ان يحل الظلام.

وبعد ساعة تقريبا إنطلقت الباخرة من جديد معلنة على إبحارها وكأنها تعطي فرصة اخرى لركابها او لمن تبقى من ركابها انه هناك أملا دائما يسري في العروق كلما كان هناك نبض بالقلب فهناك امل بالعيش لحياة كريمة وسعيدة ولما لا؟
وطيلة الطريق كاتت مارتا والشيخ يتعرفا على بعضهما البعض عن اسم بلده مثلا ومالذي يميزها عن باقي البلدان وعن كذلك تفاصيل حياته ومن بيتها ان كان له أولاد واحفاد فأجابها حينها انه دون ان يدري ربما رزق بمولود جديد في تلك اللحظة التي إشترى فيها الباخرة وهي الصغيرة فيولا.. فابتسمت حيتها مارتا وباركته بالمولودة الجديدة له وأخبرته انه من هذه اللحظة يعتبر فيولا إبنته.

#بائعه_الرمان_الجزء_الثالث

يتبع بالصفحه

قصص وحكايا العالم  الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق