شعر وشعراء
سيّد العائلة إلى الشاعر الأكبر ، الذي بقي .. صديقي سميح القاسم شعر:المتوكل طه
لماذا تحثّ الخُطى نحو قبرك؟
ما زلتَ في ريعان البراكين..
أقْصِرْ!
فإنّ الذي قد تجرّأ، في رامةِ اللهِ،
لم يتجرّأ، زماناً، عليكْ!
فكيف إذا غبتَ.. آتي سعيداً
وأمشي سريعاً إلى ساعديكْ؟
وكيف سأُنهي النقاشَ الأخيرَ
وكلُّ الشعوب التي هتكوها
أراها تُغنّي على شفتيكْ،
ونارُ الحريق المخيف المُدوّي
يحاول ماءً جرى في يديكْ؟
***
تواضعتَ حتى أتتكَ الطيورُ
وحطّت طويلاً على كتفيكْ.
بسيطاً تجيءُ مع البسطاء
ونعلُ التشاوُفِ في قدميكْ.
وتبكي كطفلٍ أضاعَ الجهاتِ
إذا نَهْنَه الطفلُ في مسمعيكْ.
ونجلسُ في حضرة الليل جَمْعاً
فتحنو الأبوّةُ في راحتيكْ.
وتحكي فتمطر غاباتُ حيفا
دماً يستفيقُ على وجنتيكْ.
وتضحك فيكَ رعودُ الربيع
فيصحو الصباحُ.. ويأتي إليك.
***
وماذا سأقرأ قبل السلامِ
على سيّدِ الحَرْفِ والعائلة؟
وماذا أقصُّ على إخوتي..
ما رأيتُ!
ولمّا تُعبِّرُ لي رؤيتي الذاهلة..
لقد تركوا لي متاعَ الكلامِ
وراحوا جميعاً إلى الحافلة!
وهذا الذي جاء يبكي عليكَ
تزوّج سِرّاً من القاتِلة،
يقولُ: لعكّا حملتُ الورودَ
وقبَّلتُ أسوارَها الماثلة!
نعم!
قَبّلَ السُورَ فيكَ يهوذا..
وباع النبيَّ إلى القافلة.
***
وكيف تلوم رحيليَ! أقْصِرْ
فقد وصلت أحرُفي الزّاجِلة،
وأتمَمْتُ ما بَلَّغَ الوحيُ فعلاً
وفَرْضَاً تكاملَ بالنافِلة..
وموتي مجازٌ وعمري اعتزازٌ
وما ارتجفتْ أضلعي الناحلة
***
أطلتُ البقاءَ.. وكان لهم
أن يُسكِتوا الطفل في القاطرة
وأن يذبحوا نوستراداموسَ حيّاً
ويرموا بأعظُمهِ الناخرة
وأن يفرموا برتقالي الحزينَ
بسكِّينةِ المذبحِ الفاجِرة
وأن يخلعوا الأرضَ من جذرها
ويلقوا بيافا إلى الهاجرة..
ولكنَّهم خسروا ما أرادوا
وظلَّت لنا القدسُ والناصرة
وغزةُ تصعدُ حدَّ البلوغِ
إلى كشْفِ سِدْرَتِها الساحرة!
وما احتشد القلبُ يوماً وناءَ
وثارت مراجِلهُ الساخرة
إلى أن رأيتُ الخرابَ العميمَ
ببغدادَ والشامِ والساهرة
وكيف شظايا الركامِ الدمارِ
هي الآنَ صورتُنا الخاسرة
غداً تلتقي صُحبةَ الشِّعر في
برزخ الرّحلةِ السابلة؛
معينَ وغسّانَ والناصريَّ
وأيامَ غرْفَتِكَ الآهِلة..
ويكفيك أنّكَ لم تتحوَل
ولم تتبدّل..
وأبقيتَ في بيتك الرّاحلة..
وما قتلوكَ وما صلبوكَ
وتبقى المواليد والقابلة..