مكتبة الأدب العربي و العالمي

#سَدِير_الصياد جزء اول

عاش قديما قرب إحدى الغابات المترامية الأطراف سدير الصياد الشاب وحيدا يتيما ليس له أحد سوى قوسه ونشابه التي يعتمد عليهما في الصيد ليستمر  في العيش في  هذه الحياة وكان لا ينزل الى القرية المجاورة إلا نادرا لغرض التزود بمؤنته  وبيع ما جناه خلال جولات صيده من جلود ولحوم
وكان عندما يدخل القرية تجتمع فتيات القرية وحسناواتها ليحظين بنظرة منه وذلك لفتوته وفرط وسامته
لكن سدير لم يكن ليلتفت الى أي فتاة بشكل خاص
كان يقضي حاجته من القرية ثم يرحل سريعاً بصمت فقد عرف عنه الثقل والرزانة
عاش سدير في منزله فترة طويلة بمعزل عن البشر ومشاكلهم لكن يبدو أن المشاكل تأبى أن تفارق سدير
فقد ابتليت القرية بسارق بارع يسرق المجوهرات والنفائس
وقد قام بعض الشهود بإعطاء رجال الأمن مواصفات ذلك السارق حسب رؤيتهم له أثناء الليل
فوجد أن المواصفات تنطبق جزئياً على سدير فقرر الحرس زيارة كوخ سدير لغرض تفتيشه
السارق الحقيقي علم من مصادره بأمر تلك الغارة التفتيشية لذا قام فوراً وقبل وصول الحرس بالذهاب الى كوخ سدير البسيط واقتحمه ودس فيه قلادة ثمينة من ضمن المسروقات ثم غادر على عجل ..
كل هذا تم أثناء خروج سدير للصيد في ذلك اليوم
وكان غرض السارق من توريط سدير هو إبعاد الشبهة عن اللص الحقيقي وعدم افتضاحه كي يتحرك بحرية
وطبعا فبعد إيجاد العقد المسروق في بيت سدير تم اعتباره مجرماً مطلوبا وصدر الأمر بإلقاء القبض عليه
كان سدير في ذلك الوقت يتجول بهدوء في جوف الغابة حتى حلول المساء لذا اضطر أن يخيم في مكانه إذ تستغرق جولات الصيد خاصته من اسبوع الى عشرة أيام قبل أن يقرر العودة الى كوخه
وطبعاً هو لم يكن يعلم بطبيعة المؤامرة المحاكة ضده في ذلك الوقت
كان سدير مستلقياً وهو يراقب النجوم التي تتخلل اوراق الأشجار العالية في تلك الليلة الصافية
وفجأة هز السكون صوت هدير عنيف تلاه ان شاهد سدير جسماً غريبا يخترق قمم الأشجار فيحرقها بلهيبه المنبعث من نهاية الجسم ثم يسقط بسرعته العالية على مسافة غير بعيدة عن موقع سدير ..
سدير كان موقناً أنه رأى أمام عينيه الآن نيزكاً يسقط في الغابة كان قلقا خائفا لكنه قرر ان يذهب حيث سقط النيزك
شاهد سدير  إخدوداً طويلاً في الأرض من جراء أثر سقوط الجسم الغريب وفي نهاية الإخدود شاهد جسماً كرويا قد غطاه التراب ..
إختبئ سدير خلف إحدى الأشجار وأخذ يرقب ذلك الجرم السماوي بكل إهتمام هنا وأمام دهشة سدير الهائلة إنشق من جدار الكرة باب خفي خرج منه بخار كثيف ومن بين البخار قفزت الى الأرض فتاة رشيقة ترتدي ملابس ملونة وضيقة قد غطت جسمها بالكامل ..
شكل الفتاة إضافة الى جمالها المفرط بشعرها الأحمر المسترسل قد فتن  سدير جمالها وجمده في مكانه ومنعه من إصدار أدنى صوت خشية إخافتها تماما كما يفعل مع جميع طرائده
وقفت الفتاة الغريبة تتلفت حواليها محاولة أن تتعرف على مكانها بالتحديد
هنا شاهد سدير ذئبا ضخما ذو شعر غزير يقترب من الفتاة من الخلف فسارع الى نباله وامتشق سهماً وأطلقه بسرعة ليصيب فخذ الحيوان الخلفية ..
إلتفتت الفتاة الى الذئب وقد اعترتها الدهشة فركضت إليه وجثت مقابله تعاين جرحه
ثم خرج سدير وصوب سهماً آخر وهجم على الذئب ليقضي عليه لكن الفتاة التفتت ورفعت يديها ووقفت حائلا بين سدير وبين الذئب وأخذت تتكلم بلغة غريبة وكأنها تمنع سديرا من قتل الحيوان …
أرخى سدير سهمه وقال آسف لكني لا أفهم ما تقولين ..
هنا قالت الفتاة بلهجة فصيحة أنت تتكلم العربية إذا كان يجب أن أتوقع ذلك ..
ثم أشارت الفتاة الى الذئب وقالت بغضب إنه صديقي ولن أدعك تقتله أيها المتوحش ..
هنا واستمراراً لسلسلة مفاجآت تلك الليلة نطق الذئب الأشعث قائلا دعيني واهربي يا سيدتي إنهم قادمون في أية لحظة ..
جثت الفتاة أمام ذئبها وقالت كلا لن أتخلى عنك يا بارق
قال سدير :أتسمين ذئبك بارق حسنا دعيني أرى
اقترب سدير ليعاين جرح الوحش
فقالت الفتاة ماذا تريد أن تصنع ؟
قال قد أكون صيادا لكني لست بمتوحش
قام سدير بنزع السهم وتضميد الجرح جيدا كما أنه اعتذر من الذئب ثم التفت الى الفتاة وقال اعتذر إليك أيضا لقد اعتقدت أنه كان يهاجمك فلم يسبق لي أن رأيتُ أحداً يصادق حيواناً مفترسا ..
قالت بتعصب هل انتهيت والآن ارحل من هنا لقد كدت أن تقتل صديقي الوحيد على هذه الأرض
قال أخبرتكِ أني آسف وشرحت لك السبب
قالت ببرود إعتذارك غير كافي والآن اتركنا أرجوك
سمع سدير الفتاة تتحدث مع ذئبها بلغة غريبة بعد ذلك نهض الذئب وانطلق مبتعداً حتى اختفى وسط الغابة
أما الفتاة فقد غطت الكرة التي  جاءت بها بالأغصان وأوراق الأشجار حتى أخفتها جيداً ثم سارت باتجاه مغاير لطريق الذئب
عاد سدير إلى بيته دون أن يصطاد شيئا فقد شغله التفكير بالفتاة الغريبة عن الصيد بل وشغله أيضا عن الإنتباه الى الكمين الذي أعده له رجال الحرس حتى سقط في قبضتهم وهو الصياد الماهر الحذق
تم اقتياد سدير من كوخه للخروج به من الغابة وهو لا يعلم سبب القبض عليه وعندما أخبروه بالأمر سخر منهم واتهمهم بالتحايل عليه لتوريطه بتلك التهم المزعومة لكنهم رفضوا الإصغاء إليه
بعد قليل ذهل سدير عندما شاهد بعض الحرس وهم يقتادون الفتاة الغريبة الى قائدهم حيث قال أحدهم :سيدي لقد عثرنا على هذه الغريبة تتجول الغابة بمفردها بشكل مثير للريبة انظر الى ملابسها إنها ليست من هذه الأنحاء
قال قائد الحرس لنأخذها معنا لنحقق معها
قام الحرس بتكبيل معصم الغريبة الأيمن مع معصم سدير الأيسر بواسطة سلسلة طولها متر ثم اقتادوهما معا سيرا على الأقدام
قال سدير يبدو أنك لن تستطيعي التخلص مني بسهولة
اشاحت الفتاة بوجهها عنه وقالت بامتعاض رجاءا لا تتحدث معي
قبيل طلوع الفجر وعندما اقتربت المجموعة من الوصول الى أطراف الغابة التفتت الفتاة الى سدير وقالت اسمع يا هذا
قال سدير الآن ترغبين بالكلام ثم أن اسمي هو سدير
قالت بلا مبالاة أيا كان سوف نهرب الآن لا يمكنني أن أدعهم يخرجوني من الغابة وبما أنك مقيد معي لذا سوف تأتي برفقتي
قال انتظري لحظة أنا بريئ وإذا هربت الآن فسوف تتأكد التهمة علي
قالت بنفاد صبر وهل تراني أكترث لأمرك ؟
كانت المجموعة تسير على حافة منحدر عشبي طويل هنا قامت الفتاة بدفع سدير  فسقطا وتدحرجا معا بسرعة من على المنحدر حتى بلغا أقصاه
قامو الحرس بالإلتفاف حول المنحدر لإدراك الهاربين
حاولت الفتاة الركض وهي تصيح بسدير ليسرع لكن سدير جمد في مكانه وقال لن استمر معك أيتها الغريبة
هنا التفتت الفتاة الى سدير وقد تغيرت نظرتها اليه وحتى طريقة كلامها عندما قالت ايها الصياد سدير ارجوك ان تساعدني على الهرب أتوسل إليك
قال أرأيتي عندما تطلبين بلطف فأن الأمور تجري بسلاسة
قاد سدير الفتاة الى عمق الغابة مستخدما خبرته الواسعة في التخفي والهرب من ملاحقيهما
وصل الإثنان الى مكان مظلم من الغابة حيث قال سدير
نحن الآن بأمان منهم لن يجرؤ أحد على الوصول الى هذا الجزء من الغابة
قالت أنا جائعة ما الذي لديكم هنا يصلح للأكل ؟
شاهد سدير نوع من الفواكه يتدلى من شجرة لكن يديه لا تطاله فطلب من الفتاة أن ترتقي على كتفيه للوصول للفاكهة فترددت لأول وهلة ثم وافقت مرغمة بعد ان أضر بها الجوع
صعدت الفتاة على كتفي سدير فلما بلغت الفاكهة شرعت بأكلها دون ان تقطفها فلما أنزلها سدير نظر الى يديها فوجدها فارغة فقال فأين الفاكهة
قالت لقد أكلت وشبعت
قال وماذا عني إسمعي يا سيدتي يجب أن تبدئي بالتفكير بغيرك من باب التغيير أعلم أنك جئتي من الفضاء ولديكم عادات تختلف عنا ولكن هناك أمور أساسية لا غنى عنها إذا ما أردت  الإستمرار في الحياة هنا ومنها المشاركة خصوصا مع رفيقك المقيد معك بنفس الأغلال
قالت ولماذا أطعمك وأنت كدت أن تقتل صديقي بارق هذا شيئ لن أغفره لك أبدا
مسح سدير وجهه براحة يده تعبيرا عن الخيبة وقال
لا فائدة ثم بحث في الأرض فالتقط عصا طويلة وشرع يضرب الفاكهة المعلقة فيسقطها ثم يلتقطها من الأرض يأكلها
فازدرت الفتاة تصرفه وقالت أووف يا لكم من جنس همجي مثير للإشمئزاز
قال المثير للإشمئزاز فعلا هو الأنانية وعدم الإهتمام بالغير
نظرت الفتاة اليه بعنجهية وقالت من تقصد بكلامك يا هذا ؟
قال أخبرتكِ أن اسمي هو سدير وأنت حتى الآن لم تشرفينا بإسمك
قالت وما تصنع باسمي هل نحن أصدقاء مثلا حتى أخبرك به
قال لا العفو يبدو أن كل شيئ أقوله أو أفعله لا يعجب ضيفتنا السماوية
قالت أخبرتك منذ البداية أن لا تتحدث معي
إستلقى الاثنان ارضاً لغرض الراحة ثم قاما بإغلاق عينيهما طلباً للنوم لكن بعد عدة دقائق نهضت الفتاة بحذر وأمسكت حجرا ورفعته قبالة سدير كأنها تريد ضربه
لكنها ترددت هنا قال سدير وهو مغمض العينين ماذا تنتظرين إنها فرصتك ثم فتح عينيه ونظر إليها بحدة فرمت هي بالحجر وقالت ما الفائدة فنحن مربوطان بسلسلة وقتلك سيعني اضطراري الى سحب جثتك معي طوال الطريق
هنا أمسك هو بالحجر وصوب نحوها بكل جدية فارتعدت فرائصها هلعاً وصاحت لا أرجوك أنا آسفة لكنه رماها بالحجر فكانت المفاجأة

يتبع

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق