مكتبة الأدب العربي و العالمي

قصة الرّاعي_وبنت_السلطان الجزء السابع والاخير

اشتدّ الهتاف في المدينة للأميرة رباب بعدما صارت الأمل الوحيد في التّصدي للسّاحر ، وبدأ الناس يتجهّزون للخروج إليه قبل أن يقضي على القرى ويحرق الحقول،قال القائد نور الدين : الرّأي أن نكمن لهم في أحد الأودية !!! لكن محمود ردّ : لن ينفع ذلك ،فالخفافيش ستعلمه بمكاننا ،الحلّ أن نحفر حفرا كبيرة ونغطيها بالأغصان ،ونكثر من السّهام والمشاعل .لمّا وصلوا إلى سهل واسع ،بدأوا بالحفر ،وبعد ساعات كان كلّ شيئ جاهزا،وقال :كلّ من ينجح في العبور سنرميه بما في أيدينا من أسلحة .
بعد قليل سمع النّاس دقّات الطّبول من بعيد ،وكانت قويّة تصمّ الآذان فانتشر الفزع ،وفجأة ظهر سرب من الخفافيش، وهاجم الجنود والعامّة، ونهش لحمهم ،ولم يقدر أحد على دفعهم، قال الحصان لمحمود :هذه فقط طليعة السّاحر ،وفتكت بنا، فما بالك لو وصل كل جيشهم !!! يجب أن نفهم لماذا تصلح السّنبلة ؟ ليس من الصّدفة إن طلبت منك الكاهنة إحضارها، حاول أن تتذكّر، هل حكت لك عن شيئ ؟وضع محمود يده على جبينه ،ثم قال: لقد تحدّثت عن عدم الاستهانة بالضّعيف ،صاح الحصان: طبعا !!! هيا نذهب لملكات النمل و الهوام ،ونطلب منهم الإنضمام إلينا ، فالبعوضة تدمي مقلة الأسد .فخرج محمود، ومشى في البرية ،وبعد أن دار في كل مكان ووقف أمام مستعمرة كبيرة للنمل، ورآهم يبحثون عمّا يأكلونه ،فلقد أفسد الساحر الأراضي التي كانوا يجمعون منها طعامهم ،ثم كلمهم الحصان المسحور الذي يعرف ألسنة الدواب والهوام ،وأخبرهم أنّه يريد رؤية ملكتهم، فتعجّبوا كيف يحسن لغتهم مع عظم خلقته .
لم يمض وقت طويل حتى خرجت الملكة ،وقد إشتد فضولها، فأخبرها عن حاله ،وعن حوريات الغابة اللواتي علمنه سحرهن ،و بأن الخطر يتهدد مملكة الإنس، وما عليها .كانت ملكة النّمل حكيمة ،فأطرقت برأسها ،ثم قالت : لقد قلّ طعامنا ،وكلّ قومنا يمشون طويلا لإحضار ما يسد رمقنا . فقال لها : وماذا إن أعطيناك ما يكفيك وزيادة؟ أجابته :سأجمع النّمل وآتي معك للحرب !!! فأخذ محمود السّنبلة من جيبه ،وفركها فسقطت الحبوب على الأرض، ثم فتح القربة ،وصبّ عليها الماء ،فبدأت بالنموّ من حينها ،وتصايح النمل من الفرحة .ثم ذهب الحصان إلى ملكة الخنافس، فأخبرته أنّ النّمل ينافسها في الأعشاب والزّهور التي تأكلها ،وإن أبعدتهم عن طعامنا جئنا معك ،فأعلمهم أنّ النّمل صار له القمح، فوعدته بالقدوم معه. ثمّ ذهب إلى ملكة النّحل ،فقالت له أنّ الخنافس تأكل الزّهور البرّية ،ونريد أن أن تبقى حصة لنا ،فقال لهم النّمل له القمح ،والخنافيس لها الأعشاب وانتم الزّهور ،ثم قال محمود للحصان :لقد نفّذنا ما أوصتنا به الكاهنة العجوز ،والآن هيّا بنا ننظر إلى ما يحصل ، فأنا أخشى أن يصيب رباب مكروه ،فهي عنيدة ،و ،ولا تخاف من شيئ !!!
ما أن وصل محمود ،سمع الصراخ ،ورأى النّاس تفرّ في كلّ إتجاه والأغوال ترميها بالصّخور ،و تلك المخلوقات كانت أذكى ممّا تصوّر، ولم تقع في الحفر. أمّا الأميرة فكانت تقاتل بشجاعة مع نور الدين وحفنة من الجنود ، فصاح محمود: أهربي يا رباب، وإلا قتلوك !!! لكنها ردت: هذه أرضي ولن أستسلم ،قال لها :إذن سآتي إليك ونموت معا ،لكن في هذه اللحظة سمع دبيبا عظيما يأتي وراءه ولمّا إلتفت لمح ملكة النمل تتقدم شعبها وهو بعدد الحصى والتراب ،ومن كل مكان كانت تخرج الهوام ،وفيها الخنافس والعناكب وكلها جاءت للحرب، فأمسكت الأغوال العصيّ ،وبدأت تضرب فيها لكنها أكلت العصي، وطلعت في أجسامها ، تفاجأ السّاحر بكل هذه الهوام ، وأمسك عصاه السّحرية ،وبدأ يحرق فيها ،وقال بغضب :سأذهب إلى دياركم ،وأسحق بيضكم!!! لكنه لم يفرح كثيرا ،فقد سمع طنينا قويا في السماء ،ولمّا رفع عينيه رأى النحل يطير،ويمزّق من وجده من خفافيش،وغربان ،فقال: ويحي ، من أين جائوا ؟ إن لم ادفعهم  هلكنا .
قال محمود للحصان : إسمع !!! السّاحر مشغول ،وقد ساء حاله ،فخذني إليه، جرى الحصان بقوّة وسط الهوام ،ولمّا صار قريبا منه، ظهرت الكاهنة على ظهر بجعة،وقالت للفتى: :إسمع ،قوته في تلك العصا ذات الجمجمة، فإن كسرتها إنتهى أمره !!! فأخذ حجرا ،ورماه ،وحرّكت البجعة جناحيها،فهبت الرّيح عليه، فطار كالسّهم ،وشقّ الجمجمة إلى نصفين ،ولم يعد يوجد ما يردّ الهوام التي قتلت من وجدته أمامها .وصار السّاحر محصورا لا حول له ولا قوّة ،فابتسم بسخرية، وقال: حتى ولو قتلتموني، فلن تعود بلدكم كما كانت، وستموتون جوعا ،قالت الكاهنة لقد زرعنا السنبلة ذات الألف حبة، وستمتلأ أرضنا بالقمح ،أجاب السّاحر هذا مستحيل، لا أحد يمكنه النزول إلى البئر الذي لا قاع له ،ردت الكاهنة: أنظر بنفسك !!!
فلما إلتفت إلى حيث أشارت إليه ،فرأى السّنابل الصغيرة تنمو بكثرة، وتتّسع مساحتها ،وقالت له :هذه المرّة لقد خسرت ،فسنرجع أقوى مّما كنّا في الماضي،أمّا أنا سآخذ بنات يتيمات ،وأعلّمهن ،وأعيد بناء المعبد في الغابة ،لقد تعلمنا كيف نتّحد ،وكيف نجعل من الضّعف قوة ،والآن ستدفع ثمن جرائمك أيها الئيم !!!فضحك ،وقال أنا لا أخاف من الموت ،قالت ملكة النمل: أتركوه لنا، وما هي إلا لحظة حتى دخل النمل في آذانه وعينيه ،وافترسه، ولم يترك منه إلا العظم والجلد .بعد النّصر ،رجعت رباب ومن بقي من قومها إلى المدينة ،وقد كان هناك الكثير ليتم إصلاحه ،وإعماره ،أما محمود فركب الحصان ،ورجع إلى قريته ،فرى جدّيه في صحّة جيّدة ،وفرح لذك كثيرا ،ولما سأله جدّه أين كان طوال هذا الوقت ،وإن أتى بشيئ في يده، فقال له لقد أتيتك بتاج المملكة ،ولكي لا تندهش فأنا السّلطان، والأميرة رباب زوجتى لقد تحققت النّبوءة التي عمرها خمسمائة عام .

من قصص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق