مكتبة الأدب العربي و العالمي
الْفَصِيحُ وَالدَّخِيلُ وَالْمُعَرَّبُ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ:
أَ. د. لطفي منصُور
دَرَسُوا وَبَحَثُوا وَنَقَّبُوا وَكَتَبُوا وَعانَوْا لِأَجْلِنا، فَهَلْ يُجْزِيهِمْ إذا ذَكَرْنا فَضْلَهُم؟
لِحِرْصِي عَلَى أَصالَةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَقائِها مِنْ شَوائِبِ الدَّخِيلِ غَيْرِ الْعَرَبِيِّ، وَاسْتِبْدالِهِ بِالْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ ، بِمَعْناهُ الدَّقِيقِ نَفْسِهِ، اجْتَهَدْتُ في اِقْتِناءِ كُتُبِ الفَصِيحِ وَالدَّخِيلِ وَالْمُعَرَّبِ، وَاسْتِعْمالِها وَالنَّظَرِ فيها، وَالْإفادَةِ منها. أَهَمُّ هَذِهِ الْمَراجِعِ فَصِيحُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى الْكوفِيُّ الْمَعْرُوفِ بِثَعْلَبٍ (ت ٢٩١هج) وَالشُّروحُ عَلَيْهِ، وَأَهَمُّها شَرحُ الزَّمَخْشَرِي بِمُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ ، وَكَذَلِكَ شَرْحُ ابْنُ هِشام اللَّخْمِي بِمُجَلَّدٍ كَبِير. وَهُناكَ كِتابُ “تَصْحِيحُ الْفَصِيحِ” لِابِنْ دَرَسْتَوَيُه جَمَعَ فِيهِ الْمَآخِذَ عَلَى فَصِيَحِ ثَعْلَبٍ، وَهُناكَ تَكْمِلَةٌ لِفَصِيحِ ثَعْلَبِ كَتَبَها أَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ الْمَعْرُوفُ بِغُلامِ ثَعْلَبٍ.
هَذا ما وَصَلَتْ إلَيْهِ يَدِي مِنْ مَصادِرِ الْفَصِيحِ في اللُّغَةِ.
وَكَلِمَةُ الْفَصِيحِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَصُحَ اللَّبَنُ، أَيْ زالَتْ رَغْوَتُهُ فَبانَ بَياضُهُ. وَنَقُولُ: فَصُحَ الْغُلامُ بِمَعْنَى بانَ كَلامُهُ فَأَصْبَحَ يُفْهَمُ عَنْهُ.
أَظُنُّ أنَّ تِلْكُمُ الْمَراجِعَ الَّتي ذَكَرْتُها قَدْ ضَمَّتْ كُلَّ فَصِيحِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّذي وَضَعَهُ الْعَرَبُ لنا. وَهِيَ مُزَوَّدَةٌ بالْفَهارِسِ الْعِلْمِيَّةِ، حاصَّةً فَهْرَسِ اللُّغَةِ تُمَكِنُ القارِئَ الرُّجُوعَ إلَيْها بِسُهولَةٍ.
بِجانِبِ اهْتِمامي بِالْفَصِيحِ كانَ لِيَ اهْتِمامٌ – وَلا يَزالُ – بِالدَّخِيلِ . وَهِيَ الْأَلْفاظُ غَيْرُ الْعَرَبِيَّةِ الَّتي دَخَلَتْ لُغَتَنا مِنَ اللُّغاتِ الْأُخْرَى نَحْسَبُها خَطَأً عَرَبِيَّةً وَهِيَ غَيْرُ كَذَلِكَ.
وَهُناكَ الْمُعَرَّبُ وَهِيَ الْكَلِماتُ الْأَجْنَبِيَّةُ الَّتي أَجْرَى عَلَيْها الْعَرَبُ تَعْدِيلًا في مَبْناها، بِالْحَذْفِ أوِ الزِّيادَةِ وَإلْحاقِها بِسَنَنِ العَرَبِيَّةِ مِثْلَ السَّجَنْجَلِ والْمَنْجَنُونُ وَالسِّجِلِّ وَغَيْرِها.
عِنْدَنا مِنْ كُتُبِ التَّعْرِيبِ الْقَديمَةِ كِتابُ الْمُعَرَّبِ لِلْإمامِ اللُّغَوِيِّ مَوْهُوبِ بنِ مُحَمَّدٍ الْجَوالِيقِيِّ (ت ٥٤٠هج) وَهُوَ كِتابٌ عَظيمٌ رائِعٌ، وَأَضافَ إلَيْهِ ابْنُ بَرِّي حاشِيَةً مُهِمَّةًً، وَلِلْإمامِ السُّيُوطِي كِتابُ “الْمُهَذَّبُ فيما وَقَعَ في الْقُرْآنِ مِنَ الْمُعَرَّبِ” وَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ كِتابِ السُّيوطي “الْإتْقانُ في عُلُومِ الْقُرْآنِ”.
وَقَدْ وَضَعَ جَمالُ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ (ت٨٢٠هج) كِتابًا ضَخْمًا عَلَى كِتابِ الْمُعَرَّبِ لِلْجَواليقي فَزادَتْ فائِدَتُهُ وَتَعاظَمَتْ.
نَحْنُ بِحاجَةٍ إلَى التَّعْرِيبِ، في عَصْرِنا الْحاضِرِ، كَحاجّتِنا إلَى الْماءِ والْهَواءِ، عَصْرِ تَفَجُّرِ الْعُلُومِ والتِّكٍنولوجيا والْإنْتَرْنِت، وَالْمُخْتَرَعاتِ الْحَدِيثَةِ في كُلِّ الْمَيادِينِ . أَكونُ صَريحًا إذا قُلْتُ إنَّ مَجامِعَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لا تّقُومُ بِواجِبِها كَما يَنْبّغي. إذْ تَنْقُصُها الْميزانِيّاتُ الدّاعِمَةُ، والْخِبْرَةُ الْمَطْلُوبَةُ، وَيَنْقُصُها التَّنْسيقُ أَيْضًا.
وَمُقابِلُ اهْتِمامِي بِالْفَصِيحِ
جاءَ اهْتِمامِي بِالدَّخِيلِ ، لِأَتَجَنَّبَهُ في كِتاباتي وَمُؤلَّفاتِي،إلَّا عِنْدَ الْحاجَةِ فَاقْتَنَيْتُ كِتابَ “فَضْلُ السَّبِيلِ فِيما في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الدَّخِيلِ” لِلْمُحِبِّي (ت ١١١١هج) بِمُجَلَّدَيْنِ ضَخْمَيْنِ . وَكَذَلِكَ مُعْجَمُ “الْأَلْفاظُ وَالتَّراكِيبِ الْمُوَلَّدَةِ في شِفاءِ الْغَليل فيما في كَلامِ الْعَرَبِ مِنَ الدَّخيل” لِشِهابِ الدِّينِ أَحْمَدَ الْخَفاجِي الْمِصْرِي.
إنَّ فَوائِدَ الدَّخِيلِ في الْعَرَبِيَّةِ كَثِيرَةٌ وَغَيْرُ مَحْدُودَةٍ. فَهُوَ يَسُدُّ النَّقْصَ في اللُّغَةِ الْفُصْحَى، فَيُسَهِّلُ التَّعْبِيرَ عَلَى النّاطِقِينَ بِها.
بَقِيَ مَصْدَرٌ لَمْ أَذْكُرْهُ كانَ السَّبَبَ في اخْتِيارِ هذا الْمَوْضُوعِ . هُوَ كِتابُ “تَفْسيرُ الْأَلْفاظِ الدَّخيلَةِ في اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ ذِكْرِ أَصْلِها بِحُرُوفِهِ” تَأْليفُ طوبيا العنبسي.
كُتَيِّبٌ أَهَمُّ مِنَ الْمُجَلَّداتِ يَحْتَوِي عَلَى ألفِ كَلِمَةٍ دَخيلَةٍ مِنَ الْفارِسِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالْفَرَنْسِيَّةِ، والْإيطالِيَّةِ والْيونانِيَّةِ وَالْإنْجِليزِيِّةِ وَغَيُرِها.
كَمْ عانَى مُؤَلِّفُ الْكِتابِ في جَمْعِ مادَّتِهِ وَتَنْقِيبِهِ وَأنا أَفْهَمُ مُعاناةَ الْمُؤَلِّفِ وَأُقَدِّرُها.