الخلاصة :
يجوز إخراج القيمة حبوبا و نقدا – قال به الإمام البخاري و ابن تيمية ، و كل هذا ميسر لمصلحة الفقير و هذا من مقاصد الشريعة بالرأي و القصد و العقل و النقل ٠
و لا سيما في العصر الحديث حيث المجتمعات المكتظة و الصناعية و التجارية و متنوعة المحاصيل و الثمار ، تقليلا للمشقة و تمشيا مع الواقع البيئة وحاجة الفقير المتنوعة ٠٠
وذلك توفيرا و تيسيرا على الناس و من باب التوسعة و التبديل و العِوض المباح ، و كل هذا بالدليل الصحيح من الكتاب و السنة و اجتهاد العلماء ٠٠
فلا يصح أن نرد رأيا و ننكر على كل فريق اجتهاده في مسائل الفقه للوصول للأحكام الشرعية هكذا ٠
ننوه أن حديث “صوم رمضان مُعلَّق بين السماء والأرض، لا يُرفع إلا بزكاة الفطر” حديث لم يثبت.
فالصيام صحيح و إنما شُرعت الزكاة هنا طُهرة و خلافه ٠
٠٠٠٠٠٠٠٠
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
أخي و صديقي الكريم كل عام وحضراتكم بخير و سلام جميعا ، في ظل نفحات شهر رمضان و ليلة القدر وزكاة الفطر و الدعاء المقبول وواقع التقوى إن شاء الله ٠
عن الإمام الشافعي رضي الله عنه:
” رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” ٠
في البداية كل مسألة ليس فيها نص قطعي الثبوت والدلالة فهي من مسائل الاجتهاد بيقين و هذه المسألة من هذا النوع بلا ريب.
كما يقول كثير من الفقهاء أصحاب الرؤية و الفهم و الإدراك قديما و حديثا و من ثم ننقل هنا نتائج بحثهم و تجاربهم ٠
ومن كان يسوغ له التقليد -ومعظم الناس كذلك- جاز له أن يقلد أحد المذاهب المتبوعة، المتلقاة بالقبول لدى الأمة، وهذا هو المستطاع بالنسبة لمثله فليس عنده أدوات الاجتهاد ولا شروطه ٠٠
قال تعالى :
” لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ”
و قال تعالى:
” فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ” ٠
وقال رسوله صلى الله عليه وسلم:
“إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم”. (متفق عليه) ٠
بحيث يعنت المخرج طلبها، ولا يحتاج الفقير إليها لأنه لم يعد يطحن ويعجن ويخبز فلا يماري منصف في أن إخراج القيمة في هذه الحال هو الأولى.
وقد أحسن الإمام ابن تيمية حين أجاز لمن باع ثمر بستانه بدراهم أن يخرج عشرة منها، ولا يكلف أن يشتري ثمرًا، إذ قد ساوى الفقراء بنفسه، كما أجاز لمن لم يجد في مدينته من يبيعه شاة عن إبله، أن يخرج قيمتها ولا يكلف السفر إلى مدينة أخرى لشرائها، وهذا هو الفقه حقًا وكيف نكلف المسلم في مدينة ما بها الملايين من المسلمين بإخراج الحبوب، التي لم يعد من الميسور إحضارها، ولا من النافع للفقير إعطاؤها؟ !٠
وفرق بين من يكون عنده الطعام ويضن به على الفقير، ومن ليس عنده إلا النقود كأهل المدن، فهو يسوي الفقراء بنفسه.
والزكاة إنما جُعلت لإغناء الفقير عن الطواف في يوم العيد، والأغنياء يتمتعون بمالهم وعيالهم، ولينظر امرؤ لنفسه:
هل يرى أنه يغني الفقير عن الطواف إذا أعطاه صاع تمر أو صاع شعير، في بلد كبير متداخل وسط متطلبات زخم المدنية الحديثة و حركة الحياة المتطورة حسب الاحتياجات الضرورية في هذه الأيام على سبيل المثال ٠٠
وماذا يفعل بهما الفقير إلا أن يطوف ليجد من يشتريهما ببخس من القيمة، ليبتاع لنفسه أو لأولاده ما يتقوتون به؟! (انظر:
و هذا المعنى تناول هامش المحلى لابن حزم وعلق عليه العلامة أحمد شاكر .
على أن فقهاء المذاهب المتبوعة أجازوا إخراج الزكاة من غالب قوت البلد وإن لم يكن من الأطعمة المنصوصة، رعاية للمقصد.
أما نقل الزكاة إلى بلد آخر، فهو جائز إذا كان ذلك لاعتبار صحيح، كأن يكون ذلك بعد استغناء البلد الذي فيه المزكي في زكاة الفطر، أو الذي فيه المال في زكاة المال، أو يكون البلد الآخر أشد حاجة لنزول مجاعة أو كارثة به..
أو اجتياح عدو له يحتاج إلى مقاومته..
أو يكون له قرابة محتاجون في البلد الآخر، وهو أعرف بحاجتهم، وأولى بهم.
* وثمة آراء للمزيد لاستنباط الأحكام في هذا الموضوع و بيان مقاصدها :
و يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً وأن ذلك هوالأفضل لها،فكان مما قاله:
= قد أخطأ من قال أن الحنفية فقط هم من انفردوا بإخراج زكاة الفطر نقوداً وللأمانة العلمية يرى للإمام أحمد قولان :
-أحدهما يجزئ ٠
– والآخر لايجزئ والراجح هنا من مذهبه أنها لاتجزئ ٠
= وكذلك للإمام مالك قولان والراجح في مذهبه أنها تجزئ ٠
= والشافعية قولاً واحداً على أنها لا تجزئ ٠ = والأحناف عكسهم.
* النتيجة :
إذا فقول ونصف على أنها تجزئ وقول ونصف على أنها لاتجزئ.
= قال ابن حجر في الفتح:
وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً وفي جواز إخراج العوض في الزكاة وبوب البخاري باباً سماه “باب العوض”.
= حديث معاذ بن جبل حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليأخذ منهم زكاة الحبوب والثمار (الزروع) فقال لهم:
ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
إن جاز تغير النوع في زكاة المال (الأعلى) جاز للأدنى وهي زكاة الفطر.
ومعاذ بن جبل قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:
” أعلمهم بالحلال والحرام معاذ” ٠
= حديث جابر حين بعثه على الصدقة فأراد أن يأخذ من رجل بنت مخاض فقال له الرجل بنت مخاض صغيرة خذ مكانها بنت لبون فقال له جابر:لا، فحتكما إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي لجابر: خذها منه إن رضي بها نفسه. أوكما قال صلى الله عليه وسلم-فدل على جواز تغير النوع-.
= ذكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي إسحاق السبيعي –وهو أصدق أهل زمانه- أنه قال: أدركتهم –أي الصحابة-وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام.
و قد ذكر ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى ولاته في الأمصار أن صدقة الفطر نصف صاع على كل إنسان أو القيمة نصف درهم.
وكان في عصر عمر بن عبد العزيز ثلاثة آلاف صحابي ولم ينكر عليه أحد،وسكوت الصحابة إقرار منهم على ذلك.
= وروي عن الحسن قوله: لابأس أن تعطى الدراهم في صدقة الفطر.
= و كتب أبو بكر الصديق لأبي سعيد الخدري:
أن من كانت زكاته بنت مخاض ولم يكن عنده إلا بنت لبون خذها منه وأعطه الفرق “عشرين درهماً وشاة”.
وفي هذا جواز إعطاء القيمة.
وهناك باب كامل في مصنف ابن أبي شيبة في “جواز إخراج زكاة الفطر دراهم” فمن أراد الاستزادة فعليه بالرجوع إليه.
= ورد عن عثمان وعلي ومعاوية والحسن وابن عباس أنهم أجازوا إخراج نصف مد من قمح الشام بدلاً من مد القمح المدني.
“وهؤلاء قد غيروا نص الحديث” ٠
= قال محمد بن الحسن الشيباني رداًعلى الشافعية:
إن التزمنا بالنص كما تريدون فلا يجوز أن تخرج الزكاة غير هذه الأصناف الخمسة سواء أرز أو من قوت أهل البلد، ولابد أن تكون بالصاع النبوي ونحن قوم ليس عندهم صاع نبوي فماذا نفعل؟ !٠
فرد الشافعية:
اشتروه من عندنا ٠
فرد الشيباني:
وإن كان بيننا وبينكم حرب ماذا نفعل؟ ٠
فسكت الشافعية ولم يجيبوا.
* فائدة لطيفة :
= “وإذا فتحنا باب القياس والاجتهاد باخراجها من غالب قوت أهل البلد فلابد أن نسمح للأحناف القياس وهو إخراجها نقوداً “.
= أجمع أهل العلم على أن المراد “بالطعام” المذكور بالحديث هو”القمح”.
= أورد الإمام مالك بسند صحيح:
“أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم” ٠
والفقراء يحتاجون في هذا اليوم للمال ولايطلبون الطعام.
= من قال باخراجها نقوداً:
أبو حنيفة والبخاري والراجح من مذهب مالك والثوري والحسن البصري وغيرهم ٠
= وقول ابن تيمية :
(وهو أن الأصل منع إخراجها نقود ولكن يباح لحاجة الفقير ) ٠
هذه الآراء قد جمعتها و عرضتها تسلسل سهل منطقي يبين فهم وإدراك كل فريق حسب اجتهاده و رؤيته لمقاصد الشريعة فلا ننكر و لا نحجر على رأي دون رأي فالمسائلة فيها منحة وفسحة جواز إخراج القيمة نقدا لمصلحة الفقير ٠٠
فأخرج حبوبا أو نقودا إنما يتقبل الله من المتقين إن شاء الله ٠
و كفى شقاق و خلاف و بلبلة على عوام المسلمين لإنتصار للرأي على رأي فجمال الفقه المقارن نقل كافة الأدلة وبيانها دون تعصب وجهل لتطبيق مقاصد الشريعة و قياس المصلحة من خلال الأدلة كما وضحناها بسرد تفصيلي دون أدنى شك ٠
و على الله قصد السبيل ٠