مقالات
ألب أرسلان
اجتمعت أوروبا في جيش بلغ عددة 600 ألف مقاتل ومعهم ألف منجنيق وكل منجنيق يجره مئة ثور لهدم الكعبة وإبادة المشرق الإسلامي ..
وكان الجيش يضم البابا ومعه ٣٥ ألف بطريرق، وما لا يحصى عدده من القوات والسلاح والعدة والعتاد ..
وأعلنوا الحرب المقدسة وتوجهوا لديار المسلمين من اجل إفنائهم وإبادتهم .. كانت الخلافة العباسية في أسوأ أيامها من فقر وضعف ومهانة، وكانت الشيعة هي التي تتحكّم بديار الإسلام، عبر دويلات شتى وكانت الخلافة لا تضم سوى 3000 جندي يخرجون في موكب الخليفة الذي لا اسم له ولا صفة سوى الدعاء له في صلاه الجمعة …!!
فهل انتهى الأمر ؟؟ بالطبع لا .. كانت هناك إمارة صغيرة اسمها دولة السلاجقة .. كانوا يقفون كحرس حدود على مشارف الخلافة، يصُدّون غارات البيزنطيين تارة، وينهزمون تارة، وكان قائد تلك الإمارة شاب صغير اسمه ألب أرسلان وبالعربية يعني اسمه (الأسد الشجاع )..
كان هذا البطل عائدا من خراسان من حرب بجيش قوامه 21 ألف رجل ما بين مصاب وفاقد لسلاحه، وسمع بمجيء الجيش الصليبي فأسرع بالعودة وحاول أن يُقنع ارمانوس الإمبراطور البيزنطي بالرجوع عبر التنازل عن أراضي إمبراطوريته، تارة، وبجزية يدفعها له تارة ويغريه تارة بغنائم وأموال ..ولكن إمبراطور الروم يرفض ويخبره أن مجيء تلك الجيوش الزاحفة وتكلُفتها لا تتسع لها أموال المسلمين كلها .. وأن إبادة المسلمين وهدم مقدساتهم في فلسطين والحجاز هي الثمن الوحيد ..
أُسقِط في يد البطل .. وأرسل للخليفة يسأله العون والمدد فلم يُجبه ، معللا له سوء الحال وقلة الجند وحاول ألب ارسلان، أن يستثير حماسة المسلمين ويرسل الرسل للأقطار كلها فلم يجبه سوى القليل .. ذهب أرسلان إلى شيخه ( أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري) يسأله المشورة في هذا المصاب الجلل، فحثه على الجهاد والكفاح لدين الله بما أُوتي من قوة .. وهنا يخرج أرسلان، لجيشه الصغير ويُخيرهم ..من أراد الجهاد فليبق ومن أراد الانصراف فليقدم عذره لله، وينصرف .. وهنا يقف الشيخ العظيم وسط الجيش يقول لهم: ( هذا يوم من أيام الله لا مكان فيه للفخر أو الغرور وليس لدين الله وحرمة دم المسلمين ومقدساتهم في كل الدنيا سوى سواعدكم وإيمانكم ..) ويلتفت الشيخ إلى الأسد الشجاع ويقول له: اجعل المعركة يوم الجمعة حتى يجتمع المسلمون لنا والخطباء بالدعاء في الصلاة ..
ㅤ ㅤ ㅤ
وبالفعل استجاب أرسلان ،لهذه النصيحة التي تشرح بأقلّ العبارات أسباب الانتصار المادية والمعنوية ، فالمجاهدون يحتاجون تماماً للدعاء مثلما يحتاجون إلى السيف والرمح وفي يوم الجمعة 7 ذي القعدة 463 هجرية الموافق 26 أغسطس 1071م قام ألب أرسلان وصلى بالناس وبكى خشوعاً وتأثراً ودعا الله عز وجل طويلاً ومرغ وجهه في التراب تذللاً بين يدي الله واستغاث به وعقد ذنَب فرسه بيديه ثم قال للجنود “من أراد منكم أن يرجع فليرجع فإنه لا سلطان هاهنا إلا الله”، ثم امتطى جواده ونادى بأعلى صوته في أرض المعركة “إن هزمت فإني لا أرجع أبداً فإن ساحة الحرب تغدو قبري” ، وبهذا المشهد استطاع ألب أرسلان أن يحول 21 ألف جندي إلى 21 ألف أسد …
في مكان اسمه ملاذكرد جنوب شرق تركيا يُقسّم أرسلان قواته ويعزل ويرص الرُماة ، بين جبلين ويتقدم بقواته ليستقبل طلائع الرومان البيزنطيين ، بينما تأخر بقية الجيش الأوروبي .. انقضّ الرومان بقوات بلغت ستين ألف مقاتل فتقهقر أرسلان وانسحب إلى الممر ( بين جبلين ) .. وخرج منه وانتشر خلفه وقسّم قواته إلى فرقة تصدّ المتقدمين وفرقة تتقدم وتلتفّ من جانب الجبل وتغلق الممر من الامام وبهذا يغلق الممر تماما ويحاصرهم في كمين من أحكم الكمائن في تاريخ الحروب …
دخلت القوات البيزنطية وانتظر حتى امتلأ بهم الممر وأشار للرُماة فانهالت عليهم السهام كالمطر وهنا يقول العميد الركن محمود شيت خطاب معلقا على تلك الحالة : أن الرماة كانوا رماة استثنائيين وفوق العاده فقد أبادوا 60 ألف محارب في ظرف ساعتين لدرجة أن فرقتين حاولوا الصعود على جانبي الممر لإجلائهم ولكن السهام ثبتتهم واخترقت أجسادهم بالمَمرّ فغطّته بجثتهم .. ومن حاول الخروج من فتحتي الممر كان السلاجقة في انتظارهم يذبحونهم أحياء ..
علم الأوروبيون بالهزيمة فتقدمت قوات أرمينية وجورجية وروسية فاستقبلتهم فرقة المقدمة فأبادتهم .. اشتد الخلاف بين قادة الجيش الاوروبي وتبادلوا الاتهامات وحدث الخلل ورجعوا لبلادهم وانسحبوا منهزمين وتركوا بقية البيزنطيين فانقضّ عليهم أرسلان ، فقُضيَ عليهم وأبادهم على بكرة أبيهم ووقع الإمبراطور البيزنطي في الأسر … وكان يوم من أيام الله ..
هل كان لأحد أن يتخيل ما حدث؟
هل بالعقل والمنطق والحسابات الأرضية من يتصور أن يصمد 21 ألف مقاتل أمام النصف مليون مقاتل بروح نصرانية مُتشبّعة بالدم والحقد الأسود .. !!.