مكتبة الأدب العربي و العالمي

التغريبه الكسلاويه الحلقه الثامنه الحب والسراب

بقلم جمال شدافنة

كان احمد ( اسم مستعار ) شابا قرويا من عائله فقيره الحال ولكنه كان طموحا متوقد الذكاء يصعد الحافله كل يوم الى المدرسه الثانويه في المدينه المجاوره
وكان ابوه بالكاد ينفق على اخوته واخواته ومصروف احمد اليومي لا يتعدى اجره الحافله وثمن رغيفا من الفلافل يسد به رمقه واحيانا يبقي ثمن الرغيف في جيبه ويعود الى القريه عبر طريق جبليه بين القريه والمدينه ليخفف عن ابيه .
وفي احد الايام الماطره كان الطلاب يسرعون الى الخروج من الصفوف بعد انتهاء الدوام والمطر ينهمر بغزاره وفي الممر اصطدم بأحدى الفتيات
فوقعت حقيبتها على الارض فرفعها معتذرا وحينما التقت عيناهما تجمد في مكانه واحس ان الزمن قد توقف وان الدنيا قد ازهرت وانه قلبه يرقص فرحا وان مشاعره ينتابها احساس غريب لاول مره في حياته .
وانتظر الطلاب في مطلع الدرج لتخف حده المطر وهو ينظر اليها وهي تختلس النظر اليه تاره وتحادث زميلاتها تاره اخرى
وبدا حس الكتابه والوصف لديه يتحرك عنده كانت يستمع الى كلامها وفي صوتها بحه ليست ككل بحه وضحكاتها ليس ككل الضحكات .
وخفت حده المطر وخرجت وهو ينظر اليها تقفز على برك الماء الصغيره في الساحه ثم اختفت عن الانظار
ولكن بعد ان تسللت الى قلبه واستحوذت على مشاعره وارتسمت صورتها في خياله
وركب الحافله عائدا الى القريه عبر الالتفافات الجبليه والمطر ما زال ينهمر وهو ينظر الى الخارج فيرى صورتها بين الغيوم وبين السهول الممتده على مدى النظر
وكأنه خرج من الواقع الى الخيال حتى وصلت الحافله الى المحطه الاخير وهو لا يشعر وتوفقت الحافله وقال له السائق : يا شب وصلنا المحطه الاخير هل انت نائم !؟
ونزل من الحافله يحمل حقيبته ويركض تحت المطر ودخل البيت واحتضن امه بعفويه وهي تنظر اليه بغرابه قائله : مالك يما رحت بوجه وروحت بوجه صاير معك اشي !؟
فلم يجبها ودخل غرفته وجلس على كرسي قديم ووضع دفتر يومياته على طاوله قديمه قد اكل عليها الدهر وشرب وفتح صفحه جديده وكتب من الاعلى
قصه حب عذريه وكتب تحتها ( الحلقه الاولى )
وعاش قصه عذريه شريفه عفيفه يكتب حلقاتها على دفتر الايام
وانهى الدراسه الثانويه وعلم انه لن يستطيع رؤيتها حتى انه كان يسمي يوم التخرج في كتاباته (اليوم الاسود)
ومضت السنين وتخرج من الجامعه وحصل على وظيفه في مؤسسه حكوميه ولم يعد يراها ولكنه لم يستطع ان ينساها ولا يزال الامل يراوده ان يخطبها ويتزوجها ويكملا مسيره الحياه معا .
وفي احد الايام دخل على ابيه وهو يدخن سيجارته العربيه ويحتسي قهوته الريفيه
ففال له : ابي اريد ان اخطب فتاه من المدينه وذكر له اسمها واسم عائلتها وحينما سمع الاب اسم العائله علم انها عائله اقطاعيه تملك مئات الدونمات في القريه والكثير من العقارات في المدينه فقال له : يا بني لا تحملني في كبري مالا اطيق اتعلم ابنه من هذه ومن اي عائله
يا بني وقالها بالعاميه : خلينا ندور على ناس قدنا على قدهم
وتحت الحاح الولد وتصميمه تحركت عاطفه الابوه لديه وقال : سأحاول من شانك يا بني
وفي اليوم التالي لبس الاب قنبازه الجديد وصعد الحافله الى المدينه ودخل قهوه يملكها احد اقرباء الفتاه وجلس على الطاوله وطلب فنجانا من القهوه واخرج علبه الدخان العربي ولف سيجاره عربيه وبدا يحتسي القهوه وينفث دخان سيجارته وكانه ينفث عن نفسه الهموم
ونادى على صاحب القهوه قريب العائله الاقطاعيه وقال له : اجلس اريد ان استشيرك في امر فاصدقني فالمستشار مؤتمن وحكى له قصه ابنه فقال الرجل : اسمع يا حج انت سألتني وانا لن اغشك ان شاء الله وسأنصحك لمصلحتك ومصلحه ابنك وسأله : ماذا يعمل ابنك ؟
فاجاب الرجل الريفي موظف
فاسترسل الرجل يقول :موظف ؟!
هذا يعني مرتب محدود اتعلم يا حج ماذا يعمل زوج اخت الفتاه اللتي ينوي ابنك خطبتها يعني عديل المستقبل انه رجل اعمال وله عقارات وعمارات واموال لا تاكلها النيران
وزوج اختها الاخرى انه تاجر كبير يملك محلات لها افرع كثيره اتعلم يا حج ماذا اهدى الاول لزوجته في عيد زواجهما خاتما من الالماس يساوي راتب سنه كامله حيث يعمل ابنك
والاخر اخذ زوجته لرحله الى بضع دول في دول اوروبا .
في رايي ان ابنك لن يسعد في هذه الزواج لانه من المحال ان يستطيع مجاراه عدايل المستقبل !!
وهي تريد ان تجاري اخواتها مهما كانت تحبه
فتجهم وجه الرجل واعادته كلمات قريب العائله الى ارض الواقع وشكره على النصيحه وعاد قافلا الى القريه .
وحدث ابنه بما جرى فصدم الشاب صدمه شديده اعادته من الاحلام والخيال الى ارض الواقع
ولكنه تمالك نفسه حينما نظر الى وجهه ابيه والتجاعيد بدأت ترتسم على جبينه
اشفق على ابيه وقال له :
لا عليك يا ابي لا اريد ان اراد حزينا صحتك عندي بالدنيا كلشي قسمه ونصيب
وفي احد الايام كان احمد يجلس على مكتبه في المؤسسه اللتي يعمل بها وفجأه ظهرت فتاه احلامه ولكنها كانت تمسك ابنها بيدها هذه المره فقد تزوجت عند عائله اقطاعيه اخرى من المدينه
والتقت عيناهما مره اخرى وتكلم الصمت
وكأنها تقول له : لا تلمني كان الواقع اقوى مني ومنك ونزلت منها دمعه خفيفه وامسكت ابنها واختفت عن الانظار وبعد انتهاء الدوام عاد احمد الى قريته ودخل غرفته وامسك القلم وفتحت دفتر ايامه وعيناه مغرورقه بالدموع وقلب الصفحه وكتب من الاعلى
الحلقه الاخيره
من خواطري
ملاحظه: هذه المقاله كنت قد فزت بها بالمرتبه الاولى في المسابقه اللتي جرت في زخرون يعقوب لهواه الكتابه من الوسطين العربي واليهودي من بين الكثير من المقالات والاشعار وترجمت الى اللغه العبريه في مجله محليه تصدر في المنطقه
احببت ان اعيد صياغتها لاصدقائي الجدد ومن احب ان يعيد قرائتها من الاصدقاء القدامى
والله الموفق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق