فلسطين تراث وحضاره

مدينة اللد من إكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية

أد. حنا عيسى

ولاح اللد منبسطاً عليه من الزهرات يانعةً خضاب

أحقاً بيننا اختلفت حدود وما اختلف الطريق ولا التراب

ولا افترقت وجوه عن وجوه ولا الضاد الفصيح ولا الكتاب “( محمد الجواهري)

(اللد مدينة كنعانية ذكرت في الكتاب المقدس عدة مرات وعرفت بـ”لد” بضم اللام وغير اليونانيون اسمها إلى ليدا(Lydda) وذكر ياقوت الحموي في معجمه أن لد بالضم والتشديد جمع الد والألد تعنى الخصم اللدود. وذكرها الدباغ باسم اللد نسبة إلى الليدين. الذين شملت دولتهم جزءاً كبيراً من سواحل أسيا الصغرى الغربية والواقعة على بحر إيجة ، فسميت اللد تخليدا لهم
كانت اللد عاصمة لفلسطين القديمة. وبعد الفتح الإسلامي اتخذها عمرو بن العاص عاصمة لجند فلسطين سنة 636 م واستمرت كذلك حتى إنشاء مدينة الرملة سنة 715م والتي اصبحت مركز الرئاسة في فلسطين
وقد أهملت المدينة في عهد العثمانيين إلا أنها بدأت تنهض مرة أخرى وذلك بعد مرور خط سكة حديد القنطرة حيفا منها وإنشاء مطار اللد فيها عام 1936).

مدينة اللد: من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، تقع على بعد 38 كم شمال غرب القدس المحتلة، أسسها الكنعانيون في الألف الخامس قبل الميلاد، وتمّ ذكرها في العديد من المصادر التاريخية. تقع على مسافة 16 كم جنوب شرق مدينة يافا و5 كم شمال شرق الرملة.  وتبلغ مساحتها حوالي 12.2 كم2، ويسكنها اليوم خليط من اليهود والعرب ،بعد تهجير غالبية سكانها العرب بعد حرب 1948، ووصل عدد سكانهاحاليا ما يقارب 80 ألف نسمة . منذ تدشين “شارع رقم 1″ العابر في اللطرون بعد حرب 1967 وإغلاق سكة الحديد الواصلة إلى القدس انخفضت أهمية موقع المدينة.

كان اسم المدينة “رتن” في عصر تحتمس الثالث الفرعوني، وفي عهد الرومان دعيت باسم ديوسبوليس، في الماضي كانت المدينة عاصمة منطقة مهمة جدا هي وسط فلسطين. في بعض المصادر باللغات الأوروبية تذكر المدينة بأسماء Lydea أوLydda .

تاريخياً

وتشير نتائج أعمال الحفر والتنقيب في المنطقة إلى أن أقدم إشارة لنشاط الإنسان في منطقة اللد إنما تعود إلى العصر الحجري قبل 1200 عاماً حيث عثر على آثار مرحلة انتقال الإنسان من عصر الكهوف والصيد إلى عصر الاستقرار والزارعة وذلك في مغارة شفة التي تقع في وادي النطوف على بعض عشرة كيلو مترات عن طريق اللد ولذلك أطلق على هذا الحضارة اسم الحضارة النطوفية.  وقد قامت في المكان الذي فيه مدينة اللد قرية زراعية قبل 9000 عام حيث عثر فيها وفي المناطق المجاورة على أوان فخارية من نفس النوع الذي عثر عليه في منطقة أريحا.

وقد ظهرت اللد لأول مرة في العهد الكنعاني سنة 1465 قبل الميلاد حيث ذكرت ضمن قائمة تحتمس الثالث في بلاد كنعان وأصبحت مركزاً للدارسين والتجار في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.  وقد تعرضت المدينة إلى الدمار والخراب في العصر الحديدي والبرونزي ثم فصلت اللد عن السامرة عندما أعطاها ديمترويوس الثاني لجوناثان عام 145 قبل الميلاد. وأعطى يوليوس قيصر مكانه لليهود في اللد أيام المكابيين وفي عام 43 قبل الميلاد بيع سكانها اليهود عبيداً على أيدي كاسيوس حاكم سوريا. أما كوادراتوس حاكم سوريا أيام كلاوديوس فقد أعدم عدداً من اليهود هناك وفي العهد الروماني اعتبرت اللد قرية مع أن تعدادها السكاني شبيه بتعداد سكان المدن،وفي العهد الروماني أيضاً تعرضت اللد للإحراق على يد الحاكم الروماني ستيوس غاليوس وهو في طريقه إلى القدس عام 66 م. وفي عام 68 احتلت المدينة على يد منياسبان وسماها “ديوسبوليس”بمعنى مدينة “زيوس” التي تعني اله اليونان العظيم غير أن اسمها القديم عاد إليها.

وفي العهد البيزنطي أصبحت اللد الأولى إدارياً في فلسطين وأصبحت ذات مكانة مرموقة خصوصاً في القرون الأولى من العهد المسيحي وأصبح العنصر السامي الأكثر سلطة على الرغم من أن المدينة كانت جزءاً من فلسطين المعتبرة مسيحية ولها أسقف، وقد غير اسم الكنيسة إلى جاور جيوس (جورجيوس) أواخر العهد البيزنطي.

الفتح الإسلامي

انتصر المسلمون على الإمبراطورية البيزنطية وبهذا أفتتحت بلاد الشام بقيادة عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب؛حيث كانت اللد حينها عاصمة فلسطين القديمة، وبعد الفتح الإسلامي اتخذها عمرو بن العاص عاصمة لجند فلسطين عام 636م واستمرت كذلك حتى تمّ تأسيس مدينة الرملة عام 715م حيث احتلت مركز الرئاسة في فلسطين. في تلك الفترة وبين الفترتين كانت اللد مسرحاً للعديد من المعارك الحربية التي دارت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم أصبحت العاصمة المؤقتة لسليمان بن عبد الملك الخلافة الأموية الذي كان والياً على فلسطين في عام 1099م احتلت القوات الصليبية مدينة اللد وفي عام 1267م ضمها السلطان بيبرس المملوكي المدينة إلى نفوذه بعد انتصاره على الصليبيين.

كانت اللد في العهد العثماني، عام 1516م قرية تابعة لقضاء الرملة واكتسبت أهميتها السياحية من وجود قبر القديس جاورجيوسوأنقاض الكنيسة التي بنيت فوقه والتي أعيد بناؤها عام 1870م. وفي عام 1900م انتشر في اللد وباء الكوليرا وأودى بحياة الكثير من سكانها وفي عام 1914م اندلعت الحرب العالمية الأولى وجُنِّدَ شُبان المدينة للاشتراك في الحرب التي أنهت الحكم العثماني على البلاد. وفي عام 1917م انسحب الجيش العُثماني من اللد عند اقترابالجيش البريطاني منها وأصبحت اللد تحت الحكم العسكري البريطاني الذي تحول بعد سنين ليُصبح حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين.

الإنتداب البريطاني

كانت الأغلبية الساحقة من سكان اللد من العرب الفلسطينيين؛ حيث بلغ عددهم 8,103 نسمة حسب إحصائية عام 1922م منهم نحو 920 مسيحياً (11% تقريباً أمّا في عام 1948؛ فقد بلغ عددهم 22 ألف نسمة تقريباً. في عام 1892م أفتتح خط القطار الأول في فلسطين من يافا إلى القدس عبر اللد والرملة. وكان رجل الأعمال اليهودي المقدسي يوسف نافون قد بادر ببناء السكة الحديدية الذي تمّت من قبل شركة فرنسية، والذي زاد من أهمية اللد. في الحرب العالمية الأولى ربطت السلطات العثمانية مدينة اللد بسكة حديدية جديدة مرت من مرج بن عامر جنوباً عبر جنين وطولكرم من أجل تسهيل نقل الجنود والعتاد العسكري لساحات المعارك. بعد تأسيس الانتدابالبريطاني قامت حكومة الانتداب بترقية السكة الحديدية حيث أصبحت اللد في عشرينات القرن العشرين مُلتقى لخطوط القطار المُتجهة إلى جميع أنحاء المنطقة.

وفي عام 1937م افتتحت حكومة الانتداب البريطاني “مطار فلهيلما”قُرب مدينة اللد والذي أصبح المطار الدولي لفلسطين حتى بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948م حيث غيرت السلطات الإسرائيلية اسمهليصبح “مطار اللد”، أما في عام 1973م بعد وفاة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول دافيد بن غوريون تغيّر اسمه ثانية ليصبح: مطار بن غوريون الدولي. حيث يتم الوصول إليه اليوم من “شارع رقم 1″ دون الدخول إلى مدينة اللد.

الاحتلال الإسرائيلي

بعد قرار التقسيم عام 1947 واندلاع الحروب في المناطق الداخلية لفلسطين وهجمات العصابات اليهودية المسلحة على المدن الساحلية أولاً، بدأت مدينة اللد بالاستعداد للحرب وشراء الأسلحة والعتاد والذخائر، ولكن هجمات اليهود على يافا وقراها أدت إلى لجوء الآلافمن أهلها إلى اللد حتى اكتظت المدينة بساكنيها، وعانت المدينة من نقص الغذاء والماء والموارد، وبعد ذلك تابعت قوات الهاجاناهالصهيونية تقدمها واحتلت القرى الواقعة بين اللد و الرمله وبين يافا مثل يازور  وبيت دجن و السافريّه و كفر عانا وصرفند العمار و صرفند الخراب و ساقية ، ولجأ أهل كل هذه القرى إلى اللّد أيضاً بدورهم ولم يعد هنالك مكانٌ لاستيعابهم في المدينة حتى اضطر بعضهم للنوم تحت الأشجار، هذا بالإضافة إلى إنشاء مخيمٍ كبيرٍ للاجئين غرب المدينة .

ثم وصلت القوات الإسرائيلية إلى المدينة وبدأت هجومها عليها ضمن ما يعرف بعملية داني وهي واحدةٌ من أكبر العمليات التي جرت إبان النكبة في فلسطين كلها، حيث نفذ العملية الآلاف من الجنود مدعمين بأحدث الأسلحة والطائرات، وبدأ الهجوم صبيحة يوم 10\7\1948 بهجومٍ على الجهة الشرقية للمدينة وقصفٍ عشوائيٍ لمبانيها من قبل المدفعية والطائرات الإسرائيلية مما أدى إلى وقوعٍ عددٍ كبيرٍ من الضحايا معظمهم من النساء والمسنين والأطفال حتى امتلأت شوارع المدينة بهم، وأتم اليهود احتلال المدينة في صبيحة اليوم التالي 11\7\1948، ولسخرية القدر كان هذا نفس تاريخ الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة قبل 21 عاما ، وقد لجأ ما يقارب الـ 176 مواطناً إلى مسجد دهمش خوفاً من بطش الجنود وظناً منهم بأن لدور العبادة حرمةً لديهم ، ولكن اليهود تبعوا السكان إلى داخل المسجد وأطلقوا الرصاص عليهم إلى أن قتلوهم في داخله واستشهدوا جميعا ، فكانت هذه هي مذبحة اللد التي لا يعرف الكثيرون بأمرها …ثم أمر بن غوريون بترحيل أهل المدينة الأحياء شرقاً إلى الضفة الغربية، ووضع الجنود الحواجز على الطرقات إلى الملاجئ وقاموا بتفتيش السكان ونهب مجوهرات النساء ونقود الرجال، وقد استشهد حوالي 300 آخرين معظمهم من المسنين والأطفال أثناء رحلة اللجوء الصعبة من جراء التعب والجوع والعطش ، حيث كان رحيلهم سيراً على الأقدام.

إثر حرب 1948 اضطر الكثير من سكان المدينة للنزوح منها إذ أصبحت المدينة ساحة معركة بين القوات الإسرائيلية وقوات عربية مُختلفة. في شهر يوليو من عام 1948م احتل الجيش الإسرائيلي المدينة وبعد توقيع “اتفاقية رودوس” عام 1949م أصبحت مدينة إسرائيلية. منحت دولة إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لجميع السكان الذين بقوا في المدينة بينما بدأ بعض اليهود بالسكن في المدينة،واليوم ربع سكانها تقريباً من العرب والباقي هم من اليهود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق