اقلام حرة
الأسرى داخل المعتقلات مشاريع شهادة
الأسرى داخل المعتقلات مشاريع شهادة.
بقلم: تمارا حداد.
يعيش الأسرى المرضى داخل السجون الاحتلالية أوضاعاً استثنائية صعبة ويستمر الاحتلال بمماطلته في تقديم العلاج اللازم لهم، فسياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى المرضى تُهدد أجسادهم وتنال من كرامتهم، فاستمرار استخدام سياسة الموت البطيء للأسرى المرضى سيكون نتاجها شهداء حيث وصل عددهم 235 أسيراً شهيداً آخرها الأسير “أحمد بدر أبو علي” والذي استشهد نتاج مماطلة الاحتلال في تقديم العلاج له واجراء الفحوص الطبية اللازمة، وهذا يُشير أن الأسرى المرضى داخل السجون الاحتلالية هم مشاريع شهادة بالتحديد أن هناك 600 أسير مريض ومنهم 24 أسيراً مريضاً بالسرطان.
ناهيك عن الانتهاكات التي تحدث داخل المعتقلات بحق الأسرى مثل حرمانهم من زيارة الأهالي وأخذ ممتلكاتهم الخاصة وقطع المياه والكهرباء داخل السجون والاستمرار في التنقلات الجماعية وتحويلهم إلى العزل الانفرادي وبالتحديد أن وزير الأمن الوطني الاحتلالي بن غفير أصدر أوامر لمصلحة سجون الاحتلال بإنشاء زنازين عزل للأسيرات الفلسطينيات في سجن ” نفي ترتسيا” وتعهد بتخصيص الميزانية اللازمة لذلك بهدف عزل أسيرات كإجراء عقابي على احتجاجهن على اجراءات استفزازية تنفذها مصلحة سجون الاحتلال.
ناهيك عن إصدار أوامر لبناء أقسام جديدة في سجن نفحة وهذا يُعبر أن سياسة الاعتقالات في الضفة الغربية والقدس ستزداد وتيرتها خلال هذا العام وزج أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتحويلهم إلى سياسة الاعتقال الإداري دون تهمة قانونية محددة موجهة لهم، والهدف من ذلك تركيع الشعب الفلسطيني عن مقاومة المحتل حسب معتقده دون ادراكه أن سياسة العُنف لا تولد إلا المقاومة وبالتحديد أن سياسة الانتقام ومقاومة المحتل تزداد وتيرتها في الآونة الاخيرة نظراً لازدياد حالة الاقتحامات والانتهاكات في الضفة الغربية التي تعمل على تنمية حالة الكفاح والمواجهة بشكل مستمر.
قضية الأسرى من أصعب القضايا الحالية فهي قضية وطن تحتاج الى اسناد وان يصبح هذا الإسناد ثقافة في عقول أبناء الشعب الفلسطيني والعربي، وبحاجة قضيتهم الى التفاف جماهيري يُساعد في نُصرتهم.
قضية الاسرى المرضى فاقت الخطوط الحمراء حيال الانتهاكات بحقهم، من قمع وظلم وإهمال وعزل عنصري فاشي، ومن ابرز هذه الانتهاكات التي يتعرض لها الاسرى المرضى هي سياسة الإهمال الطبي المتعمد والبطء في تقديم العلاج اللازم للاسرى المرضى، ومعالجة الاسرى المرضى بشكل عام بقرص الاكامول وقد لا يتلائم هذا القرص لكافة اشكال الامراض التي يعاني منها الاسرى المرضى، فمريض السرطان بحاجة لعلاج كيماوي وصور طبقية، ولكل مرض بحاجة لعلاج معين، ناهيك عن عدم توفر المستلزمات الطبية الخاصة للاحتياجات الخاصة، وعدم توفر اغذية تتناسب مع مرضى السكري، والضغط، والقلب، والكلى، وغيرها، وعدم نقل الأسرى المرضى في سيارات إسعاف مجهزة ومريحة، ناهيك عن معاناة الأسرى المرضى من غرف مكتظة لا تتلائم مع الاحتياج الادمي، واستخدام العنف والاعتداء على الأسرى، بما فيهم المرضى، ناهيك عن معاناة الاسيرات المرضى لا يتوافر اخصائيات تخص النساء.
ان سياسة الاهمال الطبي المتعمد أداة ووسيلة ترمي إلى تعريض الأسير للموت البطيء، دون مراعاة للقوانين والأعراف الدولية والقواعد الإنسانية والأخلاق المهنية التي تحكم مهنة الطب وترعى حقوق الأسرى.
يُحتم على كل من المنظمات والمؤسسات الحقوقية والصحية وعلى رأسها الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة أطباء بلاحدود والمؤسسات الحقوقية الدولية متابعة احوال الاسرى المرضى باتجاه تحقيق أدنى متطلبات الحياة وفق معايير حقوق الإنسان ومتطلباته الإنسانية والضغط على الاحتلال من اجل توفير الرعاية الصحية الكاملة للأسرى المرضى، وارسال مندوبين طبيين لمتابعة الحالات المرضية الصعبة وعمل الإجراءات الطبية اللازمة.
حق الاسير في العلاج:-
حق الأسير في الحصول على العلاج وان تجري له فحوصات دورية وبانتظام مرة كل سنة حسب المادة في اتفاقية جنيف الرابعة (م90,91) والتي كفلت حق العلاج والرعاية الطبية وتوفير الأدوية المناسبة للأسرى المرضى.
ما يجري داخل قضبان المعتقلات من إذلال ومجاوزة لكل أعراف أهل الأرض وديانات السماء والاتفاقيات والمواثيق الدولية بحق الاسرى المرضى، يُحتم على الجميع اتباع سياسة أعمق وأقوى ورؤية ممنهجة للاهتمام بالأسرى المرضى.
على الصليب الأحمر ان يستعمل أسلوبا ضاغطاً ضد الاحتلال ويتحمل مسؤولية اكبر تجاه الأسرى المرضى، ويجب استنهاض الطاقات وأيدي العمل الحقوقي والانساني من اجل دعم وإسناد الأسرى لانتزاع حقوقهم من أنياب السجان.
استمرار مماطلة اسرائيل بتقديم العلاج يستدعي من المجتمع الدولي وقفة جادة بتحمل مسؤوليتها تجاه الأسرى والأسيرات المرضى وان تنفذ المواد التي أقرتها لحمايتهم وحماية حقوقهم.
ومن المهم توثيق واقع الاسرى وتوثيق قضيتهم هي حفظ السيرة التاريخية للحركة الاسيرة ولبنة اساسية في ادب الحركة الاسيرة، فتدوين بصماتهم وسطر تجاربهم النضالية وحفظها وتنسيقها وترتيبها لجعلها مادة اولية وأدلة لحفظ حقوق الاسرى، وحفظ الاحداث المأساوية والانتهاكات الصهيونية بحق الاسرى ونقلها عبر الاجيال اللاحقة. كون التوثيق في ظل قضيتهم ضرورة حتمية ومرجع حقيقي وكفه راجحة كون قضيتهم عبارة عن ملفات متصلة وبالذات اذا ما قورن التوثيق في القانون الدولي والعرف الانساني .
فالوثيقة عندما تحمل الصفة القانونية ستحيط احاطة شاملة بقضية الاسرى ويمكن ان تستخدم كحجة امام القضاة والمحاكم الدولية، والتوثيق هو اثبات لحقوق الاسرى واعتراف بجهودهم وتضحياتهم وضمان حقهم في حريتهم. فالتوثيق مهم في وقت لا نزاع فيه وتقرر فيه الحقائق على طبيعتها فعند تقديمها للقضاء تنطق الكتابة بتلك الحقائق التي سبق اثباتها دون تمييز او خطأ او نسيان فالشيء الذي لا يوثق لا قيمة له .
الهدف من التوثيق
تعتبر قضية الاسرى من الملفات الساخنة تحتاج الى صيانة ولا يأتي التحرز إلا بالتوثيق ليكون دليل قانوني لمقاضاة الاحتلال، فاهم حق حصلت عليه فلسطين بعد الانضمام الى اتفاقية روما هو امكانية تقديم أي قضية خاصة بالأسرى والمعتقلين والرهائن الى المدعى العام بالمحكمة الجنائية الدولية حسب المادة ( 7 ) الفقرتين ( ه ، و ) كون فلسطين عضوا في محكمة الجنائيات الدولية بتاريخ 1 / 4 / 2015 .
فالتوثيق يستخدم كإطار انساني وقانوني وشهادة دولية امام العالم يدين الانتهاكات الصهيونية بحق الاسرى ان كان في اعتقاله للأطفال او تعذيب الاسرى او استخدام الاحتلال سياسة العزل الانفرادي او الاهمال الطبي او حرمان الاهل من الزيارة او سياسة الاعتقال الاداري واعتقال النساء والشيوخ .
فالتوجه الى محكمة الجنائيات بوجود ادلة موثقة يعني التحرر من استمرار الخضوع لمنظومة الاوامر الاحتلالية وإنصافا بحق الضحايا وحماية الاسرى وحقوقهم وعدم ابقاء المجرمين طلقاء وحتى لا يظل الاحتلال فوق القانون تستبيح حقوقهم وتستهتر بالثقافة والعدالة الانسانية .
والتوثيق احياء للقضية يساهم في اخراج الانتهاكات من الموقع المحلي الى العربي الى الدولي لإبراز معاناة الاسرى وخلق رأي عام ضاغط للتضامن والمؤازرة وإيصال صوت الاسرى وتعزيز احترام المناضلين، والتوثيق ليس سبق صحفي بل البحث عن الحقيقة والتنقيب عن مشكلات وهموم الاسرى وذويهم .
ختاماً:-
يجب الاهتمام بملف الأسرى المرضى هم بحاجة الى التضامن أو الاستنكار والدعاء، وإنقاذ حياتهم من العبث والاستهتار المتعمد من قبل إدارة السجون، ووقف سياسة الموت المؤجل بحقهم الذي يخالف الأعراف وكافة الشرائع السماوية والأرضية التي احترمت حرية وآدمية الإنسان وكرامته…
على الجميع أن يتركوا ألوانهم وان يجعلوا ضميرهم مرجعهم ومصدرهم لرفع ذات الإنسانية في نفوسهم ليعملوا بما يليق بكرامة الأسرى، فهم الشموع التي لا تنطفئ والخيوط الذهبية التي تنبعث من شمس الحرية وحجارة الصوان لإنارة طريق الظلام.