مقالات

“وأنا الذهاب المُستمر إلى البلاد”

طارق البكري

في عام ١٩٧٧، جاء البروفيسور جورج بشارات إلى فلسطين من خلال جنسيته الأمريكية حاملاً صورة منزل جده في حي الطالبية، بحث في المنطقة التي تغيّرت أسماء شوارعها وتعبرنت، سار بين المنازل مسترجعًا وصف والده وجدّه للمنطقة، ما الذي حلّ بفيلا هارون الرشيد اليوم ؟
شُيّدت عام ١٩٢٦ واحدة من أجمل مباني غربي القدس لعائلة بشارات التي تعود أصولها إلى قرية رفيديا في نابلس، وقد اختار حنا بشارات المولود في مدينة السلط أن يرتبط اسم الفيلا بالخليفة العباسي هارون الرشيد لفخامتها وطرازها المعماري المميّز.


بعد ساعات من البحث، وجد البروفيسور جورج المنزل بطوابقه الثلاث والسيراميك الأزرق الذي يزيّن واجهته وزواياه وحديقته وأشجار الليمون والزينة، استرجع ذكريات المكان وطابقه مع ما شاهدته عيناه وسمع صوت والده وأعمامه يلعبون في حديقة منزلهم ويلتقطون الصور العائلية غير مدركين لمصير منزلهم بعد سنوات..
طرق باب المنزل ففتحت له مُسنّة اسرائيلية الباب، عرّفها بنفسه وأخبرها بأن عائلته ملكت هذا المنزل قبل أن تستولي عليه الهاجاناه عام ١٩٤٨ بعد أن استلمت مفاتيحه من البريطانيين الذين استأجروا المبنى من عائلته، فقالت له “عائلتك لم تسكن هنا أبدًا”، ضحك في سرّه ولم يجادلها وهو يحمل صورة عائلته بيده، على إثر هذه المحادثة جاء زوجها “تسفي برنزون” الذي كان قد شَغِل منصب قاضٍ في محكمة العدل العليا الإسرائيلية وسمح له بالدخول الى صالون المنزل فقط.

أما جولدا مئير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة وفي مقابلة لها مع الصحفي فرانك جايلز، كانت قد صرّحت على صفحات جريدة الساندي تايمز في ١٥ حزيران ١٩٦٩ بأنه ” لا يوجد شيء اسمه الشعب الفلسطيني، تتحدثون كأننا جئنا وطردناهم من بلدهم، لم يكونوا موجودين”. سكنت جولدا مئير التي كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية أنذاك الطابق الثاني من منزل عائلة بشارات.

ها نحن الآن بعد ٤٥ عامًا من الزيارة الأولى للمنزل، يأتي أندرو بشارات ابن الجيل الرابع إلى فلسطين متمسكًا بذكريات عائلته وحقهم وبإصرارٍ لا يقلّ عن سابقيه حاملاً نفس الصورة لأن “الصغار لا ينسون”. تجوّلنا في حي الطالبية ثم توجهنا إلى المنزل، وقف أندرو أمام البوابة وصمت لأكثر من ٥ دقائق دون أن يحرك ساكنًا وكأن شريط ذكريات عائلته يُعرض بين أقواس شرفة الطابق الثالث.
تجوّل في حديقتها، صعد الأدراج الخارجية، أمسك الجدران، تمعّن بالنوافذ والتقط الصور بهاتفه.
خلال وقوفنا عند مدخل المنزل، فجأة فُتح الباب وخرج إلينا شخصين أحدهم بملابس عمل. تساءل الآخر، من أنتم وهل استطيع مساعدتكم بشيء ما؟ تقدّم أندرو وعرّفه بنفسه وقال له أن عائلته سكنت في هذا المبنى.
أخبره بأنه مهندس تقوم شركته بتصميم وتجديد المنزل من الداخل، وأنه إذا رغب بالدخول والتجول بداخله، فيمكنه الاتصال بمالكي المنزل ليطلب إذنًا له بالدخول. رفض أندرو ذلك، قطف حبتيّ ليمون من الحديقة ليعطي واحدةٍ لوالده ويحتفظ بالأخرى لنفسه وهمّ بالخروج. عاد واستوقفنا الإسرائيلي وسأل أندرو مستغربًا: هل سكنوا هنا في منزل جولدا ؟
ضحك في سرّه ولم يجادله وهو يحمل صورة عائلته بيده وغادر.

#كنا_ومازلنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق