ثقافه وفكر حر

جوْلةٌ في شتاءِ فلسطين- الجزء الأول المربعانية..الخمسينيات..المستقرضات..الجمرات

بقلم عزت ابو الرب

مع إطلالةِ أوَّلِ وفدٍ من طيور “السمَّن والسِّوَدِ والحلاج والكركس والشحاتيت وأبو المغازل… ” نستبشرُ بموسمِ الخير، ويتعزز لدينا ذاك الفألُ حين نرى السماءَ تتلفعُ بأغطيةٍ رماديةٍ تزينها أسراب طيور “الزرزور والصُّفَرِ واللقلقِ الأبيض” كأجملِ لوحةٍ شتوية (تَسُرُّ الناظرين).
في رحلةٍ تستمر ثلاثةَ شهور، يصلُ فلسطين سنوياً من دول أوروبا و وسط آسيا 550 مليون طير مهاجر على مدار الفصول، وتزداد عدداً وتنوعاً في فصل الربيع؛ لبناءِ الأعشاشِ ووضْعِ البيْض.
يمرُّ شتاءُ فلسطين بأيامه التسعين، ما بين برقٍ ورعدٍ ورياحٍ ومطرٍ، يصحبُهُ البردُ والصقيعُ والعشبُ والفقعُ، وقد يهلُّ علينا الوسمُ مبكراً فتزيدُ أيام الشتاء، أو ينحبس المطرُ فتنقص. وتمثِّلُ المربعانيةُ عمودَ خيمةِ الشتاء، فمن الأيام التسعة الأخيرة في كانون الأول، والواحد والثلاثين يوماً من كانون الثاني أخذت اسمها؛ ولأهمية كانون الثاني عند الفلاحين يسمونه”فحل الشتاء”، “وكانون الأصم ” والأجرد”. فيه يشتدُ البردُ والمطرُ والرياحُ، وتكنُّ الزواحفُ والقططُ والكلاب؛ و يَشُق العمل على الناسِ، فيلزمون البيوت؛ ولذا قالوا: “دخان يعمي ولا برد يرمي”، و”بكانون كون ابيتك وكثِّر حطبك وزيتك”، و” في كانون كِنْ وعلى الفقير حِنْ”، و” سيل الزيتون من سيل كانون”.
فإذا انحبس المطرُ هُرِع الرجالُ لإحياءِ “حَضْرةٍ” مسيرة ذكرٍ وتَضَرُعٍ إلى الله طلباً للغيثِ ومعهم “الصّناجة” الكأسُ، و”المزاهر” الدفوفُ، والأعلامُ المزَيَّنةُ بلا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، ويتجهون إلى المقابرِ والمقامات، يجوبون الحواري يسألون الله الخيرَ، وإليه يجأرون. وفي أيامٍ أُخَر تقوم النساءُ ومعهن المشاعلُ بمسيرةٍ لذات الهدف وهن ينشدن:
يا الله الغيثِ يا ربي تسقي زرعنا الغربي
يا الله الغيث يا دايم تسقي زرعنا النايم
يا رب تبل الشرشوح وخل النحسة تروح
يا رب تبل المنديل قبل ما نرحل ونشيل
وتعتبر المربعانية هي المؤشر المبشر للمزارعين، فيها تكون الزراعة الأمثل، وقد دأبَ البعضُ على الزراعةِ قبل نزول المطر ويسمى “العفير”، أو الزراعة في أحدِ الكانونيْنِ؛ أي بعد الرِّي الشتوي أو الصيفي، ومن فاته ذلك يزرع اضطراراً في غيرِ وقتهِ، و يُطلقُ عليه الفلاحون: “لِقشي”. ومن هنا قالوا: ” إللي ما بزرع في الأجرد عند الصليبة بيحرد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق