مقالات

لا مبادىء بل مصالح فقط .. المنظمة العربية للهلال والصليب الأحمر تمنح أرفع أوسمتها للعام 2021 لملك طاغية / بقلم هاني يوسف

موقع hamsaat .co

صدمت الغالبية الشعبية التي ناضلت وقدمت كواكب من الشهداء الابرار من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين، على امتداد عقود من الوقت، بالقرار التي أعلنت عنه اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية للهلال الاحمر والصليب الاحمر في اجتماع دورتها الثالثة والاربعين في 29 كانون الاول/ ديسمبر 2021 الذي منح بموجبه حاكم البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، قلادة أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق، وهو أرفع الأوسمة التقديرية المعنوية، التي تمنحها هذه المنظمة لملوك ورؤساء الحكومات العربية الذين قدموا “خدمات جليلة للحركة الدولية والصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتميزوا بالجهود المكثفة والمتفانية من أجل الأعمال الخيرية والأنسانية” وقد أعتبرت ذلك القرار بمثابة اهانة بالغة لشعب البحرين، لانه جاء على حساب تضحياته ونضالاته المتراكمة عبر عدة عقود مضت من أجل نيل الحقوق والحريات .

القرار جاء، بناءا على تقديرات اللجنة التنفيذية للمنظمة التي رأت بالاجماع، أن:”جميع الاسهامات التي قدمها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في قطاع العمل الانساني والاغاثي، تستحق الاشادة والتكريم والالتفاتة التي تعبر عن اعجاب المنظمة بالارث التاريخي الكبير التي تمتلكة البحرين في مجال العمل الانساني الذي ازدهر في عهد هذا الملك، وتطور إلى درجة يستحق عليها تكريمه ومنحه أرفع الأوسمة التقديرية التي تمنحها سنويا للملوك والرؤساء العرب، الذين قدموا خدمات جليلة لشعوبهم والشعوب الأخرى في العالم” .

من جانبة أشاد حاكم البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بصدور هذا القرار واعتبره بمثابة وسام شرف يزين به  طريق مشاريعه “الاصلاحية” التي بدأت تحث الخطى منذ تدشين حكمه للبلاد في العام 1999 والتي وصفها بانها “أعظم انجاز تاريخي للبحرين” في تاريخها الحديث والمعاصر، الذي قد شمل برعايته الفذة بالغ الاهتمام والرعاية المنقطعة النظير للاعمال الخيرية والانسانية والتكافلية والتطوعية المشرفة والمبادرات الرائدة في المحافل الانسانية والخيرية التي جسدت ايمان البحرينيين بقيم الخير والتكافل والتضامن النابعة من تعاليم الدين الاسلامي الحنيف والقيم البحرينية الأصيلة” وفي نفس الوقت هللت وصفقت الصحف البحرينية الصفراء بهذا القرار وامتدحت ما سمته “مسيرة العطاء والتضحيات الكبيرة والملهمة التي دشنها الملك في بداية عهده الميمون نحو العمل الخيري والانساني على المستويين الوطني والدولي .

وإلى هنا، يبقى السؤال المطروح دائما بين الغالبية الشعبية في البحرين، التي افتقدت للامن والسلام والوئام والخدمات الانسانية والمعيشية اليومية التي هي من أهم واجبات الدولة نحو خدمة المجتمع؟ أين هي تلك الانجازات الخيرية والانسانية الجليلة والعظيمة، التي ما برح يتحدث عنها الملك، ويدرجها في سجل أعماله وعطاءاته الانسانية والخيرية ؟

الجواب هنا: “هو أنه على امتداد أكثر من عقدين من الزمن منذ تدشين المملكة الخليفية الاولى على ايادي حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، في العام 2002 والعالم أجمع يعرف بأن النظام البحريني، التي ما برحت تدعمه الانظمة العربية والغرب والكيان الصهيوني، هو نظام دكتاتوري وله أسوأ سجل في العالم في مجال الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان، وأن الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية اليومية للمواطنين في البلاد، منذ تدشين هذه المملكة المزعومة، تزداد من سيء إلى أسوأ، وأن الحاكم الذي قدم نفسه على أنه  قائد المسيرة الاصلاحية المنشودة، لا يزال عاجزا حتى الآن عن تحقيق كل ما وعد به وتعهد به أمام نفسه وأمام المجتمع البحريني برمته.

فلا الايام الجميلة التي وعد بها في بداية عهده قد تحققت، ولا العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل للمواطنين البحرينيين حتى من أصحاب الشهادات والمؤهلات العلمية العالية، قد توفرت وتحققت على أرض الواقع، بل على العكس فقد كان من نتائج غياب الحد الادنى من الحريات العامة وحصار الديمقراطية والتمييز الطائفي والطبقي، والتفرد بأدوات صنع قرارات الدولة والمجتمع، وجلب الجيوش الهائلة من المجنسين الاجانب من مختلف القوميات والاعراق، لتعديل ميزان التوازن الاجتماعي التي ظلت ترجح  كفته الطائفة الشيعية منذ القدم، باعتبارها أكبر وأعرق الطوائف في المجتمع، وتخلي الدولة عن العديد من التزامات الرعاية الاجتماعية والصحية واعانة الفقير، أن تضاعفت معاناة الشعب وجميع مآسيه، وازدادت نسبة الفقر بين قطاعات كثيرة في المجتمع، وتزايد حجم البطالة في أوساط المواطنين، مع زيادات ملحوظة في نسب ثروات الطبقات الغنية والمتوسطة، وثراء فاحش في صفوف أعضاء الاسرة المالكة.

وانتشرت قضايا الفساد والافساد والرشى والسرقات ومكرمات الولاء للنظام إلى الحد الذي لا يطاق، وبدلا من أن تكون كافة القروض والمنح المالية الممنوحة لهذا البلد الصغير بمساحته الجغرافية وتعداد شعبه، وباعتباره “أفقر الأغنياء” في بلدان الخليج النفطية، ملكا للشعب ويتم صرفها بالكامل على خطط ومشاريع التنمية البشرية والعمرانية، وتوزيع الاموال على المستحقين من الضعفاء والفقراء في المجتمع، وتعمير القرى الفقيرة التي لا زالت تعاني من التهميش والاهمال، وتفتقر إلى كافة مقومات الحياة المدنية العصرية، وبناء المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات ودور العبادة، ومراكز الوعي والثقافة والفكر وغيرها من المؤسسات الأخرى التي تستطيع أن تخدم مشاريع الدولة والمجتمع، وتنتقل بالبلاد لمواكبة عصر النهضة الحديثة والمتقدمة والمتطورة على غرار الدول المتقدمة والراقية، فانها بدلا من ذلك تذهب في غالبيتها الساحقة لجيوب افراد الاسرة المالكة، والمستثمرين والمضاربين واصحاب الشركات الوهمية الذين تربطهم مصالح اقتصادية مشتركة مع كبار المسؤولين في البلاد.

وكذلك مؤسسات الدولة الصورية، مثل البرلمان ومجلس الشورى، والمؤسسة الوطنية لحقوق الانسان، والمؤسسة القضائية المسيسة، والمؤسسة الامنية بكل فروعها ودوائرها، وتوسيع المعتقلات والسجون، والتسلح العسكري، والمشاركات في شن الحروب والعدوان على البلدان الآمنة (المشاركة العسكرية في حرب اليمن مثال ساطع) وهذا بالاضافة إلى أن السلطات البحرينية عبر عدة سنوات مضت ولا تزال حتى الآن ترفض استقبال اللجان الدولية ذات الصلة بتقصي الحقائق في ما يتعلق بأوضاع السجون والمعتقلات ومختلف مراكز التعذيب في عموم البلاد، التي ترتكب فيها أجهزة القمع أفضع الانتهاكات لحقوق الانسان، وعدم مسائلة ومحاسبة الجلادين.

واستمرار السلطات في حبس المناضلين السياسيين والحقوقيين الذين تم اتهامهم بتهم باطلة فيما يتعلق بالمسائل السياسية أو الحقوقية، ويعاني العديد منهم من أمراض مزمنة وخطيرة ولم يفرج عنهم أو حتى تقديم خدمات الرعاية الصحية المناسبة لهم، ففي وضع كهذا موبوء ومشحون بالعديد من الفواحش والموبقات، كيف تقبل المنظمة العربية للهلال الاحمر والصليب الأحمر، لنفسها أن تعتز وتفتخر بتكريم نظام طاغية متغطرس، لم يستطيع أن يقدم لشعبه حتى أبسط حقوق المواطنة المشروعة، التي كفلها وضمنها دستور مملكته المزعومة، وتصونها وتكفلها كافة العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان.

ولم يعد يكترث أو يهتم لصوت الارادة الوطنية العامة، التي ما برحت تطالبه بتوفير الفرص الاجتماعية والعمل وتحقيق العدالة والانصاف في مجتمع لا يزال يعاني من صنوف التعسف والقمع، وتحاول أن توفر له الغطاء الشرعي الذي يمكن أن يتستر على جميع أخطائه الطائشة والفاحشة التي لم يعرف لها حدود، من خلال منحه ذلك الوسام الرفيع للعام 2021 وذلك تحت ذريعة انها رأت فيه “خير مثال” للدفاع عن القيم والمثل الانسانية والاخلاقية وأفعال الخير وطنيا وعلى المستوى الدولي، وهي بذلك لم تكلف نفسها على الاطلاق حتى في القيام بقراءة شاملة ودقيقة لكل ما هو حاصل على أرض الواقع من أمور خطيرة وتراكم أخطاء تعيش في ظلها البلاد والمجتمع لكي تحسم خيارها، أما أنها تقف إلى جانب الشعب المسلوبة ارادته بكل تعنت وتعصب، وتتراجع عن قرارها المتسرع وغير المدروس، واما أنها تتحمل مسؤولية الخطا الذي يمكن أن تنتقد أو أن تحاسب عليه بمنحها أرفع الاوسمة لملك طاغية تميز عهده بحصار الديمقراطية وغياب الحريات العامة وانتهاكات صارخة لحقوق الانسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق